الروافد الفكرية للشيخ عبد القادر المجاوي وأثرها في توجهه وجهوده من أجل نهضة الجزائر 1870-1914 م

بقلم: مصطفى عبيد -

يعتبر الشيخ عبد القادر المجاوي (1848 – 1914 م) -هناك من يعتبر وفاته سنة 1913- واحدا من أكثر المثقفين تأثيرا في الحياة الفكرية والثقافية بالجزائر، خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ويمكن أن نحصر تأثيره النهضوي في الفترة الممتدة بين بداية نشاطه التعليمي بالجزائر سنة 1870 بعد استكمال دراسته، وبين تاريخ وفاته سنة 1914. ورغم أن الشيخ المجاوي ولد بشمال المغرب الأقصى، وهو ما جعل قلة تنسبه إلى علماء المغرب. إلا أنه جزائريّ أبا عن جد، وإنّما هاجرت أسرته إلى هناك بعد سقوط تلمسان تحت الاحتلال الفرنسي. وهجرة الجزائريين هذه إلى المغرب وحتى إلى المشرق العربيين معروفة ومدروسة من طرف المؤرخين والباحثين.

من أجل غرس ثقافته هذه في أوساط أهله الجزائريين، والتمكين لتوجهه الفكري الذي آمن به بعدما رآه خادما لمصلحة الأمة الجزائرية تحت الاحتلال الفرنسي، عاد الشيخ المجاوي إلى بلد آبائه وأجداده الجزائر، واستقر بقسنطينة. فنشط في التعليم، والدعوة والإرشاد، قبل أن ينتقل إلى مدينة الجزائر ليواصل مهامه بها في عملية أرادت فرنسا منها –ظاهريا- ترقيته، أما فعليا فأرادت عزله عن قوة تأثيره بقسنطينة.

كان الشيخ عبد القادر المجاوي يرى أن النهضة بالجزائر لا تقوم إلا بالعلم، ولذا استمر بالتدريس بالمساجد من أجل اسماع كلمته لكل الجزائريين، رغم أن الإدارة الفرنسية قد عيّنته في كرسي التدريس بمدرسة مسجد سيدي الكتاني ثم بالمدرسة الشرعية بقسنطينة سنة 1877. قبل أن تنقله سنة 1898 إلى مدينة الجزائر عزلا له عن التأثير في الناس، تحت غطاء التشريف والأوسمة التي منحت له فيما بعد. فبقي فيها سنين دون أي وظيفة رسمية، وهو الحيوي الحركي، ولم يجد سوى التنسيق مع الشيخ عبد الحليم بن سماية والشيخ حكول، والتدريس في المدرسة العربية بباب الوادي، وربما بعض النشاطات الحرة في مساجد العاصمة.
والإشكالية التي أردنا أن نعالجها في هذا الموضوع هي: من هو الشيخ عبد القادر المجاوي؟ وما روافد فكره؟ وفيم تمثلت جهوده من أجل نهضة الجزائر؟

التعريف بالشيخ عبد القادر المجاوي:

الشيخ عبد القادر المجاوي هو الشيخ الفاضل عبد القادر بن عبد الله بن محمد المجاوي أو المشاوي نسبة إلى قبيلة مجاوة (مشاوة) بشمال المغرب الأقصى، ولد بطنجة سنة 1264 هـ / 1848 م بعد أن استقر والده بها سنتين قبل ذلك (1846). وكانت أسرته هاجرت إلى المغرب الأقصى من تلمسان بعد سقوطها في يد المحتل الفرنسي تحت ضربات الجنرال بيجو سنة 1842. وقد كانت عائلته مساندة للأمير عبد القادر في مقاومته للمحتل الفرنسي.
ينحدر المجاوي من عائلة شرف وعلم ودين استمدت مكانتها خلال القرن التاسع عشر حين ساهمت في الحركة العلمية والفكرية والثقافية بتلمسان وكذلك بالمغرب الأقصى بعد هجرتها إليه "وإن الكثير من الصفات التي اتصف بها شيخنا المعلم عبد القادر المجاوي من فنون العلم والأخلاق الحسنة والإخلاص ورثها عن عائلته ولاسيما والده، وليس هذا بعجيب" فقد كان والده قاضيا بتلمسان مدة قرابة خمس وعشرين سنة، ومفتي المدينة، وشيخ علمائها. كما تولى خطة القضاء بطنجة بعد هجرته إليها (تلمسان – فاس- طنجة) مدة خمس سنوات: 1262 – 1267 هـ/1848 – 1853 وهذه السنة هي تاريخ وفاته رحمه الله تعالى.

