شادلي عبد الغني 1947-1905
بقلم: د. عبد القادر بومعزة-
قَلَّ بين أبناء سيدي عقبة اليوم من يذكر الشيخ شادلي عبد الغني ولا يذكر أعماله الخالدة خلود الدهر ولا يعرف له المقام السامي والرتبة العالية في عالم الكتابة والشعر. ناهيك برجل قضى زهرة حياته في البحث والتنقيب وصرف كامل عمره وشرخ شبابه في المطالعة والدراسة والكتابة في كل موضوع.
مولده وتعلمه
هو: شادلي عبد الغني بن محمد بن برابح بن مسعود بن جاب الله، تعود جذوره العائلية إلى الأشراف أحلاف لقبيلة أولاد عمر (العقبية) وهم أخوة مع عائلة أولاد البحري وأبناء عمومة لعائلة شاذلي الشاذلي (شيخ الزاوية القادرية ببسكرة).
أما مولده فقد كان بسيدي عقبة يوم الاثنين 4 ربيع الأول 1323ه الموافق لـ 08 ماي 1905م.
لقد تربى الشيخ في بيت علم ودين، لذا كان مشغوفًا بالدراسة حريصًا على التحصيل.
وبمسقط رأسه نشأ وتربى فحفظ القرآن الكريم على شيوخها الأجلاء وهو خريج جامع الفاتح عقبة ولا سواه أيام كان عامرا بالعلم والعلماء وقد امتاز الشيخ عبد الغني بين طلاب الجامع بالذكاء النادر والنبوغ المبكر..
كان الشيخ رحمه الله حادَّ الذهن، ذكيًّا نبيهًا فَطِنًا، فصيح اللفظ سريع الحفظ، اشتغل بالعلم منذ نعومة أظفاره، فطلبه صغيرًا، وامتطى صهوته يافعًا، حفِظ القرآن عن ظهر قلب قبل سن العاشرة – والقرآن يهدي للتي هي أقوم – وتعلَّم كثيرًا من الفنون، وحفِظ بعضًا من المتون، وكان محبًّا للقراءة والاطِّلاع، فحاز قصب السبق في العلوم الشرعية، ونال سمو المكانة وشرف المنصب، وبوَّأه الله منزلة علمية عالية.
أما شيوخه
فقد تلقى العلمَ على مجموعة كبيرة من العلماء أجلاء منهم:
الشيخ البشير بن الصادق (1844-1928) وهو أول من قرأ عليه وكان الشيخ عبد الغني شادلي يصف شيخه بحفظه للحديث، ويتحدث عن ورعه ومحبته للفقراء مع حاجته ومواساتهم، وهو أكثر من قرأ عليه الشيخ عبد الغني ولازمه ملازمة تامة حتى توفي رحمه الله، ومن مشايخه الشيخ محمد صالح بن منصور (1882- 1952)، قرأ عليه في الفقه وعلوم العربية وغيرهما، ومنهم الشيخ عبد الباقي بن مُحمّد بن سالم بن العربي (1851 – 1926) قرأ عليه في التوحيد والتفسير والفقه أصوله وفروعه وعلوم العربية، ومنهم الشيخ الشيخ علي بن إبراهيم الشريف العقبي (1868- 1921)، ومنهم الشيخ الهاشمي بن المبارك (1882-1967)، ومنهم عليّ بن عثمان بن خلف الله الشّريف (1889 – 1971) قرأ عليه الحديث، وأخذ عنه الأمهات الست وغيرها وأجازه في ذلك ومنهم عبد الحفيظ زبدي الدّريدي (1890 -1975) قرأ عليه المؤلف التفسير والحديث وعلوم العربية، كالنحو والصرف ونحوهما.
درس على جميعهم بطريقة التعليم المسجدي السالف المعهود في رحاب مسجد عقبة بن نافع.
طمحت نفسه إلى الشعر والأدب فضرب بسهم وافر فيهما فقرض الشعر وكتب النصوص وتدرب على أساليب الدعوة والإرشاد وفنون الخطابة والمحاضرة.
