محمّد ابن الخوجة (الكمال)
بقلم: محمد الهادي الحسني –
أذكر اليوم بعالم من علمائنا، سيمرّ في شهر سبتمبر القادم قرن على انتقاله من الفانية إلى الباقية، داعيا أنتنظم هيئة من الهيآت ملتقى وطنيا للتعريف بهو بأفكاره، حتى لا تكون حاله كحال الشيخين عبد القادر المجاوي وامحمد ابن يوسف طفيش اللذين توفاهما الذي يتوفى الأنفس في العام 1914، ولكن ذكرى وفاتهما المئوية مرت دون أن يهتم بهما أحد، إلا جامعة غرداية التي عقدت ملتقى عن الإمام اطفيش لم يُغطّ التغطية اللازمة.
لم يقدر الله- عزو وجل- للشيخ محمد ابن الخوجة عمرا طويلا، فقد ولد في العام 1864 والتحقت ورقاؤه في 9 / 9 / 1915، (ذكر الشيخ عبد الرحمان الجيلالي أن الشيخ توفاه الله في 18 / 8 / 1915، وهو خطأ)،فقد عاش واحدا وخمسين عاما.
ترك الشيخ محمّد ابن الخوجة أفكارا طيبة، وآراء قيمة، بثها في الناس عبر خطبه في جامع سفير بمدينة الجزائر،وعبر كتبه التي منها ما كان فيه من السابقين ككتابه المسمى "الاكتراث لحقوق الإناث" (1895)، وكتابه"إقامة البراهين العظام على نفي التعصب الديني في الإسلام" (1902).
وكتابه "تنوير الأذهاب في الحث على التحرز وحفظ الأبدان"، (1902).
إن أجل عمل أنجزه الشيخ محمد ابن الخوجة هو إشرافه على تحقيق ونشر تفسير الإمام عبد الرحمن الثعالبي المسمى "الجواهر الحسان في تفسير القرآن"، وقد حققه- في أربعة أجزاء- بمقابلته على سبع نسخة، وملحق لغوي، وذكر الشيخ نفسه أنه ترك بعض المخطوطات، نرجو أن يعثر عليها، وأن تخرج إلى الناس.
يعتبر الشيخ ابن الخوجة ونظراؤه مثل المجاوي، وابن سماية، واطفيش، وعمر ابن قدور، وابن شنب حلقة وسطى بين الجيل الذي قبله وشاهد الاحتلال الفرنسي الصليبي البغيض، وتدميره البنية الحضارية للجزائر؛وبين الجيل الذي بعده الذي قاد الحركة الإصلاحية المنظمة، ممثلة في جمعية العلماء.
إن هذا الجيل الوسطي، وإن عمل بعضه تحت السلطة الفرنسية إلا أنها لم تستحوذ عليه حتى يقول كما قالغيرهم ممن آثروا العاجلة وذروا الآجلة، وكان شعارهم "أمّنا باري (باريس) احفظها يا باري)".
لقد كان الشيخ ابن الخوجة أحد أعضاء الحركة الإصلاحية المتأثرة بأفكار الإمامين جمال الدين ومحمد عبده،وقد كان ابن الخوجة "من أخص العلماء الذين لازموا الشيخ (محمد عبده) طوال إقامته بالعاصمة (1903) لا يفارقه ليل نهار"، ٠الجيلالي، تاريخ الجزائر... 5 / 3200).
لقد تخطى فكر الشيخ ابن الخوجة حدود الجزائر، وممن أعجبوا به باي تونس الذي منحه وساما، تقديرا له،وإشادة به، وقد تلقى الشيخ عدة تهان منها تهنئج الدكتور محمد ابن شنب، التي صاغها في قصيدة، ونشكر أسرة الشيخ ابن الخوجة التي أهدتنا نسخة من هذه القصيدة بخط الدكتور ابن شنب، والقصيدة مؤرخة بقسنطينة في 4 ذي القعدة سنة 1317 هـ وقد افتتح تلك القصيدة البالغة أبياتها 30 بيتا بقوله:
لاح برق من يسار زاد قلبي في استعار
أودع القلب شرارا ما وراه زند واري
ذهبت روحي شعاعا عند اجتلاء الخمار
ثم يقول:
ما بقصدي حبّ بدر لا غزال وجواري
إنما قصدي وسؤلي مصطفى من خير دار
بحر علم حبر عصر فاق أدهى ذي الديار
له نثر وقصيد كل يوم في اشتهار
وسجايا قد تجلّت خلتها شمس النهار
ذو أياد قد أعدّت للغواني والضواري
مكرمات تتباهى بكمال في اعتذار
هبة الله في أرض زانها فخر الفخار
كم تعالى بسداد عن جميع العار عاري
فتجلّى الصدر منه بنياشين افتخار
واشكر الله تعالى أبدا، فالسعد ساري
لقد قال الشيخ محمد الخضر حسين الجزائري- الذي صار شيخا للأزهر- عن ابن الخوجة:
"واجتمعنا بالعالم البارع الشيخ محمد بن مصطفى بن خوجة، فمدّ علينا من الملاطفة رواقا، وفتح علينا رياض أنس كانت مغلقة أبوابها إغلاقا، فنظم في سلك المسامرة فرائد، وأنشدنا من بنات أفكاره قلائد".. (مجلة السعادة العظمى ع 19 - 20 في 16 شوال 1322. ص 3011).
رحم الله الشيخ محمد ابن الخوجة، وجميع علماءنا الذين نصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولجميع المسلمين،وجعل آثارهم صدقة جارية إلى يوم البعث.