عبد الوهاب حمودة سفير الفكر والثقافة والدعوة بالجزائر وخارجها
بقلم: فاطمة طاهي-
واحد من علماء الجزائر ودعاتها، وسفير من سفراء الفكر والثقافة والدعوة وطنيا ودوليا وعالميا، عاش صوفيا زاهدا ومحبا للخير وداعيا له، فوهب حياته كلها خدمة للدين الإسلامي الصحيح ، وخدمة للعلم والفكر، وللوطنية والوطن، أسس مسجد الطلبة بالجامعة المركزية لمواجهة الإلحاد وغيرها من الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، نظم ملتقيات الفكر الإسلامي ليرفع اسم الجزائر عاليا ويوصل صوت الإسلام الوسطي المعتدل إلى العالم، رفض الحقيبة الوزارية ليواصل نضاله الدعوي في صمت بعيدا الأضواء، عبر ملتقيات وندوات كان ينظمها، فكان إعلاميا متطوعا، وخادما للخير ومرافقا ماديا ومعنويا لطلبة العلم في الجزائر.
عبد الوهاب حمودة .. المصلح الحكيم والداعية الزاهد والعالم العامل
ولد الأستاذ عبد الوهاب حمودة عام 1939م بالجزائر العاصمة، درس في ثانوية عمارة رشيد، المقراني «حاليا»، ثم واصل دراسته بجامعة الجزائر 1968م، حيث تحصل على شهادة الليسانس تخصص الآداب، ثم سجل في جامعة السوربون بفرنسا لتحضير شهادة الدكتوراه مع المستشرق المعروف روجيه أرنالدز.
مؤسس «مسجد الطلبة» بالجامعة المركزية
ساهم عبد الوهاب حمودة في تأسيس مسجد الطلبة في الجامعة المركزية في أواخر الستينيات وبالتحديد شهر ديسمبر 1968م، وكان ذلك بتوجيه من صديقه المفكر مالك بن نبي بسبب الأجواء الثقافية السائدة بالجامعة أنذاك والتي كانت مختلفة تماما عن الأجواء التي عاشها عبد الوهاب حمودة بالثانوية، فكان من بين المساهمين لافتتاحه، وهذا ما أكده الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في مذكراته «مذكرات جزائري»، وقد كان يومئذ وزيرا للتربية الوطنية، حيث قال: «طلبت مجموعة من الطلبة (عبد الوهاب حمودة – عبد القادر حميتو – عبد العزيز بوليفة – محمد جاب الله) تخصيص قاعة للصلاة في جامعة الجزائر، وهو مطلب شرعي سارعت إلى تلبيته، وكان الناطق باسم هذا الوفد هو عبد الوهاب حمودة».
فكان مصلى الطلبة منبرا للدعوة ومسجدا للمصلين داخل الجامعة المركزية وخارجها، إذ كان يكتض بالمصلين يوم الجمعة وفي الأعياد.
مهندس ملتقيات الفكر الإسلامي
وقد وُصف الأستاذ عبد الوهاب حمودة بالمهندس الفعلي لملتقيات الفكر الإسلامي، حيث أشرف على إعداد الملتقيات السنوية للفكر الإسلامي، على ما يقارب 20 ملتقى، فكان رحمه الله منظمها ومؤطرها، وقد كان من خلال هذه الملتقيات يستضيف نخبة من العلماء والمفكرين والباحثين العرب والمسلمين من مختلف التيارات والمذاهب عبر بقاع العالم لمناقشة مختلف القضايا الفكرية والعلمية.
وكان الأستاذ الراحل هو من يتولى ترتيب وتنظيم هذه الملتقيات التي كانت حسب روادها من أرقى الفضاءات العلمية في العالم، وذلك يظهر من خلال التنسيق مع مختلف أقطاب العلم عبر العالم من المسلمين وغير المسلمين، كما كانت هذه الملتقيات من أرقى حوارات الحضارات والأديان والثقافات الدولية والعالمية.
تلميذ ملازم للمفكر مالك بن نبي ومرافق لمحاضراته
كان عبد الوهاب حمودة رحمه الله طالبا نشيطا وتلميذا وفيا للمفكر مالك بن نبي ومرافقا لندواته ومحاضراته التي كان ينظمها عبر الوطن، حيث كان حريصا على حضور حلقاته الحضارية نهاية الستينات ومطلع السبعينات، كما ساهم عبد الوهاب حمودة في نشر أفكار أستاذه مالك بن نبي بين طلبة الجامعة المركزية رفقة زميله رشيد بن عيسى، كما ساهم في إصدار مجلة «ماذا أعرف عن الإسلام؟» الناطقة باللغة الفرنسية.
