هبة الله للأمة، عبد الوهاب حمودة نموذج المدرسة الوطنية الأصيلة ..

بقلم: محمد مصطفى حابس-

التاريخ ذاكرة الأمم، وهو مادة أصيلة في تربيتها لأبنائها، ولا سيما إذا كانت أمة ذات تاريخ عريق ومجيد كالجزائر، لما نعود لقراءة شعار الدولة الجزائرية الخالد بهدوء وروية، ونتمعن في النشيد الذي يحفظه العام والخاص منا. هذا النشيد الذي نحته في جباه الرجال وقلوبهم وقمم الجبال وهضابها الزعيم الروحي لحرب التحرير، العلامة الامام ابن باديس بدمه وعرق جبينه، والذي يعد بحق دستور الأمة الجزائرية عبر العصور، بل يُعد فلسفة حياة الأمة الجزائرية وسر وجودها وبقائها، إذ أنشد يقول، رحمه الله:

شَعْـبُ الجزائرِ مُـسْلِـمٌ*** وَإلىَ الـعُـروبةِ يَـنتَـسِـبْ

مَنْ قَالَ حَـادَ عَنْ أصْلِـهِ *** أَوْ قَــالَ مَـاتَ فَقَدْ كَـذبْ

أَوْ رَامَ إدمَــاجًــا لَــهُ *** رَامَ الـمُحَـال من الطَّـلَـبْ

ومعنى هذه الأبيات البسيطة في تراكيبها والعميقة في معانيها، كما تعلمناها ونحن صغارا في المدارس، أن "الجزائر وطننا والإسلام ديننا ونحن قوم أمازيغ ننتسب للعروبة"، من قال غير ذلك فقد كذب علينا وأراد شق صفوفنا وتمزيق وحدة ترابنا.. انتهت القصة، طويت الصحف وجف القلم وبهت الذي كفر، بل وبالتعبير السياسي أوصدت أبواب كل التأويلات الاستعمارية البغيضة والتخمينات العنصرية المقيتة..

أيها الأمازيغ، لا تحمر وجناتكم من الخجل إن قيل لكم أنكم مسلمون

لا لشيء إلا لأن الإمام عبد الحميد بن باديس، يدرك عمق أبعاد وخطورة تفرقنا وأهمية وحدة الامة الجزائرية بمختلف مكوناتها، فكان له في هذا المضمار مواقفه التاريخية الصلبة وصيحاته المدوية، التي يؤكد فيها وبها هذه الحقيقة الناصعة، من ذلك قوله في خطاب ألقاه في نادي الترقي بجمعية العلماء، سنة 1936 م، يقول فيه: " إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضع عشرة قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء، وتؤلف بينهم في العسر واليسر، وتوحدهم في السراء والضراء، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا، أمّه الجزائر وأبوه الإسلام."، ونقل عنه قوله:" .. وقد كتب أبناء يعرب وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله، وما أسالوا من محابرهم في مجالس الدرس لخدمة الدين"، أذكر هذه القطوف من كلام الامام ابن باديس، التي أصبحت لأجيال سالفة حقائق وقناعات..  فهمت أبعاد معانيها، و عشتها ذات مساء مع أستاذنا المرحوم عبد الوهاب حمودة، لما كنا نزوره في مكتبه في الوزارة بعد دوام المساء من نهاية الأسبوع ونحن شباب أيام ما أثير من لغط باسم "الربيع الأمازيغي" من طرف بعض منتسبي التيار الشيوعي البربري، بحضور زميله أستاذنا الكبير سي الهادي الحسني - حفظه الله- خاصة لما علم " سي عبد الوهاب" أني أمازيغي مثله، نصحني بقراءة ما كتبه العلامة بن باديس في الموضوع، كما دلني على قراءة أحد اعداد مجلة "ماذا أعرف عن الاسلام " التي كانت تصدر بالفرنسية عن مسجد جامعة الجزائر المركزية، لا أذكر رقم العدد تحديدا الذي نشر فيه مقالا غاية في الاهمية لا زلت أذكر اسم كاتبه الرحالة الامازيغي " محمد تازروت"، تحت عنوان ما يمكن ترجمته : يا قومنا .. أيها الأمازيغ، "لا تحمر وجناتكم من الخجل إن قيل لكم أنكم مسلمون" أو شيء من هذا القبيل ؟