وقد وفق الشيخ شادلي عبد الغني وبرز لاسيما في علوم اللغة والبلاغة واشتهر بقرض الشعر وإنشاء القصائد في المناسبات.
رحلاته العلمية
كان مولعا بالعلم، متعطشا له، لذا سعى في طلبه والحصول عليه في الكثير من المناطق.
غادر عبد الغني بن رابح وهو في الواحد والعشرين من عمره بلدة سيدي عقبة، وكان ذلك سنة 1926، وكانت غايته طلب العلم، فقصد تونس، والتحق بجامع الزَيتونة وفيها تتلمذ على عدة مشايخ غير متقيد بالنظام الداخلي، ولكنه لم يمكث فيه كثيرا، حيث لـم يجد بغيته فيه، فانقطع عنه.
نشاطه وتعليمه
عاد الشيخ عبد الغني إلى مسقط رأسه سنة 1929 وتصدر لتعليم الناشئة في الكتاتيب بسيدي عقبة واقتداء بشيوخه تطوع لطلاب العلم في الجامع بتقديم دروس في البلاغة معتمدا كتاب (جواهر البلاغة) وفي النحو (ألفية ابن مالك) وفي الأدب والشعر نصوصا مختارة وقد جلس أمامه من طلبة العلم من كان يكبره سنا فهم في حلقة الدرس تلاميذه.
انضمامه إلى جماعة المصلحين والتفافه حول زعيمهم:
كانت بسكرة – كغيرها- من مدن القطر وقراه – ظهرت بها حركة فكرية ثقافية يمثلها ثلة من الأدباء، وطلاب العلم من أمثال الشيخ احمد بن العابد العقبي الذي أصدر سنة 1925 جريدة الصحراء في نفس السنة أصدر الشيخ محمد السعيد الزاهري جريدة الجزائر وكان لعودة الشيخ الطيب العقبي في العشرين من المشرق العربي صداها بين النخبة، كما كان لانتقال الشيخ محمد خير الدين إلى بسكرة – من فرفار – الذي صادف قدوم الدكتور محمد الشريف سعدان إليها – من ضواحي عنابة – وفي سنة 1927 أصدر الطيب العقبي جريدته الإصلاح.
وقد أثرى أبو القاسم الخمار وأحمد مكي الجنيدي هذه الفترة بالمساجلات الأدبية والمطارحات الشعرية والمساهمة في إثراء الأدب الجزائري ثم انضم إليهم بعد ذلك الشاعر محمد العيد آل خليفة والكاتب الشاعر محمد الهادي السنوسي، فصحّ أن يقال أن بسكرة حظيت به ما لم تحظ به أي مدينة أخرى.
اتصل الشيخ عبد الغني بالدائرة الفكرية التي بدأ يتسع نطاقها في بسكرة وضواحيها تحت قيادة الداعية الكبير الشيخ الطيب العقبي، فتكونت جماعة إصلاحية في بلدة (سيدي عقبة) تأثرت بالدعاية الجريئة التي بثها العلامة العقبي في المنطقة وكان ضمنها صاحب الترجمة وغيره من الشيوخ والشباب الناهض والسادة الأفاضل.
كتب أحد الكتاب من أنصار الطرق والبدع مقالا مطولا في حق هذه الجماعة بجريدة النجاح العدد 11721 بتاريخ 26 جوان 1931م، ملأه طعنا وسبابا، عنون له بـ «لقد هزلت» وصفهم فيه بأنهم: يتطاولون على أعراض الشخصيات البارزة في سجل التاريخ و ينبشون قبور الأموات والأولياء بسبهم وشتمهم،…الخ فقامت هذه الجماعة الصّالحة المصلحة، فنشروا: «احتجاج ودفاع من سيدي عقبة إلى جريدة النجاح…» نشر في جريدة البلاغ العدد 220 الصادر بتاريخ 7 أوت 1931 ص 2
جاء فيه: إننا الواضعين خطوط أيدينا أسفله قد تأثرنا تأثرا كليَّا من المقال الذي رأيناه بجريدة النجاح أبرزه كاتبه بإمضاء (نصوح) وإنه بنفس الأمر لعدو للإسلام والمسلمين، غاش لهم، وكيف لا يكون عدوا للإسلام والمسلمين من يطعن في علماء الشريعة المطهَّرة، الذَّابين عنها، والمتمسكين بأصلها وفروعها ….وهو أكبر الغاشين، رأى الأمة اجتمعت على أمر دينها، فأراد تفرقتها وتمزقها، فالأمة اليوم قد انتبهت لمكائد الكائدين ومكر الماكرين وعرفت أن صراط الله المستقيم واحد،قال تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام الآية 153].
