محمد البشير بن داود علوي (1987-1905)
عبد القادر بومعزة

محمد البشير بن داود علوي (1987-1905)

بقلم: د.بومعزة عبد القادر -

تزخر الجزائر بأعلام كان لهم أثر في واقعهم الغابر، وكان لهم أثر من بعد ذلك في العصور اللاحقة، إلا أن الذين خلفوا لا يعلمون عن الذين سلفوا إلا قليلا، وواقع ذلك من العامة ومن غير المختصين وربما كان من ذوي الاختصاص كذلك…

إن الشيخ محمد البشير بن داود علوي أحد أعلام الجزائر، لم ينل حظه من الدراسة والتأليف في شخصيته و التعريف بجهوده في النشاط الإصلاحي مع أنه كان في زمانه القريب العهد، كالبدر الطالع، والضوء اللامع، وما كان لهذا البدر المنير أن ينخسف، ولا لهذا الضوء الساطع أن ينكسف، بما خلد الله له من لسان صدق في الآخرين و ذكر حسن عند العلماء العارفين .

حياته
محمد البشير بن داود علوي، من مواليد بلدية طولقة التابعة لولاية بسكرة سنة 1905م، وفيها شب وترعرع، وتلقى تربيته وتعليمه، ثم انتسب لزاوية الشيخ علي بن عمر (العثمانية)، هذه الزاوية لها مكانة وقيمة معتبرة إذ فضلها في المحافظة على الدين و ذلك بتحفيظ القرآن الكريم الذي اشتهرت به و تلقين المبادئ العلمية المفيدة من فقه و توحيد و نحو وصرف وغير ذلك معروف ومشهور عند الناس في جميع نواحي القطر الجزائري، فكم من طالب حفظ القرآن بها، وكم من عالم من علماء الجزائر أخذ العلم بها، و يكفيها مجدا أنها حافظت على القرآن الكريم في أحلك الظروف وأسوئها.
في هذا الجو العطر حفظ الشيخ محمد البشير بن داود كتاب الله العزيز في الزاوية وبها أتقن المبادئ العلمية الصحيحة، ثم تاقت نفسه إلى التتلمذ على الإمام المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس، طّيب الله ثراه فانتقل إلى قسنطينة لينخرط في سلك طلبة الشيخ الإمام حيث لازمه مدة طويلة أهلته إلى تونس للدراسة في جامع الزيتونة المعمور. فيتخرج بشهادة التحصيل ويعود إلى مسقط رأسه سنة 1926م ليساهم مع إخوانه الإصلاحيين في توجيه وتهذيب المجتمع ولينفع بعلمه أبناء بلده.
كان المترجم له على اتصال دائم بالعلماء العاملين في ميادين الإصلاح والتدريس وقد شاركهم في نشاطاتهم المختلفة واستفاد منهم، كما كان خلال هذه الفترة من العاملين ضمن حركة النهضة الإصلاحية التي كانت تقودها يومئذ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فتعرف على زعمائها الأفذاذ : الطيب العقبي – و البشير الإبراهيمي وعبد الحميد بن باديس والسعيد الصالحي وغيرهم، فكان رحمه الله من المدافعين والمتبعين لفكرة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن المتحمسين لنشر اللغة العربية والإسلام في الجزائر زمن الاستعمار الفرنسي.
فاتصل بالإمام عبد الحميد بن باديس في قسنطينة وعيّن كاتبا خاصا به.
لجنة الأدب
في شهر رجب 1355هـ الموافق لـ 1936م تأسست أربع لجان فرعية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وهي: لجنة الأدب – لجنة الدعاية – لجنة التعليم ولجنة الإصلاح الاجتماعي فكان الشيخ محمد البشير عضوا في لجنة الأدب والمتكونة من المشايخ:
بورنان الميلي (رئيسا) – محمد العيد حم علي ( نائبه) – فرحات بن الدراجي (كاتب عام) –جلول البدوي ( نائبه) –أما الأعضاء فهم: الهادي السنوسي – حمزة بكوشة – السعيد الزاهري – زهير الزاهري – علي رحومة – علي المغربي – البشير بن داود– مفدي زكريا – مبارك بن جلواح.
هؤلاء الجنود هم الأعضاء العاملون ما بين مشايخ مدرسين على مشربها وأساتذة معلمين على منهاجها وخطباء منابر في نشر مبادئها، وشعراء لسن في إذاعة مفاخرها وكتاب بارعين في مختلف الأغراض، وإنك لتجد بينهم حملة الشهادتين الزيتونيتين وحملة الشهادات الأزهرية وكثيرا من المتخرجين على الأستاذ عبد الحميد بن باديس وغيرهم من العصاميين في العلم.
وبالإضافة إلى نشاطه الإصلاحي الذي استمر عدة سنوات، فقد تعرض الشيخ خلال حرب التحرير للسجن والنفي والتعذيب ككل أبناء الجزائر الأحرار.
