العالم الألمعي فضيلة الشيخ الطيب المهاجي أحد أبرز أعضاء جمعية العلماء المسلمين
بقلم : محمد رميلات-
فضيلة الشيخ الطيب المهاجي هو أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائرين ، وأحد أعضاء مجلسها الشُّوري ، لمّا زار الشيخ بن باديس وهران سنة 1931 واستضافه آل المهاجي في الجمعية الإسلامية الخيرية ، وصف الشيخ الطيب المهاجي بـ : " العالم الألمعي " ...
بالفعل الشيخ الطيب المهاجي عالم ذكي ، ألمعي ، لوذعي ، من أعلام الجزائر الكبار الذين لا تذكرهم وسائل الإعلام التي يديرها الغلمان والولدان والنسوان ، ولا تذكرهم برامج التربية والتعليم كما لم تذكر كثير من أعلام هذا الوطن ، فلكأنه طمس متعمد لبطولات وأمجاد هؤلاء الفضلاء ، النبلاء ، الذين درّسوا ، وعلموا ، واجتهدوا ، وجهادوا من أجل إحياء هذا الوطن ، وبناء هذا الوطن ...
بدأ الشيخ الطيب المهاجي التدريس في الزاوية السنوسية سنة 1902 م ، وفي عام 1912 م أنشأ زاويته الخاصة بحي الطحطاحة الشعبي في وهران ، ودرَّس فيها زهاء سبعين عامًا ، وقد سُميت الزاوية فيما بعد بمسجد الشريفية ، وطوال هذه المدّة لقي الشيخ من العنت والضيق على أيدي سلطات الاحتلال الفرنسي ما تنوء بحمله الجبال...
التقى فضيلة الشيخ الطيب المهاجي عدة مرات بعلاّمة المغرب الشيخ أبي شعيب الدكالي ، وسافر إلى فاس و تونس والسعودية لأداء فريضة الحج وهناك تعرف على الشيخ أحمد الشريف السنوسي الزعيم الليبي الصوفي الطرقي الذي قاد المقاومة الليبية ضد الطليان الكفرة الفجرة ، كما التقى الشيخ الطيب المهاجي العديد من أعلام المسلمين وأجازوه في علوم ومعارف شتى ...
ألف الشيخ ـ رحمه الله ـ كتابين اثنين رائعين ماتعين ، لم يؤلف سواهما فيما أعلم ، الأول ، أنفس الذخائر وأطيب المآثر في أهم ما اتفق لي في الماضي والحاضر ، والكتاب الثاني ، مبادئ الصرف ...
ولمّا اندلعت ثورة التحرير المظفرة وشدَّ الرجال على الزناد ، وصدحت حناجر المقاتلين في سبيل الله بالتكبير في الفاتح من نوفمبر سنة 1954 م ، اعتقل نجل الشيخ الطيب المهاجي، زدور إبراهيم قاسم المهاجي واسشهد على طاولة التعذيب بعد ثلاثة أيام من اعتقاله في الرابع نوفمبر 1954 وهو أول طالب مناضل وشهيد ، خريج الأزهر الشريف في سبتمبر 1953 وحامل لشهادة الليسانس حافظ لكتاب الله ، ويُحسن الحديث بأكثر من خمس لغات ، وهو محرر بيان أول نوفمبر ...
قدّم الشيخ الطيب المهاجي ابنه وفلذة كبده قربان للحرية والاستقلال ، ولمّا تعالت رايات النصر في 5 جويلية 1962 م ، اقترف بعض المجاهدين خطايا ما كان ينبغي لهم أن يقترفوها بقتلهم لعشرة نفر من اليهود في وهران ممن يُسمون بـ "الأقدام السوداء " فاستنكر الشيخ الطيب المهاجي هذه الأعمال الشنيعة ، والجرائم الفضيعة ، وأدانها بكل مفردات الشجب والتنديد ، ورفع صوته عاليا بإنكار هذا المنكر ، فوصل الإنكار إلى مسامع الرئيس بن بلة وأمر بتوقيف الجناة ، وقُدّموا للمحاكمة وأدينوا ، ودخلوا السجن جميعًا ...
كانت للشيخ الطيب المهاجي العديد من المواقف الجليلة الجميلة التي وقفها بوازع من الدين والضمير غير آبه بمادح أو قادح ، كان من الرجال الذي أشربوا في قلوبهم معاني الإخلاص لله في القول والعمل ...
ولد فضيلة الشيخ الطيب المهاجي عام 1882 م بقرية أولاد سيدي الفريح المسماة " مهاجة " بمرتفعات القعدة بضواحي ولاية وهران ، وقبيلة مهاجة هي التي أنشأت الزاوية الدرقاوية بجهود الشيخ أبي يعزى المهاجي تلميذ الشيخ مولاي العربي الدرقاوي بفاس ، وكان الشيخ الطيب أصغر أبناء والده الخمسة ، فحرص والده على تعليمهم وتحفيظهم القرآن وعلوم اللغة والشريعة ، وكان من شيوخه بمسقط رأسه الشيخ محمد بن قدور ، والشيخ محمد الميلود بن إبراهيم ، والشيخ عبد السلام بن صالح ، ثم انتقل إلى عين امران بولاية شلف فأخذ علومًا جمّة عن الشيخ الميلود بوشعيب خريج الأزهر وتلميذ العلاّمة الشيخ عليش ، وقد أجازه شيخه هذا في العلم والفتوى ...
توفي الشيخ الطيب المهاجي بعد حياة حافلة بالعلم والزهد والورع يوم الجمعة 17 أكتوبر1969 م ودفن بمقبرة بن الدومة بحي البلانتور (les planteurs) بوهران ، فاللهم أرحمه برحمتك الواسعة ، وجازه خير الجزاء عن ما قدّمه للإسلام والمسلمين، وأسكنه فسيح جنّاتك .