الإمضاءات: (منهم) مكي إسماعيل – الشاذلي عبد الغني – بن خلف الله علي بن عثمان – عمر البسكري – منصوري محمد صالح (بن دايخة)
أما نشاط شيخنا في الدعوة إلى الله
فقلَّ نظيره في هذا المجال، فقد حببَّ الله إلى نفسه العلم وطلبه منذ نعومة أظفاره، وحفزه ذلك إلى إلقاء الخطب والمواعظ في عهد مبكر من حياته المباركة، بل كان ينوب شيخه علي بن عثمان في التدريس على كرسيه بالمسجد الفاتح عقبة وهو شاب.
بين ابن باديس والشاذلي عبد الغني
العلاقة التي تربط بين شيخ النهضة الجزائرية الأستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس ومترجمنا الشيخ الشاذلي عبد الغني هي علاقة علمية وصلة ود ربطت بينهما منذ زيارة الشيخ ابن باديس سيدي عقبة سنة 1931
واستمرت هذه العلاقة العلمية بواسطة المراسلة والتعاون العلمي على طريقة ذلك الزمان.
وفـاته
انتقل الشيخ عبد الغني من دار الفناء إلى دار البقاء يوم الخميس 20 ربيع الثاني 1366ه الموافق لـ 14مارس 1947م بداره بسيدي عقبة، ودفن يوم الغد بعد صلاة الجمعة وصلى عليه بمسجد فاتح الشيخ علي بن عثمان .
ترك ثلاثة أبناء منهم الشهيدان شادلي أحمد ومحمد لخضر والنقيب المتقاعد شادلي بدر الدين المدعو (محمد).
ترك الشيخ عبد الغني مكتبة عظيمة بها العديد من الكتب النفيسة، ضاعت بسبب معانات العائلة لظلم قوات الاحتلال.
أما أثاره فهي موزعة بين الصحف الوطنية كالنجاح والبرق …….
من أشعاره
أبيات شعرية أرسلها إلى شيخه محمد منصوري العقبي (بن دايخة) وكان الغرض منها استدعاء شيخه للعشاء فكانت كما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم
أخا الظروف والآداب لازالت موردا *** يفيض هوى عذبا إلى كل بائس
ومـــــــــــــا برحت تشدو بلابل سعدكم *** فأهلا و سهلا بالأديب المؤانس
اتخـــــــذت لكـــــم نزلا عشاء مساغد *** ومــــــــــا منك عبده الغني بآيس
رحبت مكـــــــــــــانا بل وبوركت منزلا *** غشاك ابن منصور فمطر نفائس
تســـــــــر بك الأرواح غيبــــــا ومشهدا *** فأنت لعمري نزهة للمجالس
أبيات بعثهم إلى الشيخ عبد المجيد حبة لتشطيرهم:
لولا الصداقة والوداد ما جينا *** ولا تــــــــــوسم بالآداب نــــــادينا
ولا تبسم عن ثغر السرور ومـــا *** ذاك التبسم إلا من تصافينا
أكـــــــــرم به ناديا نال الفخار على *** أنـــــــــــــدية القطر أهلينا وبادينا
أدامــــــــــه رب الناس أزهرا علما *** وشلّ ساعد من رام تعادينا