«Ne rougissez pas d'être Musulmans…»

أيام نادرة من تاريخ عمري .. مع الأستاذ المربي

هذه هي طينة أستاذنا المربي، كله نصح و تضحية و خدمة للأخر مهما كان عمر هذا الاخر ومهما كان مستواه، فقد حرص يوما أن أحضر للوزارة مع مجموعة من الشخصيات والاطارات، لتوديع السفير الألماني بالجزائر مراد هوفمان في ثمانينات القرن الماضي بحضور شخصيات كبيرة أذكر منهم الدكتور الهاشمي التيجاني والشيخ الدكتور عباسي مدني والأستاذ الهادي الحسني وكان أكبر الناس سنا الدكتور التيجاني عميد معهد الشريعة وكنت الطالب الشاب الصغير بينهم علما وسنا، فلما أفتتح الأستاذ عبد الوهاب جلسة التكريم خاطب السفير بقوله "سعادة السفير، ها هي الجزائر ترحب بكم اليوم لتوديعكم كما رحبت بكم لدى مجيئكم أثناء الثورة وابان الاستقلال، ترحب بكم بشيبها و شبابها" مشيرا للدكتور التيجاني أولا و لي أنا ثانيا، وبعد أزيد من عشر سنوات من هذا اللقاء الودي ألتقيت السفير المفكر هوفمان في ندوة في أوروبا دعينا لها سويا، و ذكرني بالحادثة وكان معجبا جدا بعمل و وطينة الأستاذ عبد الوهاب حمودة و كوكبة من إخوانه في الجزائر..

كما أذكر لما كنت متصرفا لدار نشر عائلية و أبحث عن شريك ثقة قد ينصحني به الأستاذ عبد الوهاب، و احضرت له بعض مطبوعاتنا منها نسخ من كتيب نشرناه حديثا للدكتور الطيب برغوث، وكان عنوان الكتاب طويلا نوعا ما، فشكرني على جودة الطبعة كما شكر لي المؤلف على الاختيار الموفق للموضوع وكان عنوان الكتيب "موقع المسألة الثقافية من استراتيجية التجديد الحضاري عند مالك بن بني"، رغم ذلك أردف قائلا بتعبير جزائري :"قل لسي الطيب يقصر في عناوين كتبه نوعا ما، فخير الكلام ما قل ودل ..شوف طول العنوان عشر أمتار.. عنوان الكتاب 3 أو 4 كلمات تكفي ! "، و فعلا أخبرت المؤلف، و في طبعة ثانية اختصر العنوان، و عمل بالوصية.

عبد الوهاب أستاذ خدوم للعلم وطلبة العلم، من المهد إلى اللحد

إلى آخر أيام حياته كان يخدم المدرسة القرآنية التي نشأ فيها وأشرف عليها بعد وفاة والده في قريته الأمازيغية، كما كان أيضا حريصا على تتبع أخبار الطلبة عموما ومساجدهم، وأذكر في أحد زياراتي له في الوزارة وبينما كان يستفسر عن تقدم أشغال توسعة مسجد جامعة الجزائر المركزية، جاءه وفد إعلامي من التلفزيون الجزائري قصد تسجيلات لمقرئ مع تلاميذ في مسجد مجاور للوزارة، فنادى على المقرئ الشيخ محمد الطيب قريشي وقال له تذهب تسجل معهم حصص تدريب التلاوة في مسجد الجامعة المركزية وليس في أي مسجد آخر غيره.. لأن في الجامعة طلبة و هناك معهد الشريعة! ثم طلب مني إخبار الطلبة بالموضوع لحجز القاعة الخلفية للمسجد للتسجيل"، هذا هو بعد النظر عند الاستاذ عبد الوهاب، لأن التلفزيون يراه العام و الخاص و المحلي والدولي، و بالتالي صورة الوطن الجزائري يجب ان تكون في المستوى!.

