نظرة الشيخين ابن باديس والإبراهيمي -رحمهما الله- للمولد النبوي الشريف
جمع وترتيب: حمزة مزوز-
مولد محمد صلى الله عليه وسلم محطة خالدة في تاريخ البشرية، تحيي ذكراها الأمة إسلامية كل سنة لتتذكر فيها أكمل إنسان بما تحمله كلمة الإنسانية من معنى، أشرف الخلق وأفضلهم وسيد المرسلين وخاتمهم..ليلة نحتفل فيها بكل هذه المعاني للعبرة وللعظة وللذكرى.. { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }.. ليس لغير ذلك، وفق رؤية شرعية واضحة حددها لنا علماؤنا –علماء الجزائر الحبيبة بل علماء المغرب العربي بل علماء الأمة الإسلامية قاطبة- علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعلى رأسهم الشيخين ابن باديس والإبراهيمي رحم الله الجميع، وقد جمعت ما يسر الله تعالى لي من أقوالهما وآثارهما في المعاني التي تحملها هاته الذكرى وشروعية الاحتفال وضوابطه والغاية من ذلك...
حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف :
اختلف الفقهاء قديما وحديثا في حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هل هو مشروع أم لا؟ ولكل حجته ودليله..وسيذكر الإبراهيمي رحمه الله تعالى لنا رأيه وحجته في ذلك، مقررا الاختلاف الحاصل في المسألة واصفا إياه بالفارغ واللهو ومضيعة الوقت بقوله: ».. يختلف الفقهاء في هذه الحفلات المولدية وهل هي مشروعة أو غير مشروعة؟... ويطيلون الكلام في ذلك بما حاصله الفراغ والتلهي وقطع الوقت بما لا طائل فيه«... ونجده يبين رأيه وموقفه بقوله: »..نجيز إقام هذه الاحتفالات..«، بل يذهب إلى أكثر من ذلك في قوله بعد بيان حكمه في جواز الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف: »ونعدها مواسم تربية ودروس هداية ..« ونجده في موضع آخر يدعو إلى ذلك قائلا: » أحيوا هذه الذكريات في نفوسكم ونفوس أبنائكم وبناتكم«.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف للشيخين:
يقول الإبراهيمي رحمه الله تعالى في حكم الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف: »...نجيز إقام هذه الاحتفالات ونعدها مواسم تربية ودروس هداية«.
ويقول أيضا داعيا إلى ذلك: » أحيوا هذه الذكريات في نفوسكم ونفوس أبنائكم وبناتكم«.
أما الشيخ ابن باديس فيقول: »فلنجعل يوم ولادته من كل عام يوما نعزم فيه على تجديدنا...«
موقفه من الاختلاف الفقهي يف ذلك:
يصف الإبراهيمي الاختلاف الحاصل في المسألة بالفارغ واللهو ومضيعة الوقت بقوله: ».. يختلف الفقهاء في هذه الحفلات المولدية وهل هي مشروعة أو غير مشروعة؟... ويطيلون الكلام في ذلك بما حاصله الفراغ والتلهي وقطع الوقت بما لا طائل فيه...«.
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف؟
ينظر الإبراهيمي لذكرى المولد النبوي الشريف على أنها فرصة للتذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم وفضله وشمائله، وتذكير بالمعاني الكبرى للإسلام، فيقول: »والحق الذي تخطاه الفريقان أنها ذكرى للغافلين وإنما لم يفعلها السلف الصالح لأنهم كانوا متذكرين بقوة دينهم وطبيعة قربهم، وعمارة أوقاتهم بالصالحات... أما في هذه الأزمنة المتأخرة التي رانت فيها الغفلة على القلوب واستولت عليها القسوة من طول الأمد واحتاج فيها المسلمون إلى المنبهات، فمن الحكمة والسداد أن يرجع المسلمون إلى تاريخهم يستنيرون عبره، وإلى نبيهم يدرسون سيره، وإلى قرآنهم يستجلون حقائقه، وإن من خير المنبهات مولد محمد - صلى الله عليه وسلم- لو فهمناه بتلك المعاني الجليلة«، ويقول أيضا مصوبا مبالغة بعض الغلاة الانتهازيين لهذه الذكرى: » أما -عن -الحكم الشرعي فنحن لا نقر ذلك الاستحسان الذي يبالغ فيه بعض -من- ..يجعلون من حب المولود العظيم عذرا في ارتكاب بدع المولد، ومسوغا لأعمال الملوك الذين لا غاية لهم من تلك الموالد إلا الدعاية لأنفسهم...ولو أنهم جعلوا تلك الاحتفالات ذرائع لإصلاح حال الأمة، وحملها على الرجوع إلى السنن النبوية، والاهتداء بالهدي المحمدي، لكان لفعلهم محمل سديد وأثر حميد..« ثم يعلل جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بقوله: »لأن الأمور بمقاصدها« ويشرح ذلك في قوله: »إحياء ذكرى المولد النبوي إحياء لمعاني النبوة، وتذكير بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هدى وما كان عليه أن من كمالات نفسية، فعلى المتكلمين في هذه الذكرى أن يذكروا المسلمين بما كان عليه نبيهم من خلق عظيم وبما كان لدينهم من استعلاء بتلك الأخلاق، لهذه الناحية نجيز إقام هذه الاحتفالات ونعدها مواسم تربية ودروس هداية« أما عن الذين لا يجيزون ذلك فقد قال الإبراهيمي عنهم: »والقائلون ببدعيتها إنما تمثلوها في الناحية الميتة من قصص المولد الشائعة«.