تكوّن الشيخ المجاوي بالمغرب الأقصى بجامعتين من أكبر الجامعات الإسلامية آنذاك وهما جامعة فاس، وجامعة القرويين، ونهل منهما. فرغم أنه فقد أباه العالم الفاضل وهو في سن مبكرة جدا حيث لم يكن قد تجاوز السابعة من عمره، فقد درس على أيدي شيوخ أعلام بالمغرب الأقصى فحفظ القرآن صغيرا بأحد كتاتيب طنجة، وانتقل إلى تيطوان فدرس على أيدي علمائها الذين نذكر منهم الشيخ مفضل أفلال العلمي، والشيخ أحمد النجار، والشيخ الطيب اليعقوبي والشيخ محمد قنون، والشيخ المهدي بن الحاج، والشيخ محمد بن سودة، والشيخ الحاج الصالح الشاوي، والشيخ جعفر الكتاني، والشيخ مولاي أحمد العراقي، والشيخ أحمد بن الحاج، والشيخ الحاج أحمد بناني (الشيخ كلاّ)... وأغلبهم تلامذة والده.

ومن أجل غرس ثقافته هذه في أوساط أهله الجزائريين، والتمكين لتوجهه الفكري الذي آمن به بعدما رآه خادما لمصلحة الأمة الجزائرية تحت الاحتلال الفرنسي، عاد الشيخ المجاوي إلى بلد آبائه وأجداده الجزائر، واستقر بقسنطينة. فنشط في التعليم، والدعوة والإرشاد، قبل أن ينتقل إلى مدينة الجزائر ليواصل مهامه بها في عملية أرادت فرنسا منها –ظاهريا- ترقيته، أما فعليا فأرادت عزله عن قوة تأثيره بقسنطينة، إذ أصبح كما وصفته الشهاب "... أفراد لا تكتمل الصورة التاريخية (تقصد للجزائر) إلا بذكرهم، منهم العلامة عبد القادر المجاوي رحمه الله، فهذا الرجل هو أبو النهضة العلمية بقسنطينة وهو شيخ النّاس بجميع عمالتها، عليه تخرج القضاة، ورجال المحاكم، والتدريس، والفتوى، فلا تجد واحدا من هؤلاء الرعيل الأول من هذا القرن (ق 20) إلا وهو من تلامذته". وكما وصفه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في آثاره:"من أخذ عنه العلم كان "مدعاة للفخر والاستطالة وشموخ الأنف".

كان الشيخ عبد القادر المجاوي يرى أن النهضة بالجزائر لا تقوم إلا بالعلم، ولذا استمر بالتدريس بالمساجد من أجل اسماع كلمته لكل الجزائريين، رغم أن الإدارة الفرنسية قد عيّنته في كرسي التدريس بمدرسة مسجد سيدي الكتاني ثم بالمدرسة الشرعية بقسنطينة سنة 1877.
وفي سنة 1898، نقلت الإدارة الفرنسية الشيخَ المجاوي إلى مدينة الجزائر عزلا له كما مر بنا، تحت غطاء التشريف والأوسمة التي منحت له فيما بعد. فبقي فيها أربع سنوات دون أي وظيفة رسمية، وهو الحيوي الحركي، ولم يجد سوى التنسيق مع الشيخ عبد الحليم بن سماية، والتدريس في المدرسة العربية بباب الوادي، وربما بعض النشاطات الحرة في مساجد العاصمة ومنها نشر مقالاته الصحفية بجريدة "كوكب إفريقيا" وكذا جريدة "المغرب".

