الأمير خالد الجزائري ابن الأمير هاشم وحفيد الأمير المجاهد الكبير عبدالقادر الحسني
بقلم: أحمد مظهر العظمة-
نفسٌ مطمئنة إلى عقيدة السلف الجليل، معتزة بمفاخر الماضي الأثيل، وعزيمة صلبة لا يغمز لها جانب، تستمد منهما الثبات على المبدأ الحق أمام الباطل الجائر والسفه المغرور والأمل العصي، وشعورٌ صائب يعد لصاحبه عدة المؤمن حقًّا، فلا يزال في مزالق الفتن، ولا يمل مقارعة الخطوب، ولا يحجم حيث الإقدام عزم والشهادة مجاز لدرجة جعلها الله سبحانه للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا.
تلكم نفس خالد المسلم العربي سليل الهدى المبصر والمجد اللامع، وعزيمة خالد الأمير حفيد البطولة المجاهدة والسيرة المباركة، وشعور خالد المصلح الذي خط للشباب التائه مثلًا جديدًا في هدي الدين وصدق العروبة، إلى جانب هيبة السيادة، ورهبة المجد، وفوحة السعي المبرور.
ولم تكن دمشق الغارقة في اللذائذ الهوجاء، الدافقة بالنعيم الزائف، العسقة(1) بسفساف الأعاجم لتصد الأمير فينحرف عن الهدى، وينصرف إلى العبث، بل كأن ما يحيط به من ترهات يصيح به: حذار! فأنت مسلم عربي ابن مجد أبي، فابق بسيرتك والبستك ولبّك وقلبك مسلمًا عربيًا.
لم أكن للأمير قريبًا أو حميمًا فأكتب عنه مليًّا، وإنما كنت له صديقًا وفيًّا على بعد وانقطاع منذ كتب في إحدى الصحف أحدُ البَوْغاء(2) الأعاجم من ذوي الدخلة الخبيثة للشريعة السمحة، مقالًا أصاب به عن غير علم ولا هدى، كرامة الرسول العربي العالمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا الأمير يضج ضجيج ذي دَنفٍ من ألمه ويهب هبوب الأسد بوغت في عرينه، ويُلسنه(3) قوله: البراز للثأر البراز! بالسلاح الذي تختاره أو اعتذرت واستغفرت...! فكانت صيحة بطل تناقلتها الصحف والجماعات الغضبى أعقبها غسلُ عار واعتذارٌ واستغفار.
وكتبت - وكتب الناس - إلى الأمير أشكره على الغيرة والمروءة، فأجابني: (لم أفعل إلا واجبي الديني أشكركم على مؤازرتكم وحميتكم).
كان ذلك منذ نحو عامين، وعرفت حينئذ أن لنا من الأمير أسدًا يرد العدوان، ويسد الثغر المخوف.
وقد ذاد عن الإسلام في مواقف يستحق بها أن يكون في التاريخ من الخالدين. وساعده في جهاده أن كان لسنًا باللغة الفرنسية مثجًّا(4) تحسبه فيها وهو يخطب (ميرابو) خطيب ثورة الفرنسيس.
يعز على من عرف خالدًا أن يكون له فاقدًا. فقد (مات الأمير خالد اليوم(5) (هكذا قال لي صاحبي. فقلت من؟ الأمير خالد؟ خالد الأمير؟ فقال: نعم وكنت لجنازته مشيعًا.
وكانت آنئذ برهة ضاقت الدنيا فيها على رحبها لذي أمل وسيع.
وما الجزع برادّهِ، ولكل كتاب أجل و﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38] وما الموت إلا بدء الحياة للمحسنين الخالدين.
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد التاسع، 1354هـ
الهوامش:
1- عسق به: من معانيها أولع.
2- طاشة الناس وحماقهم.
3- ألسنه قوله أي بلغه إياه.
4- المثج الخطيب المفوه.
5- توفي رحمه الله يوم الاثنين الحادي عشر من شهر شوال الماضي.