مع الشيخ ابن باديس في عنابة
بقلم: أ.د. مولود عويمر-
سافرت إلى مدينة عنابة يوم الجمعة 27 أفريل 2012 للمشاركة في الندوة التي نظمها الموقع الالكتروني ابن باديس (2001) بالتعاون مع جمعية البشائر (2006) حول الإمام عبد الحميد بن باديس. ولم يتمكن الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من السفر لسبب طارئ فكلف نائبه الدكتور عمار طالبي بتمثيل هذه الجمعية.
سياحة في المعرض
احتضنت مكتبة المطالعة العمومية الواقعة في 15 نهج حواس بن براهيم في وسط مدينة عنابة أشغال هذه التظاهرة العلمية والثقافية التي انطلقت يوم السبت 28 أفريل صباحا. وهو مكان رمزي اختاره المنظمون للتذكير بصلة الشيخ ابن باديس المتينة بالعلم والكتاب. وقد استقبلنا أنا والدكتور عمار طالبي والباحث التونسي الأستاذ محمد بن عاشور -والذي تعرفنا عليه في فندق منى- كل من السيد سليمان سحالي رئيس ديوان والي عنابة، والأستاذة صالحة نواصر مديرة المكتبة والأستاذ منير عثماني رئيس جمعية البشائر بحفاوة كبيرة.
تجولنا بعد ذلك في المعرض الذي أقيم على هامش هذه الندوة العلمية. وقدم لنا المثقف النبيه الأستاذ عبد المالك حداد مدير موقع ابن باديس الإلكتروني شروحات دقيقة عن كل الوثائق والصور النادرة المعروضة في بهو المكتبة. ولا مانع أن أذكر للقارئ هنا بعضا منها: الدفتر المدرسي لابن باديس، أهم الإجازات التي تحصل عليها في تونس والحجاز ومصر، صوره مع عائلته في فترة شبابه ورحلته إلى وادي سوف.
كما عرضت مجموعة كتب تناولت حياة الشيخ عبد الحميد بن باديس وآثاره وأعماله الإصلاحية، وكم تمنيت أن أجد إلى جانبها الرسائل الجامعية أو الدراسات التي أنجزت عن ابن باديس في جامعة عنابة التي لا تبعد عنا إلا بعض الكيلومترات. ذلك سيقدم بلا شك إضافة نوعية ولمسة جديدة للمعرض.
جولة في المكتبة
تجوّل الضيوف في المكتبة رفقة المديرة المثقفة واليقظة التي لم تفارقهم إلا في المساء بعد انتهاء التظاهرة الثقافية والعلمية. وقدمت لهم نبذة عن هذه المؤسسة التي زارتها وزيرة الثقافة 3 مرات منذ افتتاحها في عام 2011 وكشفت عن رصيدها من الكتب وسعة استقبالها.
فهي تحتوي على عدة قاعات المطالعة منها قاعة خاصة للباحثين، وفضاء خاص للأطفال وفضاء آخر للانترنت. وتملك المكتبة رصيدا ثقافيا قدره 48879 كتابا ودورية باللغتين العربية والفرنسية. وتصل سعة استقبالها إلى 366 قارئ.
والحق، إننا وجدنا هذه المكتبة نظيفة جدا ومنظمة بشكل كبير غير أننا تأسفنا للرفوف الفارغة في قاعات المطالعة، فنتمنى أن تزودها وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية وغيرها بالكتب حتى يستفيد منها القراء الذين يقصدونها يوميا.
ولقد سعدنا بافتتاح هذه المكتبة حتى السابعة مساء. فهذا التوقيت لا شك سيسمح للطلبة والباحثين بالمطالعة والبحث خارج أوقات الدراسة والعمل. فمعظم المكتبات العمومية والجامعية عندنا تقفل أبوابها للأسف على الساعة الرابعة أو الخامسة، وهذا يحرم الكثير من الاستزادة في العلم واكتساب المعرفة وانجاز البحوث…
وبعد هذه الجولة المفيدة، التحق بنا الشقيق الأصغر للشيخ ابن باديس وهو الأستاذ عبد الحق مرفوقا بابنته الأستاذة فوزية عضوة بمجلس الأمة، والدكتور عبد العزيز فيلالي رئيس مؤسسة الإمام عبد الحميد بن باديس قادمين من مدينة قسنطينة.
في قاعة المحاضرات
انطلقت أشغال الندوة على الساعة الثانية بعد الظهر. وكان الحضور متواضعا وهذا لأسباب عديدة منها تأخير هذه التظاهرة عن موعدها الأول نظرا لأسبوع الحداد الذي تزامن مع وفاة الرئيس الجزائري أحمد بن بلة رحمه الله. ولعلها الحرارة التي دفعت الناس إلى شواطئ عنابة الجميلة بعد أيام من البرودة والأمطار الغزيرة. أو لعله انشغال الناس بالحملة الانتخابية للتشريعيات القادمة خاصة بعد أن استعان بعض المترشحين بالفرق الموسيقية لاستقطاب الجماهير.