توفي الشيخ عبد القادر المجاوي سنة 1332 هـ/ يوم 06 أكتوبر 1914 ، وهناك من يعتبر وفاته سنة 1913 لكنه مستبعد لاقتران ذكر جنازته في صحيفة الفاروق كما يمر بنا. وقد مات مسموما على رواية أحد تلاميذه وهو الشيخ الفاضل إبراهيم أطفيش، وقد دس له السم في القهوة بملتقى بقسنطينة. وقد رثاه العلماء وعددوا خصاله ومناقبه وعلى رأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس، كما حضر جنازته جمع غفير تحدثت عنه جريدة الفاروق في عددها 81 الصادر في أكتوبر من السنة نفسها.

العوامل المؤثرة في فكره ونشاطه:

كان للشيخ المجاوي فكر يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فمن جهة كان رجل علم ودين وأخلاق فاضلة على نمط العلماء السابقين، ومن جهة أخرى كان رجلا حداثيا يرى أن التطور والتقدم مبناه نهضة الأمة التي لابد أن تقوم على العلم والأخلاق الفاضلة والجمع بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية والجمع بين اللغة العربية ودراسة اللغات الحية. وقد ساعدته عوامل كثيرة حتى صار على هذا المنحى.

1- انحداره من بيت علم وشرف ونسب.

2- العلماء العاملين الذين درس عليهم بفاس وبالقرويين وكان أغلبهم من تلامذة والده.

3- حرصه على أن يكون قدوة لأتباعه وخلفا صالحا لسلفه وهو الأب الرجل الفاضل العالم القاضي، شيخ علماء تلمسان.

4- زواجه من عائلة البوطالبي.

5- المكانة العلمية لحاضرة قسنطينة مقارنة بباقي مناطق الوطن، وربما كانت هذه المكانة هي السبب الذي جعل المجاوي يعود من المغرب إليها بدلا عن حواضر أخرى أهمها مدينته الأصلية تلمسان.

6- إيمانه الراسخ أن النهضة لن تكون إلا بالعلم الديني والدنيوي والأخلاق الفاضلة.

جهوده من أجل نهضة الجزائر:

لما أحس الشيخ عبد القادر المجاوي من نفسه القدرة على الإفادة وتبليغ العلم والفضيلة وقد برع في فنون العلوم التي درسها فكان "مثالا للطالب المجد المجتهد الذي لا يكل ولا يمل ولا يفتر، حتى تضلع في علوم مختلفة على غرار علوم اللغة والفقه وعلم التفسير والمنطق وأصول الدين، فبلغ شأو أبيه بل وزاد عليه فنونا".