كما أذكر يوما آخر، أني أحضرت له بعض زملائي الطلبة، لمشروع ما لا أذكر تحديدا موضوعه، ولما دخل ورأى أحد الطلبة مستلقيا على الاريكة وغير متماسك في جلوسه و آخر يتثاءب على كرسيه ..قال لنا بحزم أبوي "أصحاب القضايا الحية لا يدافعون عليها بهذا التماوت وأنتم شباب، روحوا تشربوا قهاوي لتصحوا، ثم عودوا"، هنا رأيت فيه المسؤول الصارم في اتخاذ القرارات السريعة التربوية الجذرية..

وهو أيضا صاحب نكتة مع الشباب خاصة، أذكر أني أحضرت له ملف مسجد حي طلبة جامعة قسنطينة لتتولى الوزارة دفع مصاريف توسعته و بناء بعض مرافقه، فطلب مني إحضار الطلبة أصحاب المشروع، وفعلا حضروا بعد أسبوع للوزارة وكنت معهم في قاعة الاستقبالات، فطلب من احد الطلبة وكان وسيما جدا أن يعرف بنفسه، ومما قاله هذا الأخ أنه من ولاية المدية و يدرس في جامعة قسنطينة و هو أيضا خطيب جمعة في حي البنات بقسنطينة، فأوقفه الأستاذ عبد الوهاب مازحا قائلا له "بجمالك هذا انت تفتن البنات، وبالتالي الصلاة تصبح مكروهة خلف إمام وسيم مثلك! " ومرة أخرى بحضور الأستاذ مسعد زيان المعروف في البرامج الدينية للتلفزيون الجزائر، قال لنا "يا شباب خذوا الأستاذ مسعد زيان قدوة في كثير من شؤونكم، إلا في مسألة الزواج، فهو لحد الان لم يقرر الزواج، رغم كبر سنه وبسطة جسمه".. وفي احدى المرات أيضا دعاني الدكتور سعيد مولاي لزيارة الأستاذ عبد الوهاب قصد جص النبض لخطبة بنت الأستاذ عبد الوهاب لأحد الاخوة الامازيغ حديثي التخرج، فلما حَدَثْنا الأستاذ عبد الوهاب في الموضوع أحمر وجهه حياء وتبسم قائلا لنا بلهجة جزائرية صريحة"بنتي.. هاذيك لازالت تتلكأ في حجابها.. ابحثوا عن غيرها أحسن"، هذا هي عفوية وتجرد الأستاذ المربي القدوة.

عبد الوهاب حمودة وطني أصيل، بإسلامه وعربيته وأمازيغيته

وقد لاحظ بعض أساتذتنا أمثال الشيخ الطيب برغوث في كتابه الاخير، أن شخصية الأستاذ عبد الوهاب جُمعت فيها خصال نادرة عند بني قومه، فالأستاذ عبد الوهاب عربي أصيل وأمازيغي أصيل وإسلامي حركي أصيل ومتصوف متبتل أصيل ومتحضر أصيل، وبالتالي كان وطنيا أصيلا، نقيا لا غبش في مسيرته، لأنه في مفهوم بعض شذاذ الافاق عندنا، لا يمكن أن تكون وطنيا وتجمع في أحشاء فكرك هذه "المتناقضات" أو "المتصارعات"، اسلامي عربي أمازيغي و حركي صوفي متحضر ؟؟

و بالتالي لما يعلم جيلي أن أستاذنا عبد الوهاب حمودة، جمعت فيه كل هذه المكونات المتنافرة و المتصارعة أحيانا عند بعض الناس و المتكاملة في طبيعتها عند المرحوم في مراحل حساسة من عمر الجزائر، حق لنا أن نفتخر بطينته وبأمثاله ونجعله قدوة لنا و لا فخر.. لما لا وهو الذي اتسع صدره في ملتقيات الفكر الاسلامي لاستضافة كل علماء الأمة من سنة بمذاهبها إلى شيعة ومستشرقين و غيرهم .. وقد يسر لي الله أن أحضر جل أواخر هذه الملتقيات وقد كان آخرها في مدينة تبسة، مدينة مالك بن نبي، حول الاقتصاد الاسلامي وقد افتتحه حينها رئيس الحكومة قاصدي مرباح و القى كلمة الترحيب فيه شيخنا ابراهيم مزهودي لأنه أصيل المنطقة، و أذكر أني حاورت حينها كوكبة من العلماء و الضيوف على هامش الملتقى منهم حتى السيدة مليكة ضيف الفرنسية التي اعتنقت الاسلام حديثا و كانت رفقة زوجة مالك بن نبي رحمها الله، و لست أدري هل المصور الطالب سالم، لازال يحتفظ بهذا التسجيلات الثمينة، أم ضاعت إبان العشرية السوداء.

عبد الوهاب حمودة موهبة الله أسداها للجزائر الحالمة

عبد الوهاب حمودة، اسم على مسمى، حمودة حمدا لله، وعبد الوهاب موهبة الله أسداها للجزائر الحالمة في أيامها الحالكة؟ أما أن يكون المفكر عبد الوهاب حمودة أمازيغي الاصل والفصل وإسلامي فهذا تاج على الرؤوس، يولد في البادية سنة 1939 بقنزات قرب بوقاعة بولاية سطيف حاليا، ويترعرع في العاصمة، ويتعلم العربية والفرنسية ويتقنهما في المدرسة الجزائرية والفرنسية معا وينتقل للدراسة الجامعية في قرونوبل الفرنسية، ثم يعود للجزائر قبيل الاستقلال لينال شهادة ليسانس في اللغة العربية، وينظم لجمعية القيم التي خلفت جمعية العلماء بعد الاستقلال برئاسة الدكتور الهاشمي التيجاني وعضوية كوكبة من رجال جمعية العلماء على رأسهم الشيخ أحمد سحنون. ولما حلت "جمعية القيم" بأمر من حكومة بن بلة لوقوف علماء الجزائر ضد إعدام عبد الناصر لسيد قطب في ستينات القرن الماضي.. لم يركن عبد الوهاب و لم يستكين بل ولى وجهه شطر أستاذه المفكر و مجدد القرن المرحوم مالك بن نبي لحضور حلقاته في بيته، و بإيعاز من هذا الاخير يؤسس عبد الوهاب رفقة كوكبة من الطلبة أول مسجد طلابي في الجامعة الجزائرية في أكتوبر 1968، من هؤلاء الطلبة بالإضافة لعبد الوهاب حمودة، كان من بينهم الوزير عبد القادر حميتو، الصيدلي عبد العزيز بوليفة، و الدكتور محمد جاب الله.  وكان عبد الوهاب ضمن دائرة المقربين من المفكر مالك بن نبي أمثال الدكتور عمار طالبي، بل كان كثيرا ما يستشيره ويشهده بقوله "يا عبد الوهاب.." على حد شهادة الدكتور الصادق سلام. بل لما انطلقت أول ملتقيات الفكر الاسلامي كان عبد الوهاب من أول المنشطين لها، ثم خير بين إتمام الدراسة في الجامعة الفرنسية أو العمل بوزارة الشؤون الدينية فاختار هذه الاخيرة، وترقى في مناصبها حتى أصبح أمينا عاما للوزارة، و رفض منصب وزير الشؤون الدينية عدة مرات أخرها في عهد حكومتي قاصدي مرباح ومولود حمروش، ليس لأنه لا يستطيع أو لا يريد، لكنه يشعر أنه في منصب الامين العام لذات الوزارة يقدم أكثر و أحسن.

و لما اختلط الحابل بالنابل في بداية التسعينات، فضل الاستقالة من الوزارة، والتقاعد المبكر، وأذكر أني كنت معه في سيارته في أول الايام التي جمع فيها ملفه ليسلمه للوظيف العمومي و وزارة الداخلية، لما عين الساسي لعموري وزيرا للشؤون الدينية، بعدها مكث في بيته، وكان لا يحبذ الزيارات، وأذكر أني حاولت زيارته في بيته رفقة أخي الدكتور نور الدين، مرتين او ثلاث في ذلك الوقت العصيب، فكان أحد أطفاله، يشير علينا من فوق باب بيته، أن نذهب و لا نعود مرة أخرى؟ و بعد أن هدأت الاوضاع، اصبحنا نراه يلقي دروسه الدورية في قناتي القرآن الكريم و القناة الناطقة بالفرنسية، حتى باغته المرض و أقعده، و كم تمنيت زيارته لما جاء للعلاج في فرنسا، إلا أن استاذنا الدكتور العربي كشاط، أخبرني أن العائلة لا ترغب في الزيارت حاليا لان حالته لا تسمح.

