في ذكرى الأخ سليم كلالشة
بقلم: محمد الهادي الحسني-
يعرف الإنسان في خلال مسيرة حياته أناسيَ كثيرا، ويعرف من مخالطته لهم ومخالطتهم له معدن كل واحد، فيتبين له الطيب من الخبيث، والصالح من الطالح، فينجذب إلى من هو على شاكلته من الهدى أو الضلال، فتحتفظ ذاكرته بمن تآلفت روحه مع أرواحهم إن خيرا أو شرا.
وممن قدّر الله – عز وجل – لي أن أعرفهم، ولم تستطع الأيام بحلوها ومرّها إنساءهم، أو إضعاف علاقتي بهم شاب وسيم اسمه كلالشة سليم.
عرفته في السنة الأولى من التعليم الجامعي، وكنت معجبا بنشاطه وحيويته ونضاله ضد الطلبة المنحرفين عن الدين الإسلامي عقيدة، وعبادة، وخلقا، وكانت الجامعة آنذاك وكرا للأفكار المنحرفة أو “النايالم الفكري” كما سماه الأستاذ محمد جلال كشك..
كان سليم كلالشة من نظموا على رأس أسبوع للقرآن الكريم في المدرسة العليا للأساتذة “محمد البشير الإبراهيمي” في القبّة، وذلك ردا على ما قام به “مرضى العقول والقلوب” من عبث بالمصاحف في مسجد الطلبة. وممن تحملوا نفقات دعوة وإقامة الدكتور بشير التركي التونسي، العالم في الذرة، الذي كان يصدر مجلة قيمة اسمها “العلم والإيمان”، وصاحب كتاب “لله العلم”، ومازلت احتفظ بنسخة الأخ سليم الذي أرجو أن يكون قد أتى الله بقلب سليم، وقد أشاد الأستاذ مالك بن نبي بما فعله الأخ سليم، ومما قاله: “هذه هي “الفعالية” التي أدعوكم إليها”، وكان ذلك في ربيع عام 1974.
من الأساتذة الذين كانوا يدرسوننا في قسم التاريخ أستاذ من السودان اسمه سليمان أيوب، الذي كان يدرّسنا مادة “الحضارة الفرعونية”، وكان “دارويني المذهب”، ويقدّس داروينه كما يقدس المؤمن إلهه، وكانت اللازمة التي تتردد على لسانه هي “كان أجدادنا القردة…”.
في أحد الأيام قال لي الأخ سليم ما معناه: “سأقطع لسان هذا الدّارويني”.. وأشفقت على الأخ سليم، لأن الأستاذ كان ضليعا في “داروينيّته” كما كان ضليعا في “فرعونيته”.
استعد الأخ سليم وأعد “أسلحته” الفكرية، فقرأ كتبا كثيرة عن الداروينية، وذات يوم بدأ دكتورنا يردد لازمته، فإذا بصوت الأخ سليم يرتفع قائلا: “أجدادك وحدك يا أستاذ”، ثم راح يرد على دعاوى داروين الضالة بما قاله علماء من الغرب نفسه.. كنا نتوقع رد فعل قويا من الأستاذ ضد الأخ سليم، فإذا به يتصرف تصرفا عقد ألسنتنا وعلّمنا “عمليا” معنى “الأستاذية”.
قال الأستاذ: أشكر الطالب على شجاعته الأدبية، وعلى “غزارة علمه”.. ووالله ما سمعنا منذ ذلك اليوم كلمة “داروين” على لسان أستاذنا سليمان أيوب.. رحمه الله وغفراه إن كان من عالم الأموات.
لو أراد الأخ سليم أن يكون “زعيما” دينيا لما سبقه من صاروا “زعماء”ّ الحركة الإسلامية، ولكن سليما سلمه الله من أمراض “الزعامة”، فعاش ما عاش مخلصا لدينه داعيا له، محبا لوطنه، بارا بوالدته، وفيا لخلانه، حتى لقي ربه في 4 سبتمبر سنة 1989، فرحمك الله يا سليم، وأنزل عليك شآبيب رحمته.