نزل إذا الشيخ المجاوي بقسنطينة سنة 1870 وبها بدأ حياته التعليمية ودعا إلى ثورة علمية من أجل تحقيق النهضة المنشودة فقال:"ولقد ساءني ما رأيت في هذا الزمان من فتور المعلمين والمتعلمين حتى إن أهل قطرنا من إخواننا المسلمين القسنطينيين والجزائريين والوهرانيين قد تراكم عليهم الجهل فإذا تباعدوا ضبحوا ضبوح الثعالب، وإذا تقاربوا قبعوا قبوع القنافذ ... وسبب ذلك هو عدم اعتنائهم بالعلوم التي بها تهذيب أخلاقهم واصلاح منطقهم". كما دعا إلى اصلاح التعليم وتطوير دراسة التراث لتتماشى مع الروح الإسلامية وروح العصر. فكان خير خلف للعلماء الأوائل الذين شهد لهم أبناء قسنطينة بالفضل الكبير من أمثال المكي البوطالبي، ومحمد الشاذلي، ومصطفى بن جلول، وأحمد المبارك ... وقد مارس المجاوي التعليم بها ثلاث سنوات اشتغل فيها بتعليم اللغة العربية بمختلف فنونها والعلوم الشرعية بمختلف تخصصاتها حتى ذاع صيته في قسنطينة وصارت النفوس تطمئن إليه والعقول ترتاح إلى سماع دروسه التي تميزت بالبساطة في الطرح مع غزارة العلم والتمكن فيه. فكان وجهة للكثير من علماء قسنطينة وأهمهم حمدان لونيسي الذي تتلمذ على يديه وهو الذي يقاربه سنا، كما كان من تلاميذه أيضا الشيخ المولود بن الموهوب، وعبد الحليم بن سماية، والشيخ أبواسحاق إبراهيم اطفيش، وأبو بكر البوطالبي، وأحمد الحبيباتي، وحمود الدراجي قاضي الحنفية بمدينة الجزائر، وأرزقي الشرفاوي، وأحمد البوعوني، ومصطفى المجاوي (وهو ابن الشيخ عبد القادر نفسه)، وعبد الكريم باش تارزي مفتي الحنفية بقسنطينة، وسعيد بن زكري...
وقد درّس المجاوي ثلاث سنوات متطوعا بالمدرسة الابتدائية سيدي مسيد، كما عينته الإدارة الفرنسية بمدرسة سيدي الكتاني سنة 1873 قبل أن ترقيه إلى رتبة أستاذ بالمدرسة الشرعية بالمدينة نفسها سنة 1877 في محاولة منها للتأثير على فاعليته، لكنه لم يقتصر على نشاطه بالمدرسة ولكنه زاد عليه بالتدريس بالمساجد وتعلق الناس به، فاضطرت الإدارة الفرنسية إلى ايجاد حيلة للحد من خطورته على مشروعها في ضرب الدين واللغة والهوية بالجزائر، فتذرعت بترقيته حين ألحقته بمدينة الجزائر دون مهمة رسمية يتولاها، قبل أن تجعله مدرسا بالمدرسة الشرعية بها رفقة الشيخ ابن العنابي. وقد لخص الشيخ محمد الصالح الصديق هذه الحيلة بقوله:"لاشك أن الحكومة إنما عينته في هذه المدارس لتقلل من نشاطه الديني والاصلاحي الذي أخذ يوقظ العقول ويفتح الأبصار ويوجه نحو الطريق القويم، لأن هذا النوع من النشاط أشدّ ما يهدد الاستعمار".

كما قلدته الإدارة الاستعمارية وسام المعارف الذهبي سنة 1898 قبل أن تمنحه وسام ثان وهو وسام الاحترام شوفالي سنة 1906، كما عين سنة 1908 "إماما خطيبا بمسجد سيدي رمضان بالعاصمة، وكان في دروسه للعامة التي انتشر واستشرى فيها الجهل والخرافة مثالا للعالم الناصح المشفق. يقول الأستاذ محمد الصالح الصديق :"كان يوجه الأنظار دأبا إلى أن الله تعالى قادر على أن يعطي كل أحد ما يحتاجه من متع الحياة بلا عمل ولا كدح. ولكن حكمة الحياة أن نكافح ونعمل لتكون للحياة لذة وحلاوة. فالحياة بلا جهاد وكفاح حياة بلا معنى. والجهاد بكل معانيه المادية والمعنوية هو أساس الحياة، ومناط العز في هذه الأرض ..." كما دعا إلى محاربة البدع والعمل بالسنة والانقياد إلى الحق". وختمت الأوسمة بوسام الافتخار التونسي من درجة التطويق سنة 1910. وهي كلها خطوات لتفصله عن أتباعه وعن تأثيره القوي من خلال التدريس. ولكنه لم يبق مكتوف الأيدي فقد كان ينسق جهوده مع الشيخ عبد الحليم بن سماية مدرسا بمدرسة اللغة العربية بباب الوادي، وكذلك الشيخ كحول مدير جريدة "كوكب إفريقيا".
وإضافة إلى التدريس الرسمي في مسجد سيدي رمضان بالعاصمة، كان الشيخ المجاوي كثير النشاط من أجل الاحتكاك الاجتماعي، ولذا كان دؤوبا متنقلا بين المدارس والمساجد والجمعيات والنوادي الثقافية، إضافة إلى الكتابة الصحفية، حيث كان ينشر مقالاته في جريدتي "كوكب إفريقيا" و"المغرب".

