زهور ونيسي الأديبة المجاهدة
بقلم: عبد الحميد عبدوس-
الأديبة الكبيرة السيدة زهور ونيسي من المجاهدات المثقفات الجزائريات، ومن رواد الكتابة الروائية باللغة العربية تنتمي إلى الجيل الذي ربته مدرسة ابن باديس الاصلاحية، فظلت طوال حياتها تعترف بجميل الإمام الراحل عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودوره الأساسي في بعث النهضة الجزائرية المعاصرة.
ولذلك خصت شخصية الإمام ابن باديس بأضخم وأهم كتبها تحت عنوان: «الإمام عبد الحميد بن باديس ونهضة الأمة.. قصة حياة». الصادرعن منشورات «الفا» الذي تحول إلى مسلسل تلفزيوني من سيناريو الأديب رابح ظريف، عرض في قنوات التلفزة الجزائرية. تقول السيدة ونيسي «إن ىالكتابة عن ابن باديس أرغمتها على قراءة أزيد من 600 كتاب ومخطوط ومؤلف تناول حياة الرجل، واعتمادا على عدد من المقابلات الحية أجرتها مع أقرباء الإمام منهم عبد الحق بن باديس أخو الإمام، وفوزية بن باديس ابنة أخي الإمام، والشيخ الراحل عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين السابق، وأكثر من ذلك مطالعة آلاف الصفحات على شبكة الانترنت فضلا عن تنقلها مرتين الى فرنسا خصيصا لذلك.
تعرفت على الأديبة والمجاهدة والسياسية السيدة زهور ونيسي في سبعينيات القرن الماضي في اتحاد الكتاب الجزائريين الذي كانت من بين مؤسسيه ومن أعضاء قيادته التنفيذية. كانت تبدي تشجيعها واهتمامها بالكتاب الشباب، فكانت تحظى بتقدير الكتاب الشباب بسبب ثراء موهبتها الأدبية ونبل معاملاتها الإنسانية.
في سنة 2007 طلب مني الصديق الصحفي والباحث والكاتب الجزائري يحي أبو زكريا المقيم في لبنان ومقدم برنامج «أ ل م» في قناة «الميادين» اللبنانية مساعدة الأديب والإعلامي والسياسي والباحث الفلسطيني المتميز نافذ أبو حسنة المدير التنفيذي لقناة «فلسطين اليوم» الذي قدم إلى الجزائر رفقة المخرج اللبناني الكبير رضا قشمر لإنجاز شريط وثائقي عن الثورة الجزائرية لقناة «المنار» التي كان الأستاذ نافد أبو حسنة يعمل فيها قبل أن ينتقل إلى قناتي «العالم» و«القدس» وكان دوري هو ربط الاتصال بين معدي الشريط الوثائقي، وبين عدد من الشخصيات التاريخية الهامة ونخبة من المؤرخين والمثقفين الجزائريين،ومن بين الشخصيات التي تم الاتصال بها الأديبة المجاهدة السيدة زهور ونيسي التي لبت الدعوة واستقبلتنا في بيتها بالقبة بكل حفاوة وكرم. استغرق التسجيل معها قرابة نصف يوم وأثرت الشريط بمساهمة قيمة كانت محل إعجاب الأستاذ نافذ أبو حسنة. بعد حوالي يومين من ذلك اتصل بي الأستاذ معد البرنامج بصوت وقال لي مفجوع مضطرب إن الشريط المسجل مع السيدة زهور ونيسي قد احترق، وطلب مني أن أطلب منها إن كانت موافقة على إعادة تسجيل الحصة، نزل علي الخبر كالصاعقة وبقيت لفترهة صامتا مصدوما ثم أجبته بعد تردد أنه من الصعب طلب ذلك من السيدة ونيسي، ومن المؤكد أنها لن تستسيغ الطلب لما فيه من إحراج ومشقة تحضير حصة تصوير تلفزيوني جديد، ومع حرارة الاعتذار والإلحاح الشديد للأستاذين نافذ أبو حسنة ورضا قشمر للحصول على مساهمة السيدة زهور ونيسي، جددت الاتصال بها طالبا منها إن كان بالإمكان إعادة تسجيل مساهمتها في الشريط الوثائثقي ولا أنسى طيبة موقفها ولطف تواضعها عندما أكدت لي أن نشر حقائق وأمجاد الثورة الجزائرية العظيمة هو دين في عنق المجاهدين.وتم إعادة تسجيل مساهمتها القيمة في الشريط الذي عرضته قناة النهار في سبعة أجزاء ونال إعجاب المشاهدين العرب.
ولدت في ديسمبر عام 1937 في مدينة قسنطينة. تعلمت القراءة والكتابة وحفظت القرآن الكريم في جمعية التربية والتعليم، إحدى المدارس التي أسسها الإمام عبد الحميد بن باديس بدأت رحلتها التعليمية، في فترة لم يكن من السهل على الآباء الجزائريين السماح لبناتهم بالدراسة، وكان ذلك ثمرة توجه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلى رأسها عبد الحميد بن باديس، الذي سن في مدارسِ الجمعية مجانيةَ التعليم للإناث، تقول الأديبة زهور ونيسي عن رائد النهضة الجزائرية: «ابن باديس شخصية ـ ربما أقول ـ إنها تفوق الكثير من شخصيات النهضة الإسلامية في العالم، وهو لا يقارن فقط بمحمد عبده الذي كان يعتمد في حركته على النخبة، بل كان بن باديس يعتمد في حركته على الشعب، وعندما بدأ يقول القصائد أول ما نادى به “شعب الجزائر مسلم”، فهذا الرجل الذي تنبأ بأنه يؤسس لجيل كبير سيخوض في يوم ما ثورة التحرير، لأننا نجد أن جبهة التحرير التحق بها معظم أساتذة وطلبة وتلاميذ المدارس الحرة، وهو ما لا ينكره التاريخ، ولذلك تنبأ بهذا الجيل القادم وعمل على تشكيله وتشبيعه بأفكار وطنية معينة، فعندما كان يدخل إلى المدرسة صباحا كانت تلميذاته ـ ولم أكن أنا منهم ـ لأنني لم أحضر حياته إلا وعمري 6 سنوات، كانت أختي الكبرى وزميلاتها يقفن عند ساحة المدرسة ويحيين الإمام الذي كان يطل عليهم من الشرفة بشعار الجزائر وطننا، العربية لغتنا والإسلام ديننا».