الوطنية عند عبد الوهاب حمودة تضحية ووفاء وليست شعارات جوفاء

هذا هو حب الوطن في ابسط أبجدياته، في فكر ومفهوم الاستاذ عبد الوهاب، فالوطنية ليست شعارات فارغة تلوكها الألسن، و ليست احتفالات باهتة في ليال ماجنة و سنوات مرفهة..

الوطنية عند الاستاذ عبد الوهاب ليست مقالات أو كتابات متملقة، وليست أيضا كلمات أو أشعار متزلفة.. الوطنية عنده ليست ألوان أو أعلام أو أوشحة أو أقواس خادعة للأنظار ..

بل الوطنية عند عبد الوهاب حمودة حب ووفاء وشعور وانتماء يسري في العروق مسرى الدماء..

الوطنية عند عبد الوهاب حمودة أن " إن الجزائرَ قطعةٌ قدسيّةٌ، في الكون.. لحّنها الرصاصُ و سقتها دماء"، كما أنشد ذلك سلفه الامازيغي الوطني، شاعر الثورة مفدي زكريا.

الوطنية بعد الاستقلال عند عبد الوهاب حمودة أمن وأمان، إذ الوطنية الحقة تعني بالنسبة له خدمة الوطن والمواطن لما لا وقد أعطى أمثلة رائعة من حياته، فقد أمضى عمره في التعليم والإدارة و التسيير مدة أزيد من 45 سنة يخرج فجرا من بيته و لا يعود إلا في ساعات متأخرة من الليل، حيث أسر لي يوما في بداية تسعينات القرن الماضي أنه نادم على شيء واحد في مشوار حياته، وهو أنه لم يعتني كما يجب بأسرته، ولم يعطيهم إلا فضلات أوقاته النادرة.. هذا هو ديدن رجالات الأمة الكبار و صانعي أمجادها. فـ "سي عبدالوهاب" عنوان التضحية الشخصية والمحافظة على مقدرات الوطن لا سرقتها.. ترميمها لا تكسيرها أو تخريبها.. تنميتها و الذود عن حماها لا تدميرها أو بيعها بفلس لسماسرة المبادئ والقيم في الغرب كما هو الحال منذ عهد الاستقلال الاعرج لجزائرنا الحبيبة.

فلسفة الوطنية عند عبد الوهاب حمودة بنبوية - نبوية..

فلسفة الوطنية عند عبد الوهاب حمودة أن نحافظ على وطننا من العبث أو اللعب أو السرقة أو الخيانة، لأننا مؤتمنون وعلى ثغور، بل وسنسأل عنها يوم النشور. أما فلسفة تسيير الإدارة الراشدة عند عبد الوهاب حمودة فهي بنبوية - نبوية  { نسبة إلى بن نبي و إلى النبي} أقصد وصية أستاذه مالك بن نبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه "أوصيك بتقوى الله فإنها زين لأمرك كله" و في رواية  "فإنها رأس الأمر كله"، بهذه العقيدة الراسخة، تكون معاني الوطنية الحقة في فكر حمودة، إعلان حرب هادئة على كل من تسول له نفسه التلاعب بالمشاريع، وتزوير المعاملات، وأخذ الرشاو، والتلاعب بالحقوق وتعطيلها، وظلم الآخرين كما تزخر به اليوم إداراتنا -مع كل أسف- من أولئك السماسرة الغادرين، هذه الأصناف ليس لها أي حظ ولا نصيب في الوطنية التي ضحى من أجلها الشهداء، بل هم أعداء الوطنية، لأنهم بأفعالهم هذه يزرعون كره المواطن للوطن فيهاجر مكرها، و بالتالي ينمون نعرة حقد المواطن على الوطن فيغدر  بغضهم حتى بثوابت هذا الوطن، لأن الوطني الحقيقي هو من يعطي كل شيء و لا يطالب بأي شيء، يخدم الوطن ويسعى لراحة المواطن ولو على حساب وقته وصحته ونفسيته حباً وإخلاصا لوطنه وإخوته من أهل هذا الوطن المفدى.