وبفعل نشاطه هذا، وصفه الشيخ عبد الحميد بن باديس بقوله:" أيها الإمام الذي ببزوغ شمسه تمزقت سحب الجهل، وبدت غرة العلم المعين، أنت الذي عانيت في سبيل إصلاحنا أتعابا طويلة ..." أما تلميذه الوفي الشيخ المولود بن الموهوب فقد وصفه بقوله:"هذا عبد القادر الذي أكرمنا الله بقدومه من تلمسان منذ خمس وأربعين من السنين، فأحيى القلوب كالغيث بعد القحط، رحم رب العالمين هذا الشريف عبد القادر الحسني الذي جاءكم بلوعة من المعارف والعلوم، وبثها ونشرها ولم يبخل بها على الخصوص والعموم. هذا عبد القادر صاحب الأخلاق الطيبة الذي نور العقول ... هذا عبد القادر النصوح الذي زين الوطن الجزائري تلامذته، وعمت بعلمه كل جهة ببركته. هذا أستاذ الجميع عبد القادر الذي ما من عالم إلا وله فضل عليه".
وإضافة إلى نشاطه الدؤوب كان للشيخ عبد القادر المجاوي ركيزتان أخريتان للتأثير في أحداث النهضة الجزائرية الحديثة. تمثلت الركيزة الأولى في مؤلفاته الهامة، أما الركيزة الثانية فكانت تلامذه الذين ملأوا الأرض علما بعدما حاولت الإدارة الاستعمارية أن تملأها جهلا.

الركيزة الأولى: آثار المجاوي (مؤلفاته):

ففيما يخص الركيزة الأولى وهو مؤلفاته، ألف الشيخ المجاوي مؤلفات كثيرة تميزت بفائدتها الكبيرة للطلبة والدارسين، كما أنها مادة خام لتحقيق النهضة العلمية للجزائر، خاصة وأنها مطبوعة اليوم كلها تقريبا. وهذه المؤلفات هي: الدرر النحوية على المنظومة الشبراوية، كشف اللثام عن شواهد قطر ابن هشام، شرح نظم المجردية في الجمل، الدرر البهية على القصيدة المجرادية، نزهة الطرف فيما يتعلق بمعاني الصرف، تحفة الأخيار فيما يتعلق بالكسب والاختيار، اللُّمع على نظم البدع، ارشاد المتعلمين، الإفادة لمن يطلب الاستفادة، شرح منظومة المنزلي، المرصاد في مسائل الاقتصاد، الفريدة السَّنيَّة في الأعمال الجَيْبيّة، المنظومة المُرْضية في المسائل النجومية ...

الركيزة الثانية: تلامذة الشيخ المجاوي:

أما فيما يخص الركيزة الثانية وهي تلامذته، وحتى لا أطيل الكلام عن العلماء المعروفين وهم أساتذة الشيخ ابن باديس من مثل الشيخ ين عبد الحليم بن سماية والشيخ حمدان لونيسي، أو الشيخ مولود بن الموهوب شيخ مالك بن نبي فنقتصر في هذا المقام على الإشارة إلى عالم واحد بالتطرق المختصر إلى أهم نشاطاته. ألا وهو الشيخ أبو اسحاق إبراهيم أطفيش.
درس الشيخ إبراهيم اطفيش (1886 - 1965) على شيخه عبد القادر المجاوي بمدينة الجزائر سنة 1910، وفي هذا قال الشيخ محمد ناصر:"فاتجه (اطفيش) إلى العاصمة حيث تتلمذ على يد الشيخ عبد القادر المجاوي الذي كان في هذه الفترة من أبرز علماء الجزائر اصلاحا وتقوى وسعة علم مما جعل المعجبين به يلقبونه بشيخ الجماعة".

ونشاط الشيخ أبو اسحاق اطفيش كثير وهام حيث ولد سنة 1886 ببني يزقن بوادي ميزاب في بيت علم وتقوى فعمه الشيخ محمد بن يوسف أطفيش المصلح والشيخ الفاضل، فدرس عليه وأخذ منه العلم والأدب والأخلاق الفاضلة، وبعد أن مارس التجارة مدة، انتقل أبو اسحاق إلى مدينة الجزائر سنة 1910 فغرف من علم شيخه المجاوي، ثم انتقل إلى تونس سنة 1917 "واستطاع بذكائه ونشاطه أن ينتزع اعجاب أساتذته المبرزين من أمثال الشيخ محمد بن يوسف الحنفي، والشيخ محمد النخلي، والشيخ عثمان بلخوجة، والعلامة الشيخ الطاهر بن عاشور".