كيف نحتفل بذكرى المولد؟
وفي موضع آخر يذكر الإبراهيمي هؤلاء بالكيفية المحمودة والطريقة المشروعة في الاحتفال بقوله: »..ونحتفل بالمولد على طريقة غير تلك الطريقة وبأسلوب غير ذلك الأسلوب فنجلي فيه السيرة النبوية والأخلاق المحمدية، ونكشف عما فيها من السر، ومالها من الأثر في إصلاحنا إذا اتبعناها، وفي هلاكنا إذا أعرضنا عنها، ففي احتفالاتنا تجديد للصلة بنبينا في الجهات التي هو بها نبينا ونحن أمته«.
أما الشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى فإنه أجاب عن تساؤلات الكثيرين بإجابة دقيقة بليغة، حينما تساءل بلسان حالهم في قوله: »ما الداعي إلى إحياء هذه الذكرى؟« وأجاب بلغة المؤمن المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: »المحبة في صاحبها«، لتكون دليلا كل محتفل بهذه الذكرى، ثم قال: »...فمن الحق والواجب أن يكون هذا النبي الكريم أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا ومن الناس أجمعين، ولو لم يقل لنا في حديثه الشريف: »لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين« وكم فينا من يحبه هذه المحبة ولم يسمع بهذا الحديث؟ فهذه المحبة تدعونا إلى تجديد ذكرى مولده في كل عام« ... ولعل التساؤل يبقى مستمرا عن الغاية من تجديد هذه الذكرى؟ نعم ...هاك جواب الشيخ ابن باديس:
الغاية من تجديد الذكرى: استثمار هذه المحبة، إن محبتنا فيه تجعلنا نحب كل خلق من أخلاقه وكل عمل ومن أعماله، ففي ذكريات مولده نذكر من أخلاقه من أعماله ما يزيدنا فيه محبة ويحملنا على الاقتداء به فنستثمر تلك المحبة بالهداية في أنفسنا، ونشرها في غيرنا، تلك الهداية التي لا يسعد العالم سعادة حقة إلا إذا تمسك بها«.
الفرح والسرور بذكرى المولد:
يقر الشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى ما اعتاد عليه المسلمون في الجزائر وكل البلاد الإسلامية، من إظهار الفرح والابتهاج والغبطة والسرور وإقامة الولائم والموائد احتفاء واحتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف، وذلك حينما قال: »في هذا الشهر الكريم يهتز العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها فرحا وسرورا وتتعدد احتفالاته وتتنوع ولائمه طربا وحبورا، ذلك لإحياء ذكرى النبي الأعظم والرسول الأكرم سيدنا ومولانا محمد عليه وآله الصلاة والسلام«.
الغضب والنفور لمن ينكر الاحتفال بذكرى المولد:
لقد تسربت أفكار طفيلية ونوايا حاقدة في مجتمعنا من بعض أبناء جلدتنا وأعداء الإسلام، تنكر على محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحتفال والفرح بهذه المناسبة العظيمة، التي حق فيها أن تفرح وتتذكرها بالخير والثناء البشرية كلها لوقع أثرها النبيل والراقي عليها، قال الشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى معاتبا ومشددا على هؤلاء باسم الجمعية وعلماء الجزائر فيها: »إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحتج بكل شدة وبالنيابة عن كافة المسلمين ضد منع الاحتفالات...التي نوى إقامتها -المسلمون- بمناسبة موسم المولد النبوي الشريف، وتعتبر هذا المنع اعتداءا فادحا على الحرية الدينية ..«.
المصادر:
الجزء 03 و04 من آثار الشيخ البشير الإبراهيمي
الجزء 03 من آثار الشيخ عبد الحميد بن باديس
محزة مزوز: المكلف بلجنة الشباب والطلبة –سطيف-