استهلت أعمال الندوة بتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم، وإلقاء كلمات ترحيبية من طرف مديرة المكتبة ورئيس جمعية البشائر ومدير موقع ابن باديس. وقد قدم هذا الأخير نبذة مختصرة عن تاريخ هذا الموقع المتميز وانجازاته المختلفة منذ انطلاقه في أفريل 2001، وكشف عن مشاريعه المستقبلية، منها: نشر وثائق وصور نادرة عن الشيخ ابن باديس وجمعية العلماء الجزائريين، ووضع الكتب المخصصة لها وصحفها في متناول المهتمين لمطالعتها وتحميلها مجانا.
أما جمعية البشائر التي يشرف عليها المثقف النشيط الأستاذ منير عثماني فقد تأسست في عام 2006. وهي تهتم بترقية الشباب العنابي. ففتحت في هذا السياق منتديات للإعلام الآلي وورشات للخط العربي وفنون منزلية كالخياطة والطبخ. كما نظمت عدة مهرجانات وطنية ودولية للأنشودة الهادفة. وقد استحسنت عند هذه الجمعية مبادرة علمية رائدة وهي تتمثل في إنشاء نادي المقروئية تنظم فيه جلسات حول كتاب، فكل فرد يقدم عرضا عن الفصل الذي قرأه، ثم يساهم الكل في المناقشة.
وتحدث الدكتور عمار طالبي والدكتور عبد العزيز فيلالي والأستاذ محمد بن عاشور عن حياة ابن باديس العامرة وأعماله المختلفة في ميادين التربية والتعليم والصحافة. بينما اعتذر الأستاذ عبد الحق بن باديس عن إلقاء كلمة عن أخيه بسبب مرضه. غير أن مداخلة الأستاذ بن عاشور المعنونة بـ”صفحات خفية من حياة العلامة ابن باديس” لم تبرز إلا صفحات معروفة من حياة المصلح الجزائري وهي متداولة في الكتب المتخصصة.
تهادوا الكتب تزدادوا علما
وأهدى الدكتور عبد العزيز فيلالي آخر إصدارات مؤسسة ابن باديس للأساتذة الضيوف والمكتبة، وهي تتمثل في الكتب الخمسة التالية: البيت الباديسي، الإمام عبد الحميد بن باديس وجهوده في تجديد العقيدة الإسلامية، الشيخ عبد الحميد بن باديس: السلفية والتجديد، وثائق جديدة عن جوانب خفية في حياة ابن باديس الدراسية، جرائم الجيش الفرنسي في مقاطعتي الجزائر وقسنطينة بين 1830 و1850.
كما أهدى لهم الدكتور سعد بوفلاقة أستاذ بكلية الآداب بجامعة عنابة ومدير مؤسسة بونة للبحوث والدراسات آخر إصدارات هذه المؤسسة. وكان من نصيبي العدد الجديد (السابع عشر) من مجلة بونة، والذي تضمن مجموعة بحوث ودراسات في المجالات الاجتماعية والأدبية.
ولعل أبرزها في نظري المقالات التالية: تجليات الخطاب النقدي والأدبي في الصحافة الجزائرية قبل ثورة نوفمبر 1954 للدكتور شريبط أحمد شريبط؛ جماليات دلالات التثنية والصور البلاغية والنغم الموسيقية في سورة الرحمان للدكتورين عاطي عبيات ويحي معروف؛ النص القرآني في خطاب الفكر الاستشراقي للدكتور عثماني عبد المالك…الخ.
وأهديت لهم بدوري نسخا من آخر إنتاجي العلمي، وهما الكتابان: عبد الحميد بن باديس مسار وأفكار؛ مشاهد من عالم الذاكرة، بالإضافة إلى العدد الأخير من جريدة البصائر التي أحرص دائما على توزيعها حيثما رحلت ونزلت.
كما أهدى إلي الأستاذ حداد نسخا من الوثائق والصور التي تم عرضها بهذه المناسبة العلمية. فله مني كل علامات الشكر والتشجيع، وتحيات الاحترام والتقدير على جهوده الجبارة في إحياء تراث الشيخ عبد الحميد بن باديس، وترجمة سيرة هذا المجدد بإشراف أهل الاختصاص إلى كل اللغات العالمية الكبرى، فابن باديس عاش للجزائر والعروبة والإسلام والإنسانية.