الشيخ عبد القادر الياجوري
بقلم: أعمر عشاب-
هو المجاهد عبد القادر بن الحاج عمار بن عبد القادر الياجوري. يعود أصل عائلته إلى مدينة الجلفة، حيث كان أحد أجداده يتعاطى حرفة صنع الياجور. ثم هاجرت عائلته لبلدة قمار التي ولد فيها الشيخ عبد القادر خلال عام 1912.
دراسته الأولى :
درس القرآن الكريم على يد والده الفلاح. ثم انتقل سنة 1925 إلى مدينة توزر بالجنوب التونسي، فأتقن حفظ القرآن وتلاوته وتجويده، وأخذ عن مشايخ بلدته ومنطقة الجريد مبادئ العلوم الشرعية، شأنه شأن الشيخ العربي التبسي، والشيخ محمد الخضر حسين، والشيخ المكي بن عزوز.
التحاقه بجامع الزيتونة :
التحق بجامع الزيتونة عام 1926، وسجل تحت رقم: 14573. وأقام في مدرسة اليوسفية. ورسم بالسنة الأولى من المرتبة الأخيرة. ثم تحصل على شهادة الأهلية دورة جوان 1929. وأحرز على شهادة التحصيل في العلوم، دورة جوان 1934.
زواجه :
تزوج منذ فاتح عام 1935 بخديجة نصبة بقمار التي ولدت له رشاد ورشيد. وأنجب عشرة أبناء وبنات، مات منهم اثنان في حياته.
انخراطه في جمعية العلماء بقسنطينة :
تعرف إثر عودته إلى الوطن مباشرة على الشيخ عبد الحميد بن باديس في قسنطينة، وانخرط في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كلّفه رئيسها بالإمامة والخطابة في المساجد، والتعليم في مدارس الجمعية.
العمل في جامع الطلبة بقمار :
لم يمكث طويلا بقسنطينة، إذْ قرّر العودة إلى مسقط رأسه ببلدة قمار. وشرع في الإمامة والتدريس مدة ثلاث سنوات من عام 1935 إلى عام 1937.
حيث حصل عام 1936 على رخصة التعليم في المدرسة القرآنية في جامع الطلبة بقمار، وكان هو رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين بقمار حتى سنة 1937هـ، وكان نائبه محمد السايح بن عبد الله.
السجن والنفي من الوادي :
دعاه الشيخ عبد العزيز الشريف (1898-1965م) إلى قرية البياضة للعمل هناك. فدرس في مسجدها، وصار مديرا للمدرسة الحرّة بها.
غير أن عام 1938 لم يأت بالخير على منطقة وادي سوف، ولا على الشيخ الياجوري ورفاقه، حيث ألقت الإدارة الاستعمارية القبض يوم 18 أفريل على الشيوخ: عبد العزيز الشريف، وعلي بن سعد وعبد الكامل النجعي.
كما ألقي القبض أيضا على الشيخ عبد القادر الياجوري في الطريفاوي لتظاهره ضد قانون رينيي Regnier الذي يحرم تدريس اللغة العربية، وإرساله برقية تأييد ومساندة للحزب الدستوري الجديد. وسيق الجميع إلى سجن الكدية بقسنطينة.
لكن الشيخ الياجوري وجهت له تهمة عداء فرنسا، وظل في سجن الوادي فترة في زنزانة خاصة لا يتصل به أحد.
ثم حمل في سيارة إلى سجن الكدية الذي قضى به ثمانية عشر شهرا.
وقدم يوم 16 يناير سنة 1940 للمحكمة العسكرية بقسنطينة التي حكمت عليه بسنة سجنا، وفرضت عليه غرامة مالية مع زملائه قدرها 31000 فرنك.
ثم ألزم بالإقامة الحضورية في قسنطينة، مع عدم السماح له بالعودة للتراب العسكري للالتحاق بعائلته.
النفي من قسنطينة إلى الجهة الغربية :
ثم نفي إلى مليانة في شهر ماي 1940، وألزم بالإقامة الجبرية فيها مدة عامين حتى 20 يناير 1942.
ثم سلمه الدرك للشرطة العسكرية بسعيدة، وزج به في السجن العسكري مدة أسبوع.
ومن سعيدة إلى بشار، حيث أودع في السجن العسكري أيضا مدة ثلاثة أشهر.
ثم نفي إلى بني عباس التي أمضى فيها ثلاثة وثلاثين شهرا تحت الإقامة الجبرية.
وفي أكتوبر عام 1944، حكم عليه بالخروج من بني عباس إلى بسكرة، ومغادرة المناطق العسكرية، لكن منع من العودة لمسقط رأسه والاتصال بعائلته.
ودام على هذا الحال حتى عشية أحداث 8 ماي 1945، حيث أوقف في بسكرة، وأبعد إلى عزابة، وقسنطينة وخنشلة، حتى صدر العفو العام سنة 1946.
