الشيخ محمد مرزوق رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتلمسان وأحد دعاتها الثابتين
بقلم: محمد الهاشمي-
قادتنا الأقدار في مطلع هذا الأسبوع صحبة الشيخ المختار بن عامر إلى زيارة الشيخ خالد مرزوق الباحث في تاريخ الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين فكان لنا معه الحوار التالي حول والده الشيخ محمد مرزوق الذي قاد حركة التعليم والتربية بتلمسان كما قاد قاطرة الإصلاح في تلمسان، فطرحنا عليه الأسئلة التالية حول حياة والده العلمية والإصلاحية وعلاقاته مع رجال الفكر والسياسة والوطنية، وعن دار الحديث وعلاقته مع الشيخ محمد البشير الابراهيمي –رحمه الله – وعن وفاته فأجابنا:
"ولد الشيخ محمد مرزوق ولد قادة يوم 21 جانفي 1884م بمدينة سبدو بولاية تلمسان، استقر أسلافه المرازقة بتلمسان في أواخر القرن السابع الهجري الثاني عشر الميلادي، ومن أسلافه العلماء ابن مرزوق الخطيب وابن مرزوق الحفيد الذي ملأ علمهم تاريخ المغرب العربي قاطبة في القرن التاسع الهجري الرابع عشر الميلادي عند احتلال الاستدمار الفرنسي الغاشم مدينة تلمسان انتقلت أسرة ابن مرزوق الأب من حي العباد إلى مدينة سبدو بعد أن اغتصبت ديارهم بسبب انضمام العائلة إلى راية الأمير عبد القادر، تابع دراسته بداية كغيره في كتاب الحي لحفظ القرآن الكريم ثم انتقل إلى المدرسة الفرنسية العربية وبعدها المدرسة الفرنسية الإسلامية فالمدرسة الثعالبية بالجزائر العاصمة، كما له إجازة من مدرسة المعلمين باللغة الفرنسية، وأصبح فيما بعد معيدا في مدرسة اللغة الشرقية الحية بباريس ثم بعث إلى إفريقيا للتعليم بمالي، وبالضبط في مدينة جنيي بمالي، وقد تولى إدارتها من سنة 1905 إلى 1911م، كما أنه تحصل على شهادة في دراسة الأدب العربي، وبعد ذلك رجع إلى تلمسان ليتولى التدريس في المدرسة الفرنسية الإسلامية، وانتقل بعدها إلى مدينة مازونة ليعمل في القضاء من سنة 1911 إلى سنة 1916م، وبعدها تحرر من الوظيفة ليصبح وكيلا شرعيا (محاميا حرا) ليدافع عن المظلومين الجزائريين مجانا، ومن الأساتذة الذين يعتز بهم في الثعالبية الشيخ عبد القادر المجاوي، وعاد فيما بعد إلى تلمسان ليؤسس مدرسته الحرة ذات القسم الواحد لتدريس اللغة العربية وكان أول من انتهج بها الطريقة العصرية للتدريس الموجودة بشارع خلدون، ولكن الاستدمار الفرنسي أغلقها سنة 1935م، وانتقل خفية إلى بن سكران ليؤسس بها مدرسة حرة، وكلما كان يغلق له الاستدمار مدرسة فتح واحدة أخرى، وقد تخرج على يديه عدة إطارات من المناضلين الوطنيين وكانوا من أوائل من ناصروا الحركة الوطنية والإصلاحية أمثال الأستاذ محمد قنانش وعبد الكريم بن عصمان وبومدين معروف راشدي ومصطفى مرزوق وغيرهم، كما شارك في تأسيس النادي الإسلامي وأنشأ الجمعية السنوسية الخيرية وجمعية الرابطة ضد الكحول، كما كان له لقاء سنة 1923م مع العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس ليشارك سنة 1931م في الاجتماع الأولي بالجزائر العاصمة قصد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ثم تولى سنة 1932 رئاسة شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتلمسان، كما كانت له علاقات واتصالات داخلية وخارجية مع شخصيات إسلامية ووطنية وثورية أمثال شكيب أرسلان والأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر والحاج مصالي والمجاهد عبد الكريم الخطابي زعيم ثورة الريف بالمغرب، كل هذه التحركات كانت من أجل استرجاع الشخصية العربية الإسلامية التي حاول الاستدمار الفرنسي طمسها، كما له مؤلفان مخطوطان الأول تحت عنوان “الخمر والتقوى” والثاني تحت عنوان “القلم والكتاب”، وفي سنة 1932 مرض الشيخ محمد مرزوق وأصبح طريح الفراش فكان يزوره أصحابه باستمرار على رأسهم صديقه الشيخ محمد البشير الابراهيميّ، وعند زيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله في جويلية 1939م لاحظ غياب الشيخ محمد مرزوق فسأل عنه فأخبر بأنه مريض فطلب زيارته برفقة الشيخ محمد البشير الابراهيمي فدخل عليه وهو على فراش الموت فعانقه ابن باديس وتسامحا وبكى الجميع ، فقال له الشيخ الإمام: “سنلتقي في أسواق الجنة إن شاء الله تعالى”.
توفي رحمه الله تعالى يوم 22 جمادى الثانية الموافق ل 08 أوت 1939 م وشيعت جنازته في موكب مهيب إلى مقبرة سيدي السنوسي بتلمسان وقد حضر أهل الإصلاح والثقافة والسياسة وأّبنه الشيخ محمد البشير الابراهيمي، والشيخ الابراهيمي منذ أن دخل تلمسان لم يخطب في أي جنازة وكان في هذا المشهد بادي التأثر، دامع العين، خاشع الطرف، حزين الملامح، في خطبة ألقاها (أسالت المدامع وأثارت كوامن الأسى وحركت في أنفس الشيوخ عروق الخشية والخوف من الله تعالى وحفزت نفوس الكهول إلى التسابق في الصالحات وحسن التأسي بالعاملين وعرفهم معنى كرامة النفس وشرفها في سيرة الراحل الكريم وجلت لنفوس الشبان عبر الحياة طرائقها في سير من سبقهم) كما جاء في جريدة البصائر عدد 180ليوم 24 أوت 1939م.
وقد شهد له الأستاذ محمد قنانش أحد تلامذته “…وهناك شخصية عظيمة مثلت دورا هاما في الحياة الثقافية بالمدينة هذه الشخصية هي الأستاذ محمد مرزوق..”
ومما جاء في كتاب آثار الإمام الابراهيمي: “فجعت تلمسان عموما وطائفة الإصلاح خصوصا بموت الأستاذ الخير محمد بن مرزوق سليل البيت المرزوقي الشامخ البنيان ورئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتلمسان وأحد دعاتها الثابتين”.
رحم الله الشيخ محمد مرزوق وأسكنه فسيح جنانه وجعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ونسأل الله الشفاء لابنه الباحث الشيخ خالد مرزوق .