جلسات تاريخية مع الشيخ خير الدين..
بقلم: محمد عباس-
نقف في حلقة اليوم من "الجلسات التاريخية" مع الشيخ محمد خير الدين العضو المؤسس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأحد ممثلي جبهة التحرير بالمغرب أثناء ثورة التحرير، يتناول الشيخ موضوعين: بداية اتصاله برمضان عبان الذي كان فكر في تصفيته! وبيان الأربعة ضد ميثاق بومدين في مارس 1976.
***
مررت صباح 9 أكتوبر 1985 ببئر خادم، فخطر لي أن أسلم على الشيخ محمد خير الدين، من أقطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وجدته عند مدخل "دار الأمان" (مسكنه) ومعه حفيدتان إحداهما ما تزال في المهد.
لما جلسنا بمكتبه، حرص على إثارة موضوعين: اتصالاته الأولى بجبهة التحرير الوطني في بداية الثورة، "بيان مارس 1976" الذي وقعه رفقة فرحات عباس والحسين لحول وبن يوسف بن خدة..
أولا: بداية الاتصال بعبان
يقول الشيخ خير الدين في هذا الصدد: أرسل رمضان عبان، "منسق" جبهة التحرير الوطني داخل الجزائر، المناضل الحسين بالميلي إلى الشيخ العربي التبسي رئيس الجمعية بالنيابة، يطلب مالا لجبهة التحرير الوطني، فعاد إليه بجواب على لسان التبسي، مفاده "أن مال الجمعية بيد الشيخ خير الدين، ولا أظنه يقبل أن أدفع منه إلى الجبهة"! وبعد مدة اتصل عبان بالشيخ خير الدين بواسطة سعد دحلب، فضرب له موعدا بشقة ابن أخيه في ديار المحصول، وجاء عبان إلى الموعد رفقة بن يوسف بن خدة، وفي ختام حوار طويل بين الثلاثة، قال عبان بصراحة: نحمد الله أننا لم نأمر بإعدامك! لو فعلناها لخسرنا شخصية فذة، نحن في أمس الحاجة إليها.
وحسب الشيخ خير الدين أن بالميلي يكون أوعز بذلك إلى عبان!.
ثانيا: بيان.. ضد ميثاق بومدين
عن ملابسات "بيان مارس 1976" الذي حمل توقيع الشيخ محمد خير الدين، رفقة الرئيسين فرحات عباس وبن يوسف بن خدة (1)، والحسين لحول الأمين العام السابق (2) لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، صرح لنا الشيخ يومئذ بما يلي:
"جاءني أحد مساعدي بالمغرب أثناء ثورة التحرير، وقد أصبح من المقربين للرئيس بومدين، جاءني غاضبا ليسر إلي بأن هذا الأخير كشف القناع عن حقيقته الماركسية، فقد صارحني بأنه سيعلن الاشتراكية العلمية، بعد مؤتمرات المنظمات الجماهيرية، والمصادقة على الميثاق، وانعقاد مؤتمر حزب جبهة التحري الوطني، لأن الاشتراكية إما أن تكون علمية أولا تكون، فكل ماعدا ذلك مجرد زيف وكذب"!
ويضيف الشيخ: "لم أتحمل السكوت عما يدبر في دهاليز نظام بومدين، فالسكوت خيانة أمام الضمير وفي نظر الشعب، لذا سارعت بتبليغ فرحات عباس وبن خدة ولحول، مقترحا عليهم فكرة إصدار بيان مشترك. لقي الاقتراح قبولا حسنا، وشرعيا في إعداد البيان، كل واحد يسجل ما بدا له من أفكار، إلى أن اكتمل في صيغته النهائية.
وتولى سعد دحلب ـ وزير الخارجية في حكومة بن خدة ـ رقن البيان وسحبه، وقمت بتوزيع البيان إثـر ذلك رفقة بن خدة، على متن سيارة "ر.4"، طفنا بها على مختلف الوزارات والمؤسسات الإعلامية، دون أن ننسى طبعا وكالات الأنباء الأجنبية. لم ننس أيضا توزيع البيان على بعض المسؤولين منهم:
ـ العربي الطيبي وزير الفلاحة الذي كنت على علاقة طيبة به، منذ فترة المغرب إبان الثورة
ـ العقيد أحمد بن شريف قائد الدرك الوطني الذي سلمناه نسخة بمسكنه لكنه أبى إلا أن يخرج إلينا، مصرا على دعوتنا لشرب الشاي، حسب تقاليد أهل الجنوب! أخذ المضيف يقرأ البيان بحضورنا، معلقا عقب كل فقرة: موافق! موافق! وفجأة رن جرس الهاتف، فاعتذر لحظة للرد عليه، ثم عاد إلينا وهو يرتجف قائلا: إنه بومدين! إنه يرغي ويزبد بسبب بيانكم هذا! وقد دعاني إلى اجتماع طارئ لمجلس الثورة.
وعن مضاعفات ذلك، يقول الشيخ بناء على ما عرف لاحقا: كان بومدين يعتزم محاكمتنا وحبسنا، لولا اعتراض اثنين من أعضاء مجلس الثورة هما:
العقيد محمد الصالح يحياوي قائد أكاديمية شرشال الذي لاحظ أن للشخصيات الموقعة رصيدا تاريخيا وشعبيا، والأفضل أن نعاملها بما يليق بمقامها وماضيها.
ـ عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية الذي أشار إلى أن التشدد مع مثل هذه الشخصيات يمكن أن يسيء لبومدين نفسه، وللجزائر أيضا على الصعيد الدولي.
وفي النهاية قرر مجلس الثورة وضعنا تحت الإقامة الجبرية.
عن جريدة الفجر (بتصرف)