محمد خير الدين (1319-1413هـ/1902-1993م)
بقلم: مواقي عبد الحق –
محمد بن خير الدين بن محمد أبي جملين بن خير الدين عالم ومصلح ومدرس ولد ببلدة فرفار، ونشأ في بيئة علم وصلاح، فقد كان والده يؤثر مجالسة العلماء، فكان يأتي إلى منزلهم مجموعة من الشيوخ والعلماء منهم الشيخ العابد السماتي الجيلإلى، والشيخ الشاعر محمد بن عزوز الخالدي، والشيخ أبو عبد الله الغمري، كما كان لوالده صلة بالشيخ المدني بن الشيخ علي بن عمر، الذي كان يلقي دروسه في شهر رمضان(1)، لذا كان محمد خير الدين وأخوه عبد القادر يذهبان إلى زاوية الشيخ علي بن عمر بطولقة، التي تبعد عن فرفار بحوالي ستة كيلومترات، وذلك قبل الفجر يصليان ويتعلمان فيها الفقه، والنحو، والفرائض، وقراءة القرآن على يد الشيخ المدني، والشيخ الحاج بن علي بن عثمان وغيرهما.
وفي سنة 1916م ارتحل في طلب العلم إلى قسنطينة، وانضم إلى مسجد الأربعين شريفا وتعلم فيه النحو والفقه على الشيخ الطاهر بن زغوطة، والسبب في رحلته إلى قسنطينة هو والده الذي زار هذه المدينة في أكتوبر 1916 لقضاء بعض شؤونه وتوجه أثناء الصلاة إلى "مسجد الأربعين شريفا"، وصلى به وحضر درس إمامها الشيخ الطاهر بن زقوطة، وبعد الفراغ من الدرس تحدث الوالد مع الإمام هذا الأخير، وعرض عليه الشيخ الطاهر أن يبعثه إلى قسنطينة ليتعلم فأخذ عنه علم النحو وتابعت دراستي فقرأت عليه كتاب الأجرومية في النحو، ومنظومة الرحبية في الفرائض والرسالة لابن أبي زيد القيرواني في الفقه. وبعد عامين قضاهما في قسنطينة انتقل الشيخ محمد خير الدين إلى تونس حيث التحق بالزيتونة عام 1918 م، وأقام في الزيتونة سبع سنوات وبعد أن أكمل خير الدين سبع سنوات من الدراسة أصبح مرشحا للحصول شهادة التطويع، وبالتالي كان لزاما عليه أن يقوم بالامتحان، حيث يشرف على هذا الامتحان مجلس شرعي برئاسة شيخ الإسلام و"عدت إلى الجزائر في عام 1925 وكان والدي رحمه الله قد توفي في أواخر عام 1924 عن عمر لم يتجاوز تسعة وأربعين عاما فألفيت نفسي أمام وضع جديد كان لزاما علي أن أواجهه وأن أتحمل فيه المسؤولية كاملة فقمت بتربية إخوتي وتوجيههم الّتوجيه السليم، وحافظت على ما ترك والدنا من ثروة الأملاك الفلاحية والتجارية"(2).
وبدأ الشيخ نشاطه الإصلاحي بعد عودته من تونس سنة 1925 ، ففيما يخص جمعية العلماء كان للشيخ دور بارز، فهو من المؤسسين الأوائل للجمعية، حيث حضر اجتماع الرواد عام 1928 م، مع الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ مبارك الميلي والشيخ الطيب العقبي والشيخ العربي التبسي الشيخ السعيد الزاهري، وكانت أول مسؤولية كّلفه بها الشيخ عبد الحميد بن باديس هو الوعظ والإرشاد في منطقة فرفار وضواحيها، ومنذ تأسيس الجمعية إلى غاية حل نفسها عام 1956 تولى عدة وظائف ومسؤوليات منها عضو مستشار في الاجتماع الثاني للجمعية عام 1932 عاما لها، عضو في اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي عام 1936 م، تسيير جمعية "إعانة الفقراء" بسكرة إلى جانب الدكتور سعدان، كاتبا عاما لمدرسة الإخاء للتربية والتعليم ببسكرة عام 1931، نائب رئيس جمعية العلماء في عهدها الثاني من 1946 إلى 1956، إلى جانب الشيخ العربي التبسي، نائب إدارة معهد ابن باديس بقسنطينة الذي تأسس سنة 1947م، رئيس لجنة التعليم التي كانت تشرف على المدارس وتنظيم شؤونها، "أمين مال الجمعية" بعد وفاة الشيخ مبارك الميلي، عضوا مؤسسا في جبهة الدفاع عن الحرية واحترامها، التي تأسست في أوت 1951 م، ومعه الشيخ العربي التبسي، وقد شاركا باسم جمعية العلماء إلى جانب اتجاهات أخرى.
وحين انطلقت الثورة التحريرية لبى نداء جبهة التحرير الوطني، وتقلد عديد المسؤوليات والمهام منها ممثل لجبهة التحرير الوطني في المغرب وشارك في مؤتمر طنجة المنعقد في أفريل 1958 إلى جانب فرحات عباس، عبد الحفيظ بو صوف، عبد الحميد مهري، أحمد فرنسيس وأحمد بو منجل، عضو بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية. أما بعد الاستقلال فقد عين نائبا بأول مجلس وطني جزائري مستقل من 1962 إلى 1964م وشارك في أول مجلس إسلامي أعلى في الجزائر سنة 1966 وكرئيس شرفي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. أصدر مذكراته بعنوان "مذكرات الشيخ محمد خير الدين" في جزئين وله أيضا مجموعة من المقالات التي كتبها في جرائد وصحف الجمعية وقد كتب الأغلبية منها في البصائر، وبعضها في الشهاب. توفي الشيخ محمد خير الدين في الجزائر العاصمة ونقل جثمانه إلى بسكرة أين دفن(3).
الهوامش:
من كتاب سير و تراجم أعلام منطقة طولقة
([1]) اسعد الهلالي: الشيخ محمد خير الدين و دوره في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و ثورة اول نوفمبر 1954، بيت الحكمة، 2015، ص56.
(2) اسعد الهلالي: المصدر السابق، ص57.
(3) أسعد الهلالي: المصدر السابق، ص60.