أم الجمعيات ومرجعيتها
بقلم: د. عبد الرزاق قسوم-
كبرت وما هرمت، وتمشيخت وما شاخت، وقدمت وما بليت. لقد بلغت العشرين أربع مرات – كما يقول المرحوم أحمد توفيق المدني – ولكنها ما ضعفت وما استكانت، تلك هي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أم الجمعيات الجزائرية ومرجعيتها.
ففي اليوم الخامس من مايو 2012، تكون قد انقضت، إحدى وثمانون سنة على تأسيس هذه الجمعية، واهبة العطاء، والخير والنماء للجزائر، أو هي كما يصفها صديقنا محمد الهادي الحسني، خير جمعية أخرجت للناس.
جاءت جمعية العلماء، بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس، وسحب دكناء تلف سماء الجزائر، وأرض جرداء تميّز حياتها، فتطبعها، باليبس، والقحط، والعقم، فكانت الجمعية هي الديمة التي بللت المواهب، وصهرت المذاهب، وأبرزت المناقب، فإذا الجزائر خضراء بالنماء، بعد القحط، وإذا سبل الأمل والرجاء تبسط بعد يأس، وإذا النهضة العلمية الشاملة تبعث، لتعم كل حياة الفرد والمجتمع.
لقد ولدت جمعية العلماء، والجزائر في أشد الحاجة إلى غاياتها ومقاصدها، فقد ناء الاستعمار بكلكله على الجزائر، فعمل على طمس معاني الوجود الحقيقي، فيها، فسادت فيها ظلامية الجهل، والخرافات والشعوذة والطرقية، وعمت فكرة الخنوع، والخضوع، والاستسلام لأمر الاستعمار الواقع، فصاحت الجمعية في كل ربوع الجزائر: ” ألا أيها النوام، ويحكم هبوا!”
لقد كانت لصيحة ابن باديس وصحبه في الجزائر، وقعها السحري في القلوب والعقول، فإذا هي أرحام تتعاطف، وصفوف تتكاتف، وقلوب تتآلف، وجهود تتكاثف، وكل ذلك على تكبير الله أكبر: الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا.
سرى هذا النداء في العروق الجزائرية، سريان الكهرباء في الأسلاك، فكان النور الإسلامي الذي عم الأرجاء، والبيان الوطني الذي أرهب الأعداء والعملاء..
وبعد تنامي عشريات من العطاء، ها هي جمعية العلماء، تنتصب، شامخة القامة، عالية الهمة، داعية، كما كانت، إلى العزة والاستقامة.
وتبدو حاجة الجزائر اليوم إلى الجمعية أكثر من أي وقت مضى، فقد عاد الاستعمار الجديد، يلوح بألوان أخرى من الغزو، ينفث سموم الفرقة، ويعمل على استئصال الإنسان من هويته، وشخصيته، بطمس معالم عروبته، والقضاء على مآثر معتقده وأرومته، فالخوف من التعددية الحزبية المتوحشة، نافخة الكير، والتي هي أحزاب تصب في ميزاب، وإن لم تُرْشَد بوازع ديني، ووعي وطني، توشك أن تقود إلى خراب.
لذلك تمد الجمعية يدها إلى كل جزائري حر شريف، وإلى كل جزائرية حرة شريفة، أن تعالوا لنبني وطننا النامي، الموحد، لننقذه من خراب العولمة، ونعيق البوم الذي ينعق من كل ناحية.
ومَن غير جمعية العلماء – اليوم – مرجوّة لإعادة بعث الروح، وبناء الصروح، وتصحيح الشروح، ومداواة الجروح والقروح؟ وإذ تفعل جمعية العلماء – اليوم – على تجنيد الطاقات الخيّرة في المجتمع، وترشيد العقول النيرة في الوطن، فإنها تفعل ذلك دون منّ أو عنّ، روادها الأولون الذين زرعوا التربة بعرقهم، وسقوا شجرة الحرية بدمهم، فنمت وأينعت، وها هي باسطة ظلالها على الجميع من أجل أن يعملوا على نشر الرخاء، وبسط النماء، وإشاعة الأمل والرجاء.