الشيخ محمد الأمين العمودي أحد رواد الصحافة الجزائرية
بقلم: إبراهيم بن ساسي-
يقول الدكتور مصطفى السباعي في كتابه اللامع (هكذا علمتني الحياة) "الشباب يصنعون التاريخ بقلوبهم، والعلماء يصنعونه بعقولهم، والحكماء يصنعونه بأرواحهم، فإذا تعاون العقل والقلب والروح على صنع التاريخ كان تاريخا لا ينطفئ نوره ولا تخبو آثاره وكذلك صنعنا التاريخ" ومن الأفذاذ الذين صنعوا تاريخ الصحافة الجزائرية بقلوبهم وأرواحهم ومهجهم الشيخ محمد الأمين العمودي (1890ـ1975م) رحمه الله.
ولد الشيخ محمد الأمين العمودي بمدينة الوادي سنة 1890م في عائلة متوسطة الحال، التحق أولا بأحد الكتاتيب القرآنية فتعلم القرآن وبعض مبادئ اللغة والفقه والنحو وما إن تفتقت مواهبه حتى وجد نفسه طالبا بالمكتب الفرنسي بالوادي الذي أهله للالتحاق بمدرسة قسنطينة الإسلامية وهي إحدى المدارس الفرنسية الثلاث في كل من العاصمة تلمسان وقسنطينة، وفي الأخير درس الشيخ أساليب الترجمة وقوانين القضاء والإدارة وغيرها من العلوم العصرية.
بعد تخرجه من مدرسة تخريج القضاة والمترجمين شغل عدة وظائف فعُين كاتب عدالة في منطقة فج مزالة ومنها إلى بلدة وادي المياه مساعدا للترجمان ثم وكيلا شرعيا بمدينة بسكرة إلى أن انتقل إلى العاصمة الجزائرية قبيل سنة 1930م.
ولقد كانت علاقة الشيخ العمودي برائد الإصلاح ابن باديس وثيقة وهو من أوائل الذين لبّوا دعوة ابن باديس أيام تأسيسه لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الخامس من مايو عام 1931م، حيث اختير الشيخ العمودي أمينا عاما لمكتبها التأسيسي إلى غاية 1936م.
وقد ساهم بجهد كبير في انتشار الجمعية واعتماد شعبها من جهات عديدة من القطر الجزائري والقيام بنشاط تربوي واسع، كما ترأس جمعية شباب المؤتمر الإسلامي التي أسسها مجموعة من الشباب للمحافظة على مبادئ المؤتمر الإسلامي، رفقة الأستاذ الفضيل الورتلاني رحمه الله بعد أن رفضت فرنسا مطالب المؤتمر وأودعت بعض رواده السجون وتعود فكرة تأسيس هذا المؤتمر سنة 1936م إلى الشيخ الأمين العمودي نفسه وهو ما يؤكده الشيخ حمزة بوكوشة رحمه الله.
وعن نشاطه الصحفي فقد اشتغل محمد الأمين العمودي في صحف كثيرة منها جريدة النجاح في أعدادها الأولى في العشرينيات من القرن الماضي، وجريدة الإقدام صاحبة اللسان المزدوج، والجزائر الجمهورية إلى أن أصدر يوم 24 يناير 1943م جريدة الدفاع بالفرنسية وقد استمرت إلى العدد 222.
وقد ظل الشيخ العمودي رافعا لواء التحرير والاستقلال بقلبه ولسانه وقلمه، وحين أصدر جريدته الدفاع زينها بلافتة كتب عليها "أسبوعية للدفاع عن حقوق صالح الجزائريين" ومن خلالها دحض مزاعم الفرنسيين الاستعمارية وكشف مغالطتها مكافحا طغيان الإدارة الفرنسية في ذلك العصر . كما طرح مطالب الشعب للإطلاع على أخبار المشرق العربي فتعطلت الجريدة أيام نشوب الحرب العالمية الثانية وادخل صاحبها السجن سنة 1940، وقد أمضى الكثير من فترة حبسه في سجن برباروس الشهير ولعل القطرة التي أفاضت كأس الاستعمار الفرنسي وأقلقت سلطاته تحريره وترجمته للتقرير الذي قُدم في ملف القضية الجزائرية للأمم المتحدة عن التعذيب والأساليب الوحشية التي كانت السلطات الاستعمارية تمارسها ضد الشعب الجزائري الأعزل.
وبعد حصول القضية الجزائرية على حق التسجيل في دورة الأمم المتحدة الحادي عشرة عام 1957م، شرعت هذه السلطات في البحث عن صاحب التقرير وسرعان ما توصلت إليه فاختطفته رحمه الله.
وبعد أن وقع الشيخ العمودي فريسة بين مخالب عصابة اليد الحمراء أخذت الأيادي الخبيثة الحاقدة تذيقه ألوان التعذيب والأذى إلى أن أصابته ضربة قاتلة فرمته في قرية العجيبة نقل على إثرها إلى مستشفى البويرة وهناك لقى ربه شهيدا ليُنقل جثمانه إلى مقبرة حي سانتوجان، فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان.