إبراهيم أبو اليقظان والتجربة الإعلامية
بقلم: التهامي مجوري -
إن التجربة الإعلامية عند أبي اليقظان وصحبه من العلماء والمصلحين من جيله، تجربة علمائية إصلاحية تربوية سياسية؛ أرادوا بها الانتصار لقضاياهم العادلة في تربية الأمة والنهوض بها لتحريرها من خرافات الجهل وبقايا الجاهلية النتنة، والتصدي لمكائد الاستعمار الذي عمل على إذابة الشخصية الوطنية في حمض الإنحرافات العقدية والفكرية والأخلاقية المائعة، لأن ممارسة الإعلام في جوهرها نضال وجهاد من أجل بث فكرة يؤمن بها أصحابها، لا سيما عند ذلك الجيل من الرواد المصلحين، وفي ذلك الجو المفعم بتحدٍّ صارخ لقوى استعمارية صاعدة مستكبرة، ألا وهي حركة الاستعمار التي قسمت بلاد المسلمين والشعوب المستضعفة.
ويضاف إلى كون الإعلام نضال ورسالة، أنه في تلك المرحلة ولا يزال الآلية الأكثر فاعلية في العالم، والصحافة المكتوبة يومها التي اعتمدها ابو اليقظان وصحبه، كانت من أحدث وسائل الاتصال، مثل الفضائيات هذه الأيام (2013). وعلماؤنا ومنهم الشيخ إبراهيم أبو اليقظان كانوا يشعرون بهذه الحاجة وهذه الأهمية، فأنشأوا الجرائد والمجلات وطبعوا الكتب وأنشأوا والمطابع.
فأبو اليقظان الذي ولد سنة 1888 هو من جيل الرواد الذين قادوا الحركة السياسية والثقافية والإصلاحية في العالم الإسلامي، مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حاملين لواء الدعوة واليقظة التي ظهرت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. على يد الشيخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، والحركات الموازية مثل الحركة الوهابية، فهو من جيل يعد هو الصانع الحقيقي للوعي الوطني القومي الاستقلالي الصحيح، من أمثال: الشيخ ابراهيم طفيش 1886 – 1965، وأبن باديس 1889 – 1940، والابراهيمي 1889 – 1965، مالك بن نبي 1905 – 1973، الرافعي 1880-1937، العقاد 1889 – 1964، محمد كرد علي 1876 – 1953، عبد العزيز الثعالبيي 1876 – 1944، الطاهر بن عاشور 1879 – 1972، الفاضل بن عاشور 1909 – 1970، عبد الكريم الخطابي 1882 – 1963,,
فقد كان بتوجهه العربي الإسلامي، المشبع بالاستجابة للتحدي الذي فرضه التوجه الاستعماري الغربي الجذبي –على تعبير مالك بن نبي رجمه الله-، الظاهر في جميع مراحل حياته، يحمل بين جوانحه عواطفه الإنسانية التي لا يخفيها، وانتمائه الإسلامي الذي لا يستخي به، ولا يبغي عنه بديلا باعتباره دين الله الخالد، وعربي عروبة محمد صلى الله عليه وسلم، وجزائري يشعر الشعور الكامل بالتزاماته السياسية الوطنية، وميزابي معتز بميزابيته اعتزاز الرحم برحمه، ولكل دائرة من دوائر الانتماء هذه يرى الشيخ أيو اليقظان أن عليه التزامات متفاوتة القوة والخطورة تجاه هذه الدوائر كلها.
فهو صاحب مشروع حضاري إنساني إسلامي وطني عبر عنه في كل ما كتب وأعلن من آراء ومواقف شرعية وسياسية، كما في مقاله "أيها الجزائري"، "أيها الجزائري العزيز! أنت شقيق الجزائري الروحي، أبوكما الإسلام وأمكما الجزائر، فلكما وعليكما نحو بعضكما من الحقوق والواجبات ما للأشقاء وعليهم"، "أيها الجزائري! إن الدين يدعوك، والجزائر تستفز همتك وقوميتك تناديك بصوتها الرخيم إلى الاستقامة، إلى العمل، إلى الاتحاد، فإن السعادة في انتظارك في محطة العزة والفخار".
وتجربة أبي اليقظان الصحفية لا تختلف كثيرا عن تجارب إخوانه من العلماء في الجزائر، امثال عمر بن قدور وعمر راسم وابن باديس والعقبي، من حيث هي وسيلة فعالة ولغة العصر، في خدمة الفكرة الإصلاحية، ولكنها تميزت بالإصرار والاستماتة في التعلق بالعمل الإعلامي فأصدر ما بين سنة 1926 و19388 ثماني جرائد: وادي ميزاب 119 عددا، ميزاب عدد واحد، المغرب38 عددا، النور78 عددا، البستان10 أعداد، النبراس6 أعداد، الأمة170 عددا، والفرقان6 أعداد.
فكان كلما أوقفت له الإدارة الاستعمارية عنوان من هذه العناوين أصدر عنوانا آخر، مواجها به قوى التسلط الفرنسي الإستعماري. وهذا الإصرار الذي لم يعرف به غيره، هو ميزة تميز بها أبو اليقظان دون غيره من العلماء والمصلحين لكونه كان له ارتباط عاطفي بالكتابة والعمل الإعلامي سماه هو نفسه "ميلا فطريا غريزيا"، وقد كان له هذا الميل منذ نعومة أظافره كما روى ذلك الدكتور محمد ناصر في كتابه "أبو اليقظان وجهاد الكلمة"، بحيث حرر في سنة 1913 صحيفة كاملة بيده اسماها "قوت الارواح" تعبيرا عن هذا الميل القوي.
ولم يكتف أبو اليقظان بالإصرار على إصدار الصحف متحديا الإدارة الاستعمارية التي كانت توقف له العناوين بدون سبب واضح أو حكم قضائي معين، وإنما تجاوز ذلك إلى إنشاء مطبعة أطلق عليها إسم "المطبعة العربية"، ورغم أن المطبعة ذات طابع تجاري، إلا علاقتها بالإعلام لا تخفى، بل إن تسميتها بالمطبعة العربية يحمل في طباته لغة التحدي، في مستعمرة يعتبر فيها الاستعمار العربية بغة أجنبية.