الشيخ يوسف القرضاوي: عبد الوهاب حمودة هو الدينامو المحرك لملتقيات الفكر الإسلامي
وصف الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الأستاذ عبد الوهاب حمودة في مذكراته قائلا: «ثم عرفت مع الوزير (الذي هو الشيخ شيبان) الشاب النّابه المتوقد عبد الوهاب حمودة مدير الملتقيات ومنظمها والدينامو المحرك لها، والذي استرحت له بمجرد لقائه ورؤية وجهه، فلما شاهدت تحركه، وسمعت كلامه بعد ذلك ازددت حبا له، وتقديرا لما يبذله من جهد وإعداد وتنظيم في سبيل إنجاح الملتقيات».
زاوية سيدي يحي العيدلي من الآثار الطيبة لعبد الوهاب حمودة
دعم عبد الوهاب حمودة رحمه الله زاوية الشيخ سيدي يحيى العيدلي ماديا ومعنويا في كل المناسبات، حيث كان يتابع أدق التفاصيل التي تخص تخرج طلبة الزاوية، كما بقي أثناء مرضه يتابع شؤون الزاوية وشؤون الطلبة لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة القبائل.
من مؤسسي حركة الطلبة الثوريين
قام الأستاذ عبد الوهاب حمودة رفقة رشيد بن عيسى بتأسيس حركة الطلبة الثوريين من أجل مواجهة جل الأفكار الدخيلة بما فيها موجة الإلحاد، حيث كانوا يقومون بإلصاق مختلف الملصقات والمنشورات ويشرحون فحواها للطلبة.
عبد الوهاب حمودة ورفضه الحقيبة الوزارية
وحسب تصريحات أصدقائه ومن عرفوه رفض الأستاذ عبد الوهاب حمودة رحمه الله أن يتولى شؤون الوزارة في عهدي حمروش وقاصدي مرباح، مثلما صرّح بذلك أكثر من مرة الوزير السابق عبد الرحمان بلعياط الذي كان رسولا بينهما.
الوظائف التي تقلدها عبد الوهاب حمودة
تقلد الأستاذ عبد الوهاب حمودة عدة وظائف بداية كان رحمه الله مديرا لمعهد العلوم الاجتماعية ثم انتدب إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، حيث عُيّن مسؤولا عن مديرية إحياء التراث، وبعدها مسؤولا عن مديرية الثقافة الإسلامية وملتقيات الفكر الإسلامي في عهد الشيخ عبد الرحمان شيبان، وفي 1991م وفي عهد وزارة الدكتور سعيد شيبان عُيّن أمينا عاما لوزارة الشؤون الدينية.
كما سبق وأن دعاه مولود قاسم لما كان وزيرا للتعليم الأصلي والشؤون الدينية للعمل معه سنة 1970م كمديرا للشؤون الدينية في الوزارة، ثم التحق بالجامعة، وفي سنة 1979م عمل مستشارا للأستاذ بوعلام باقي الذي كان وزيرا للشؤون الدينية.
إعلامي متطوع ومحاضر رساليّ
لم يتوقف عبد الوهاب حمودة رحمه الله عن العطاء والنشاط بعدما أحيل للتقاعد، بل واصل نشاطه الفكري والثقافي والدعوي من خلال محاضراته التي كان يلقيها في ندوات جمعية العلماء المسلمين وغيرها من المنابر العلمية، ومن خلال مشاركاته الإعلامية حيث كان يعد ويقدم برنامج ديني على القناة الجزائرية الناطقة بالفرنسية متطوعا طيلة خمس سنوات لترجمة القرآن الكريم رفقة الدكتور سعيد شيبان والدكتور عمار طالبي، وكان رفقة ابنه يبقى في مقر التلفزيون إلى ساعات متأخرة من الليل.
كان معطاء ومحبا للخير
عُرف عبد الوهاب حمودة بين أصدقائه ومن عرفوه بمساعداته وأعماله الخيرية والتطوعية، ومنها تلك التي كان يقدمها للطلبة الأفارقة الذين كانوا يدرسون في معهد العلوم الإسلامية بالجزائر إلى جانب طلبة زاوية سدي يحي العيدلي.
يرحل عبد الوهاب حمودة ويخلده أثره
توفي عبد الوهاب حمودة ليلة الاثنين 10 أكتوبر 2017م، بعد صراع طويل مع داء عضال، ليوارى الثرى يوم الثلاثاء بمقبرة عين البنيان غرب مدينة الجزائر العاصمة في جو جنائزي مهيب وسط حضور غفير للمواطنين والعلماء والدعاة، كما حضر الجنازة بعض الرسميين، على غرار إطارات بوزارة الشؤون الدينية.