عبد الرحمان الدّيسي المدرس العالم الفقيه
محمد الطيب

عبد الرحمان الدّيسي المدرس العالم الفقيه

بقلم: محمد الطيب-

الكفيف النابغة، قال فيه عالم المغرب ومفتيها الشيخ الكتاني لمّا أجازه "فخر القطر الجزائري ونادره"، هو الشيخ محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمان بن الطيب بن عبد القادر بن أبي القاسم محمد بن إبراهيم الغول السباعي الإدريسي الدّيسيّ الهاملي.

ولد بقرية الديس ببوسعادة في 1854م (1270هـ)، بها نشأ وتربى يتيما في حجر والدته السيدة خديجة بنت محمد بن الخرشي، وعمته عائشة وكذا جدته، فقد بصره في سن مبكرة، درس في قريته، ثم في زاوية السعيد بن أبي داود بزواوة، والتي تخرج منها مؤسس زاوية الهامل الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي، تزوج في قريته، ثم انتقل إلى زاوية الهامل مدرسا وعمره ثلاث وثلاثون سنة، فتزوج امرأة ثانية من الأسرة القاسمية، أنجبت له الأولى طفلا أسماه "أحمد بن بوداود" تبركا بأحد شيوخه، وقد عاش بعد وفاة أبيه وكان أحد كتاب آثاره، وأنجبت له الثانية "الصدّيق" توفي في حياة والده، وعمره نحو ثماني عشرة سنة.

حفظ الديسي القرآن الكريم برواياته السبع، ولمّا تولّى التّدريس بزاوية الهامل سـأل عن الكتب والمخطوطات التي تدرّس (المتون) بجامع الزيتونة والأزهر الشريف، فكانت 50 متنا حفظها عن ظهر قلب، صار رمزا لهذين المؤسستين، يحمل علومهما كما يذكر الشيخ الجيلالي في كتابه "تاريخ الجزائر العام"، بل إشتغل على الحديث والرواية والسند والعلل حتى أوصل علماء المشرق روايته، صاروا يذكرونه، وحفظ الصحاح الست بشروحها والمختلف فيها، متميّز الشخصية، مستقل الفك، لم يطلب كنزا ولا مالا، ولكن طلب الرفعة والشرف والعلم، العلامة، الأصولي، المفتي، المحدث، المتكلم، الفقيه، الصوفي، اللغوي، النحوي، الأديب، الشاعر، الناثر، المجتهد الكبير، المؤلف الشهير، خاتمة المحققين، حاز شمائل أخواله بربروس، غمر منطقة الدّيس وبوسعادة والهامل بسعة علمه ومداركه، بالمختصر قبلة الطلاب، وفيهم من يذكر أن ابن باديس يثق في رأيه ويستفتيه، كان على ثقافة واسعة، يؤثر العزلة، كما كانت علاقاته ودية مع الكثيرين من معاصريه.

صنّف في كل علم يتدارسه طلاب الزاويا والجامعات، إشتغل على معارف متنوعة ومختلفة، كتب الشعر، نظّم آلاف الأبيات، أهم ما آلف "فوز الغانم في شرح ورد الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي (الأسمائية)، الزهرة المقتطفة، عقد الجيد (الموجز المفيد)، العقيدة الفريدة، البديعية منظومة رجزية (تحفة الإخوان)، المشرب الراوي على منظومة الشبراوي، سلم الوصول (النصح المبذول)، ديوان منة الحنان المنان، توهين القول المتين في الرد على الشامخي الأباظي، بذل الكرامة لقراء المقامة، إبراز الدقائق على كنوز الحقائق في الحديث للمناوي، تنوير الألباب شرح أحاديث الشهاب، فتح القدوس العلام على صلاة ابن مشيش عبد السلام، إفحام الطاعن برد المطاعن، خاتمة على قول ابن مالك.."، ولمّا بعث أبو القاسم محمد الحفناوي الجزء الأول من كتابه "تعريف الخلف برجال السلف" للشيخ الديسي قرظه بالأبيات التالية:

حبّذا عقدُ جمانٍ ودرر * صاغه الحبرُ الجليلُ المعتبرْ

مفردُ العصرِ الهمامُ المرتضى * ماجدَ الآباء محمودَ السَّير

إن وشى طرسا فحدِّث ما تشا * عن بيانٍ ومعانٍ كالغرر

لوذعيٌ ذو مزايا جمة * فارس التحرير غواصُ الفِكْر

ذلك الحفنيُ نبراسُ الدُّجا * في علاه صدَقَ الخبرُ الخبر

وكفانا شاهدا إبرازه * تحفة في العصر تسبي من نظر

ضمنها تعريفه بالعلما * من رجال ذكرهم يجلي الكدر

جملوا الغرب وأعلوا قدره * وهم للغرب نعم المفتخر

خدموا العلم فما أسعدهم * ظفروا بالفوز في أعلى مقر

زينت أسماؤهم مدرسة * بجوارِ الثعلبي القطب الأبرّ

روضة العلم ومغنى الفضلا * سوف يحيى في حماها ما اندثر

ياله سفرا غدا تاريخه * جلّ للتعريفِ معنىً قد بهر

ووصفه الحفناوي بقوله "من أجل المشائخ المعتبرين متخلقا بالأخلاق الرائقة والأحوال الفائقة علما وعملا، زهدا وورعا ومحبة في الله وأهله، ووقوفا مع الكتاب والسنة، وكل من عاشره ووزنه بالميزان الشرعي، أن جزءا من أحواله لا يخرج عن الشرع"، ظل كذلك مجتهدا فعالا حتى وفاته في زاوية الهامل، يوم الجمعة 26 أوت 1921م (1339هـ)، عن عمر يناهز 67 سنة، ودفن هناك، رحمه الله ونفعنا بعلمه وبركاته.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.