الصّدّيق سعدي وقصائده في المولد النبوي الشريف

بقلم: عثمان سعدي- وُلد الشيخ الصديق سعدي في مدينة تبسة، وتوفي في مدينة الجزائر، عاش بين الجزائر ومصر. حفظ القرآن الكريم في مسجد صغير، ثم التحق بالمدرسة النظامية حتى حصل على الشهادة الابتدائية الفرنسية، ثم قصد الجريد التونسي حيث عكف على القرآن الكريم ودرس التفسير والفقه والأصول، والنحو والصرف، ثم التحق بجامع الزيتونة حتى حصل على شهادة التطويع 1932، وبعدها قصد مصر، والتحق بكلية الآداب، وحصل على شهادة الليسانس، وكان – في الوقت نفسه – يعمل مدرساً للغة الفرنسية في المدارس الثانوية. زرته في شقته سنة 1953 عندما كنت طالبا بجامعة القاهرة ، كان يقيم بحي الجيزة، في شقة جد متواضعة. كان يعيش حياة راهب يطبخ بيده أكله، ويغسل بيده ملابسه، ولا يغادر شقته المتواضعة إلا إلى المدرسة، أو إلى المسجد. ويوفر من مرتبه المتواضع مبلغا يرسله إلى والدته بمدينة تبسة ، كانت مشاعر غامضة تنتابني وأنا في جلسة الشيخ الصدّيق، فأجد فيه الإنسان الذي ينشد الحرمان ويجد فيه متعة، قال له مرة:

ـــ يا أستاذي العزيز، إنك تحمّل نفسك أكثر مما تطيق، إن أخاك ميسور الحال في تبسة، وهو في غنى عن دريهماتك القليلة التي أنت في أمس الحاجة إليها. ــــ يا ابني عثمان، أنا أرسل لوالدتي، فواجبي أن أوفر لها على الأقل نصف النفقة، والنصف الآخر يقوم به أخي. ــــ أؤكد لك أنها ليست في حاجة لك. أتدري أنها تتصور أنك تسكن في قصر من هذه القصور التي تشاهدها في الأفلام المصرية. ولو شاهدت هذه الشقة لأعادت لك دراهمك. وانفجر الشيخ ضاحكا وهو يقول: ـــ إذن هي تتصور أنني أسكن في قصور الأفلام، قصور [استوديو النحاس]، مسكينة والدتي، دعها يا ابني عثمان تعيش بهذا الحلم، حلم إقامة ابنها في قصر من قصور ألف ليلة وليلة. ثم سكت وراح يتأمل واجما، وفجأة صاح في: ــــ قف معي، ساعدني في إعداد سلطة، لقد أعدت لنا عدسا لم يأكله هارون الرشيد نفسه. ــــ بكل تأكيد، إن هارون الرشيد لم يأكل في حياته العدس المصري. كان للشيخ الصدّيق روح مرحة، وموهبة في صياغة النكت ببداهة البدوي، وكنت أجد متعة في قضاء ساعات من مساء كل يوم خميس معه رفقة بعض رفاقه. وقد تعلم منه كيف يتغلب الإنسان على فقره ويهزمه، ويكيف حياته وفق الدريهمات التي يجنيها كمعلم في ثانوية بمصر . بعد الاستقلال عاد للجزائر ، وفي عام 1963 شغل منصب الأمين العام لوزارة الأوقاف، ثم تولى رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى عند تأسيسه. عاد به الحنين إلى دور المعلم، فالتحق بالجامعة الجزائرية أستاذًا للدراسات العليا – للترجمة، وظل فيه حتى رحيله، هذا وقد انتسب إلى جمعية العلماءالمسلمين الجزائريين ، كما كان عضواً بجبهة التحرير الوطني. الإنتاج الشعري: ليس له ديوان مجموع أو مطبوع، ولأنه كان عازفاً عن الشهرة، تحركت حياته بين مواقع مختلفة، لم يهتم بالنشر الصحفي، وما بقي من شعره هو ما جاء في أثناء الدراسات المكتوبة عن حياته وفنه. على الرغم من التزامه بالقصيدة العمودية فإن روحاً رومانسية حالمة تسري في شعره، وعاطفة صادقة جياشة تبدو واضحة من خلال لغته الهامسة الموحية، التي أبدعت في تصوير خلجات نفسه، والتعبير عن مشاعر الغربة واليأس والإحساس بالظلم، والحنين الجارف إلى الوطن الجريح التي كانت تعتمل في أعماقه، فأسقطها على واقعه من حوله، واستدعى المناسبات والمظاهر الطبيعية لتتحد مع تجربته الشعورية، وتتفاعل مع وجدانه في نغم حزين. تعود أن يكتب قصيدة في كل مولد نبوي شريف ، ونستعرض أبياتا من قصيدة له عنوانها:

يا محمد تعودت أن القاك في كل مولــد أسوق إليك القول من خالص الشعر دأبت على ذكراك عشرين حجة أردد شدوي في الجزائر أو مصر أحبك ألوانا من الحب جمـــــة هي الذخر للفنان في عالم الشـــرّ أحبك حبّ الحر يا سيد الــــورى وأستلهم الأمثال من شيمك الغر أحبك حبي للوجود فأنتمـــــــا حبيباي لا أسلوكما أبد الدهــــر أحبك ملء العين والقلب والنهى فإنك هدبي والرقيب على أمري الخلاصة:عندما توفي حضر أبناء أخته من تبسة أخذوا كل مكتبته ، له مؤلفات مخطوطة، وديوان شعر. حاولت الاتصال بهم لنشر كتبه لكن دون جدوى . فمن يطلع على هذا المقال ويفيدنا له الشكر.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.