وفي تونس أشرف الشيخ أطفيش على طلبة البعثة الميزابية التي ما فتئت تتوافد على تونس منذ 1913، فكان له نشاط كبير في صفوف الطلبة رفقة زميليه أبي اليقظان ومحمد الثميني. ومن أجل الدفاع عن قضايا الاصلاح وجد نفسه رفقة الاصلاحيين من زملائه في مواجهة دعاة الجمود الفكري بتونس فانكب على الكتابة الصحفية التونسية والجزائرية وصدر له كتاب بعنوان "الدعاية إلى سبيل المؤمنين" طبعه بالقاهرة بعد نفيه إليها من طرف الإدارة الفرنسية بتونس سنة 1923، كما واصل كتابته في الجرائد المصرية.

وفي مصر واصل الشيخ أطفيش نضاله الفكري فأسس مجلة المنهاج التي صدرت بين سنتي 1925 و1930 وهي مجلة تميزت "بروح إسلامية قوية صامدة في وجه أعداء الإسلام من مبشرين واستعماريين، وما تعرف به من مواقف ثابتة تجاه بعض الأقلام العربية المأجورة التي تخرجت في مدارس الاستشراق. إضافة إلى كونها تمثل بحق الصوت الجزائري الداوي خارج القطر إذ عرفت المشارقة بالجزائر وقضاياها السياسية والاجتماعية، في وقت كانوا يخلطون بين الجزائر ومراكش، ويعرفون فيه عن باريس أكثر ما يعرفون عن قسنطينة أو تلمسان ...". وقد واصل الشيخ اطفيش في عمله الاصلاحي والتعريف بالقضايا الجزائرية إلى أن وافته المنية بمصر في 13 ديسمبر 1965.

خاتمة:

تكوّن الشيخ عبد القادر المجاوي بالمغرب الأقصى بجامعتين من أكبر الجامعات الإسلامية آنذاك وهما جامعة فاس، وجامعة القرويين، ونهل منهما. فكانتا أهم روافد فكره وغرستا فيه توجهه الفكري الذي سار عليه. كما كانت أسرته، وشيوخه، وبيئتا المغرب والجزائر، وتراث الحضارة العربية والإسلامية، وأساليب القمع الاستعماري ومحاولاته لمسخ الشخصية الجزائرية... كلها من روافد فكره وعوامل تكوين شخصيته وقناعاته التي صار عليها. فعمل جاهدا على بث الوعي النهضوي بالجزائر من خلال نشاطه الكثير بالمساجد والمدارس والصحافة والنوادي والجمعيات.

وبنشاطه هذا، ترك الشيخ المجاوي ركيزتين أساسيتين كانتا من بناة نهضة الجزائر، تمثلت الركيزة الأولى في مؤلفاته فيما تمثلت الركيزة الثانية في تلامذته من بعده.


للمقال مصادر ومراجع

(1) تعليق

  1. سومية أولمان (بنت عبد الرحمان وفتيحة بنت عبدالله بن مصطفى بن عبد القادر المجاوي)

    بارك الله فيك، سيدي،على هذا المقال القيم والذي يزخر بالمعلومات. منذ سنوات أقوم بأبحاث حول جدّي الثالث الشيخ عبد القادر المجاوي. غير أن لا تزال هناك بعض المعلومات التي لم اتمكن من العثور عليها. خاصة فيما يخص أبوه عبد الله وجده محمد و جده الثاني عبد الكريم. هل ممكن أن نتحصل على معلومات إضافية بخصوص ميلاده، حيث أن، حيث أن في شهادة ميلاده والتي هي في حيزي، نرى أنه وُلد في تلمسان سنة 1848؛ و في شهادة وفاته، أنه توفى يوم 25 سبتمبر 1914. أما عن زواجه، فتزوج مع السيدة عائشة بنت الحاج صالح بن المير (أسرة من قسنطينة) بينما بنتاه تزوجتا مع حفيذين للأمير عبد القادر، من أسرة بوطالب.

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.