تعتز الأديبة زهور ونيسي بقيم عائلتها الإصلاحية المحافظة، فوالدها من تلاميذ جمعية العلماء المسلمين، وأحد أجدادها هو الشيخ المصلح حمدان الونيسي الذي درس الإمام ابن باديس. انقطعت عن الدراسة في العام 1956 بسبب إضراب الطلبة التحقت بسلك التعليم، كما انخرطت في العمل الثوري، ومن المدرسة نفذت مهماتها النضالية الأولى في جبهة التحرير، بتوزيع بيانات دعم الثورة، ومن بين الذكريات المتعلقة بعملها كمعلمة بحي المدنية بالمدرسة الحرة الصادقية التي كان يديرها زوج أختها، الذي كان حينها بسجن سركاجي، كانت المدرسة أيضا مركزا للفدائيين، حيث كانت تعلم اللغة العربية لبنات لم يكن يصغرنها كثيرا، وفيها زارها العالم والشهيد العربي التبسي الذي كان أيضا إماما بمسجد الهدى بحي بلكور وثمّن جهدها. بعد استعادة الاستقلال واصلت السيدة ونيسي دراستها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة الجزائرية ضمن فئة المجاهدين الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب ظروف الثورة. تحصلت على ليسانس في اللغة والأدب العربي.كما درست الفلسفة وعلم الاجتماع. مكنتها قوة شخصيتها وصلابة إرادتها وسعة طموحها من الوصول إلى مناصب قيادية في البلاد، فكانت أول جزائرية تتولى منصبا حكوميا في الجزائر المستقلة فكانت وزيرة للشؤون الاجتماعية في جانفي 1982، ثم وزيرة للحماية الاجتماعية في سنة 1984، فوزيرة للتربية الوطنية من 18 فيفري 1986 إلى سبتمبر 1987. شغلت أيضا منصب عضو بالمجلس الشعبي الوطني في الفترة من 1977 إلى 1982م، وعضو مجلس الأمة في ديسمبر 1997. إلى 2003. كما شاركت في تأسيس الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات سنة 1966 وكانت عضوا بأول هيئة تنفيذية لاتحاد الكتاب الجزائريين بعد إعادة تأسيسه سنة 1973 وأدارت مجلة «الجزائرية». لسان حال الاتحاد الوطنس للنساء الجزائريات من سنة 1970 إلى 1982… تحمل وسام الاستحقاق الوطني. ظلت شديدة التوقير والبر بأساتذتها الذين تعلمت عليهم ومنهم الشيوخ الراحلين عبد الرحمن شيبان وأحمد حماني والصادق حماني ونعيم النعيمي وغيرهم…
أصدرت السيدة زهور ونيسي عددا من الأعمال الأدبية والثقافية تراوحت مابين مجموعات قصصية، روايات، ودراسات وأعمال مسرحية. تزاوج السيدة ونيسي في انتاجها بين الفن القصصي والتوثيق التاريخي ولمحات السيرة الذاتية. وقد حرصت في أعمالها الأدبية على إبراز معاناة الشعب الجزائري، وعلى الأخص دور المرأة الجزائرية ومساهمتها الفعالة في الثورة الجزائرية وحبها للوطن، وذلك ما يتجلى في مجموعتها القصصية الأولى بعنوان «الرصيف النائم» التي صدرت في سنة (1967)، وفي مجموعتها القصصية الثانية التي صدرت في سنة 1974 تحت عنوان: «على الشاطئ الآخر» ثم في مجموعتها القصصية الثالثة التي صدرت في سنة 1982بعنوان: «الظلال الممتدة».
أما عملها الروائي الأول فقد صدر سنة 1978 تحت عنوان: «من يوميات مدرسة حرة» وقد اعتبرها النقاد سيرة ذاتية قدمت من خلالها الكاتبة مرحلة من مراحل حياتها كمدرسة في قالب روائي يهدف بالأساس الى توثيق مرحلة مهمة في الحياة، وفي سنة 1994 صدرت الرواية الثانية للأديبة زهور ونيسي تحت عنوان: «لونجة والغول» التي صنفت ضمن أفضل 100 رواية عربية. أما روايتها الثالثة فقد صدرت في سنة 2007 بمناسبة تظاهرة (الجزائر عاصمة الثقافة العربية) تحت عنوان: «جسر للبوح وآخر للحنين» وهي أنشودة لمدينة قسنطينة التي تعتبرها الكاتبة رمزا لكل المدن الجزائرية من خلال محتواها الثقافي، وكتبت الأديبة زهور ونيسي مذكراتها تحت عنوان «عبر الزهور والأشواك، مسار امرأة» في 500 صفحة وصدرت عن دار القصبة سنة 2012. أما كتاب «همسات المساء» فقد صدر في سنة 2015 وقالت عنه الأديبة ونيسي: «أنها تجربة كاتبة مبدعة في مرحلة الشيخوخة، وقفة تأمل حول المجتمع الثابت فيه والمتغير، نظرة مشبّعة بتجربة عمر…».