في سنة 1956 زج به في محتشد الجرف الذي يقع شرق مدينة المسيلة على نحو مسافة 85 كلم ببلدية الجرف دائرة أولاد دراج ولاية المسيلة حاليا، بهذا المعتقل عانى المعتقلون الأمرين، مرارة الحرارة الشديدة ولسع العقارب، ومرارة التعسف الإداري، فمكث فيه مدة عامين ونصف.
ففي هذا المحتشد قامت الفئات المتعلمة من الجزائريين في هذه المراكز بتعليم الأميين، وكان انتصارا كبيرا للثورة التحريرية في تثقيف أعداد كبيرة من المسجونين والمعتقلين وكان لهذا الجانب دور أساسي في القضاء نسبيا على الأمية ومن بین أعضاء هذه اللجنة الشیخ الأستاذ محمد الشبوكي صاحب النشید الثوري الوطني المشهور:
جزائرنا یا بلاد الجدود نهضنا نحطم عنك القیود
وحیحي المكي الأستاذ من أوائل مجاهدي الولایة الأولى والذي كان یدرس بثانویة قسنطینة والشيخ نعيم النعيمي وغيرهم.
ثم نفي إلى مدينة سطيف وبقي هناك إلى غاية الاستقلال.
في عهد الاستقلال رجع إلى مدينة بسكرة، فاشتغل بالتجارة، واعتزل الكتابة والصحافة.
وهكذا، وبعد حياة مليئة بالجد والعمل الصالح من أجل البلاد والعباد وافته المنية سنة 1987.
أثاره
للأديب الشيخ البشير بن داود علوي عدة مقالات نشرت في صحف جزائرية، كالنجاح، الشهاب والبصائر تعتبر مجهولة عند البعض، لمن يريد الكتابة عن هذا الأديب الذي يعد أحد رجال الإصلاح المخلصين الذين دافعوا عن الحركة الإصلاحية الإسلامية في الجزائر بصدق وإخلاص.
وكان العلامة عبد الحميد بن باديس يصفه بالكاتب الفنان والشاب الأديب وهو معروف في مقالاته التي ينشرها الشهاب له بهذا المنحى.
وقال فيه الدكتور محمد ناصر: “أديب مرهف الحس، رقيق الأسلوب، رومانسي النزعة، يكاد يكون متخصصا في وصف الطبيعة”.
من كتاباته المنشورة بجريدة البصائر هذا المقال بعنوان: (نهضة الإصلاح الديني وأثرها في النفوس) في العدد 3 من السلسلة الأولى بتاريخ 22 شوال 1354هـ/ 17 جانفي 1936م يقول فيه: “يتعجب البعض من قاصري الإفهام وعاطلي المدارك و ضعفاء الإرادة، الجاهلين بنواميس الكون و حال البشر من تلك الثورة النفسية والرجّة القلبية التي كانت ثمرة ذلك الجهاد العظيم والإنتاج الجسيم الذي قام به أفراد جمعية العلماء المسلمين”.
ومقال (الاعتقاد الخاص) في العدد 9 من السلسلة الأولى بتاريخ 5 ذي الحجة 1354هـ / 28 فيفري 1936م يقول فيه: “…..فالأمة التي تقف مكتوفة الأيدي حانية الرأس مستسلمة راضخة مستمعة لكل ما يلقى من قول وعمل دون أن يؤيده برهان عقلي ودليل قطعي، لا ريب أنها تزف أرفتها، وتحين ساعتها وتصبح لاحقة بتلك الأمم الخالية التي أبادها الزمان وعصف بها الحدثان، وسحب عليها ذيول النسيان….”
كما كتب في مجلة الشهاب من ذلك قصة قصيرة في شكل خاطرة رومانسية عنوانها (أزهار الربيع ) بالجزء الثالث، المجلد السادس، بتاريخ ذو القعدة 1348هـ /أفريل 1930م إضافة إلى مقالة أدبية أخرى حملت عنوان (نظرة في جمال الكون …النفس الشاعرة) نشرت في الجزء الثامن المجلد السادس بتاريخ ربيع الثاني 1349هـ /سبتمبر 1930م يقول فيه: “إن للناس في هذا الوجود ميولا و غرائز وكل تذهب نفسه إلى ما قدر لها في هذا الكون إلى غاية لا تدرك و تسير بفطرتها طبق النواميس الطبيعية بؤسا وشقاء، سعادة و هناء……”
ومقال (نظرة من خلال الستور …أيتها الإنسانية) بالجزء الخامس، المجلد السادس بتاريخ محرم 1349هـ / جوان 1930م يقول فيه: ” من أي طريق أتوصل إليك وبأي لغة أكلمك وبأي لسان أخاطبك؟ فكأنما أنت نور دقيق يشعر بك من وافاه نورك وإضاءة شعاعك …أو أنت روح من أرواح الملأ الأعلى يبعثك الله في أجساد طاهرة وقلوب نقية تنيرين ظلامهم وتذللين كل عقبة تقف في سبيلهم وتبددين سحب العراقيل المتلبدة في سماء حياتهم….”
كما للشيخ علوي البشير بن داود عدة مقالات نشرها في جريدة النجاح من ذلك هذا التشطير لبيتين من الشعر للشيخ محمد النجار بن الطاهر الحركاتي (1877/ 1947) وهما:
أيُّها الكاتبُ هل من نهضةٍ  ترفعُ الشَّعبَ لأعلى الرُّتَبِ
عمَّنا جهلٌ مُبيدٌ حالكٌ حارِبوهُ باللِّسانِ العربي
تشطير الشيخ محمد البشير بن داود علوي وقد نشر في جريدة النجاح العدد 331 بتاريخ 15 سبتمبر 1929.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.