جمعية العلماء في معترك النضال
بقلم: التهامي مجوري -
لقد حُرم العلماء من العودة إلى العمل المنظم خلال سنوات الاستقلال، فحرمت الجزائر خيرا كثيرا، بسبب تعطيل تجربة إصلاحية معتبرة، عن القيام بمهام وطنية ما كان للجزائر أن تستغني عنها، فتوزع رجالها على قطاعي التربية والتعليم والشؤون الدينية، لمواصلة المسيرة بحدودها الدنيا، وقليل منهم اتجه إلى الميدان السياسي؛ إذ "ما لا يدرك لا يترك".
وعندما عادت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للنشاط، كمؤسسة منظمة، مع بداية التعددية السياسية والجمعوية، كان للناس في عودتها أراء ومذاهب، فمنهم من كان يرى في عودتها تشويش على مشروع "رابطة الدعوة الإسلامية" التي أنشأها أبناء الحركة الإسلامية بعد الاستقلال بقيادة الشيخ أحمد سحنون رحمه الله؛ لكونها تزامنت مع إنشائها، ومنهم من رآها عودة غير مرغوب فيها باعتبارها "الوجه الإسلامي للسلطة"؛ لأن رؤوسها يومها كانوا من إطارات سابقين في الدولة، أمثال الشيخ أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، والشيخ عبد الرحمن شيبان وزير سابق، ودارت الأيام وعادت حاجة الأمة إلى جمعية العلماء، بعد تجربة قاسية خاضها التيار الإسلامي بجميع فصائله، فدخل فيها الناس أفواجا، طمعا في عودة الدعوة إلى الله إلى وجهها الناصع الذي لا يبغي من وراء ذلك إلا وجه الله، والانتصار لدينه إحياء لواحب الدعوة إلى الخير (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير..)، وسواء كانت هذه العودة، عودة حنينٍ إلى إرث تاريخي وجب استثماره من جديد خدمة للأمة، او يأسا من صيغة من صيغ التجربة التي عاشتها الجزائر في السنوات الخالية.
وعلى ما في هذه العودة من إيجابيات وجب تثمينها، إلا أنها تحمل معها سيلا من بقايا تاريخ صدامي لا نريد له البقاء؛ بل ندعو الشباب الذي ليست له علاقة بذلك التاريخ الصدامي، أن يتجاوزه بالعمل انطلاقا من الواقع الذي يعيش، مهتديا بالقيادات الرشيدة التي تضيف له في دينه، أكثر مما تشده إلى الأرض بتسفيه زيد وتجريم عمرو.
إن واقع الجمعية بكل أسف، لا يزال مرتبكا بسبب تلك العقليات البائدة، فمن قائل إن الجمعية استفرد بها جماعة حمس، ومن قائل لا بل تيار البناء الخضاري، وثالث يرى أن التيار السلفي هو المهيمن عليها... وربما رآى آخر أن الجمعية الآن بيد السلطة لتمتص بها التيار الإسلامي، وما ساءني أكثر من كل ذلك أن بعض أعوان الأمن في بعض الولايات يصنفون شعب الجمعية حسب ماضي أفرادها، فيقال هذه الشعبة نهضة وهذه فيس وهذه جزأرة وهذه حماس... رغم أن المؤسسة هي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهذه الصيغة في تسمية الشعب بألقاب أخرى غير التسمية الرسمية، الجمعية بريئة منها ولا نتحمل مسؤوليتها؛ لأننا نعتقد في المنتسبين للجمعية انهم انتسبوا إليها عن قناعة لخدمة الجزائر من خلالها، حتى ولو كانت لهم قناعات أخرى من قبل، وإذا كان من بينهم من له غير هذه القناعة فإن الأيام كفيلة بفضحه. إن الدعوة إلى الله تَرْكَب ولا تُرْكب؛ لأن طبيعتها تبحث عمن يحملها لا عمن تحمله، ومن ركبها فإنها ستلقي به يوما في مزبلة التاريخ، وكما قال الشيخ عبد الحليم قابة، إن جمعية العلماء كالماء الطهور، والماء "إذا بلغ القلتين لا يحمل الخبث".
وحماية هذه الجمعية المباركة اليوم لتقوم بواجبها الكامل يكمن فيها هي وفي مبادئها وفي أساليب عملها، والمؤهلون للقيام بواجب الحماية هذا هم أصحاب الفضل وأهل التقوى ومنهم الشباب على وجه الخصوص، الذين يطاردهم اليأس والأبائية المفرطة والاستبدادات الفوقية المتعددة الجهات.
وعليه فإنني أدعو كل الذين لهم غيرة على جمعية العلماء بأن ينفضوا عنها غبار التصنيفات والانتهازية، التي تختزل جمعية العلماء في قسم لتحفيظ القرآن أو دروس للتقوية أو الحصول على اعتماد لمقابلة المسؤولين أو للانتقام من زيد أو عمرو.
إن الذين أسسوا جمعية العلماء لا وجود لهم اليوم، والذين تتلمذوا عليهم ربما لم يبق منهم أحد والذين تتلمذوا على تلاميذهم في طريقهم للإنقراض؛ بل إن الذين جاؤوا من بعدهم كذلك. ولم يبق من المعول عليه اليوم إلا الشباب لاعتبارات عديدة.. منها انهم تسلموا قيما وجب عليهم المحافظة عليها بعيدا عن كل اعتبار، يملكون من الطاقة ما يؤهلهم لذلك وأخيرا الحاضر حاضرهم مع غيرهم اما المستقبل فمستقبلهم وحدهم، إن فعلوا خيرا حصدوه وإن فعلوا غير ذلك لا قدر الله تمكن منهم، وانتقم شر انتقام.