دراسة مناقب الشخصيات للخلف استنهاض للهمم وإحياء مناقب السلف

إن الاهتمام بدراسة الشخصيات التاريخية الفاعلة في مجتمعاتنا، كالأستاذ عبد الوهاب رحمه الله، لها من المعاني والدلالات الشيء الكثير، في استنهاض الهمم وإحياء مناقب الأسلاف، بل فيه بعثا وتتويجا لماضي الأجداد الحافل بالكرامات والعبر التي بصمت تاريخ الجزائر المجيد، عبر حلقات متراصة الفصول يشد بعضها البعض الآخر، ويحمي حاضرها ماضيها ويستشرف مستقبلها بثقة وأمل كبير.. وهذا الاهتمام هو عين الاحسان للأمة ورجالها وكما لا يخفى علينا فإن الإحسان لهم ولو بذكر بعض مناقبهم على عجل و التفكير في حاضر الأمة ومستقبلها ومصيرها بعد رحيلهم، له تأثير مدهش في انشراح صدور الاجيال، والارتقاء بإنسانية الإنسان إلى الحد الذي يحس فيه كل محسن أو داعية خير، أنه مسؤول عن الإنسان أينما كان هذا الإنسان، أينما حل و أرتحل جغرافيا وتاريخيا، وهو ما يعلمه لنا القرآن، ويدعونا إلى الارتقاء إلى مستواه في مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]

أننا محاسبون اليوم قبل الغد، عن ماذا قدمنا لقضايانا المتعددة وجراحات أمتنا الدامية؟

صحيح أن المرء يكون أحيانا في حيرة من أمره، بفقدان هذه الرموز الشامخة من سماء الجزائر، أمام تعدد المشاكل والإكراهات وتنوعها، لكن ذلك كله لا يجب أن ينسينا بأي حال أننا مسلمون.. أننا محاسبون اليوم قبل الغد، عن ماذا قدمنا لقضيتنا، لا بل قضايانا المتعددة وجراحات أمة محمد الدامية؟ وعن ماذا قدمنا لهذا الإسلام العزيز، الذي تتشرف الجزائر بالانتماء إليه وتمثيله؟

إن محنة الجزائر في العشرية السوداء من أبشع ما مرّ بالمسلمين في التاريخ، وإن لم تكن هي المحنة الوحيدة عبر دول عالمنا الإسلامي الذي تنهال عليه الضربات الموجعة من كل جهة، ولن تكون الأخيرة إن لم تستدركنا رعاية الله وحفظه وستره سبحانه. لأن قناعة جيل الأستاذ عبد الوهاب انتهت إلى أنه في أوقات المحن لا يملك أحد ترف القعود عن العمل في صفوف الساعين إلى حماية مكتسبات الحركة الإسلامية و خيرات الوطن من عبث العابثين المستلبين تراثيا و ثقافيا و حضاريا الذين باعوا ضمائرهم للشيطان والغرب، أو يملك رخصة الشح بنفسه أو ماله أو جهده عن المساهمة في العمل على تحقيق إنقاذ الإسلام العزيز ولغته العربية لغة الوحي الإلهي، والسعي- بعدهما- إلى رفعة الوطن وتقدمه ونهضة تراثه وثقافاته، إذ ليس لأحد في الجزائر، عسكريا كان أم مدنيا، أن يحتكر العمل في الساحة الوطنية. والمحتكر- في السلع التي يحتاجها الناس- خاطئ. وهو في العمل السياسي والوطني مجرم آثم. لأن الأول يحرم عددا من الناس -يقل أو يكثر- حقهم في منع استعمال سلع بعينها، والثاني يحرم الوطن كله، حاضره ومستقبله، من جهد أبنائه و بناته وعطائهما، ومن جهادهم بالنفس والمال والعقل والقول والفعل في سبيل تضميد جراحه و الإنطلاق به نحو مصاف الدول المتحضرة، كخير خلف لخير سلف.

ونحن إذ نذكر أستاذنا الكبير، بحزن وحسرة على ما تركه في نفوسنا وفي ساحة الصحوة الفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية للمجتمع الجزائري، من فراغ كبير، فإننا نتضرع إلى الله تعالى بأن يتغمده بواسع رحمته، ويغفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، ويرفع مقامه في جنته و (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).


بتصرف

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.