فسمح له بالعودة لمسقط رأسه بعد ثماني سنوات من الاعتقال في المنفى والإقامة الجبرية.
التدريس في معهد ابن باديس :
تولى الشيخ العربي التبسي رئاسة لجنة التعليم العليا، والشيخ عبد القادر الياجوري نائبا له. ويشهد الذين درسوا في معهد ابن باديس، أن الشيخ الياجوري كان من الأساتذة المخلصين لمهنتهم. وكان حيويا مواظبا، ومربيا بارعا، يعطي لتلاميذه المثل بسيرته وإخلاصه وعلمه. وكان الشيخ أيضا في قائمة الوعاظ والمرشدين.
إخلاصه لأمته ووطنه :
قال عنه الشيخ أحمد رضا حوحو: أنه جندي من قدماء المحاربين في هذه الحركة الإصلاحية. عصبي المزاج. تحتل نفسه ثورة عنيفة في جرأة عنيدة. ولهذا لا تتعجب إذا ما قلت أن الرجل اختصاصي في معرفة السجون وألوان العذاب. فقد نزل ضيفا غير مكرم على أغلب السجون الاستعمارية، وذاق من ويلاتها أصنافا أكثر من أصناف الطعام التي ذاقها في حياته. ولكن كل ذلك لم يفل من حدته وعزمه شيئا. وإذا بدا لك ساكنا ناعما، فاعلم أن وراء السكينة نارا تتأجج، وإن تحت النعومة أشراكا حادة.
نكبته في الغرب الجزائري :
وفيما بين عامي 1946 و1948، عينته الجمعية إماما ومشرفا على مسجد ومدرسة الفلاح بوهران. كما جعلته مندوبا متجولا باسمها في النواحي الغربية في مهمة التعليم والإرشاد في غليزان وسيدي بلعباس.
وعين فيما بين سنتي 1948 و1954 مدرسا في معهد ابن باديس في قسنطينة.
وفي عام 1952، وقع الاستيلاء على المساجد لتعيين الفائض من طلبة معهد ابن باديس أئمة.
وفيما بين عامي 1954 و1955، كان للشيخ الياجوري نفس المهام في كل من: وهران ومعسكر وكل الغرب الجزائري.
وقد استدعاه في شهر أوت سنة 1955 عامل العمالة لامبير Lambert على أثر خطبة في جامع معسكر بمناسبة عيد الفطر المبارك.
ورغم انتماء الياجوري لجمعية العلماء، فقد كان يعتقد في مبادئ حزب الشعب التحررية.
واعتقل الشيخ مرة أخرى يوم 29 مارس 1956، في محطة القطار بتيزي في ولاية معسكر، وحول إلى السجون والمعتقلات التالية: آفلو – أركول – بوسوي – سيدي الشحمي إلى غاية 30 ماي 1961.
وقد ودع صديقه محمد الصالح بن عتيق، المعتقل معه في سجن بوسوي، بقصيدة شعرية، هذه قطعة منها :
غيض بحر العروض يا ابن عتيق ** ودموعي تسيل سيل العقيق
ولو أن الدموع تغرق نــــــــــاري ** فأكون الغريق وسـط الحريق
ضاع شعري وضاع عمري وأنتم ** يـــا زميلي أدرى بكل رفيــق
وســـلام عليكـــم مــا أقمتـــم ** أو ذهبتم سلام داع شفيــق
وفرضت عليه الإقامة الجبرية في مدينة وهران فيما بين عامي 1961 و 1962.
بعد الاستقلال :
عمل الشيخ الياجوري مدة ثلاثة أشهر في الحزب، وسنة واحدة في وزارة الأوقاف التي تولاها زميله الشيخ أحمد توفيق المدني.
ثم في عام 1964، أدمج في التعليم في ثانوية ابن باديس بوهران حتى تقاعده عام 1977.
نشاطه بعد التقاعد :
وقام فيما بين عامي 1977 و1991 بنشاط تطوعي ومنتظم. ومنذ حوالي سنة 1985، خص الطلبة المتقدمين في السن بدروس تطوعية في جامع الفلاح بوهران.
كما نال وسام المقاوم من وزارة المجاهدين عام 1986، وشهادة تقدير من رئيس الجمهورية عام 1987.
تراثه العلمي :
هو مفكّرٌ أيضا، اتّسمت مواقفه بالانفتاح والحوار في جميع مسائل الدين. كما تميّز بموهبته الخطابية، فأسلوبه بسيطٌ وخالٍ من التكلّف.
وكان من بين رجال الثقافة والفكر والدين والفن الذين عايشوا حقبًا عديدة ومختلفة من تاريخ هذا الوطن فقد عاش فترة الاستعمار والاستقلال، ثم فترة حكم الرئيس ابن بلة، ثم الرئيس بومدين، بالإضافة إلى فترة الرئيس الشاذلي بن جديد، وفترة عدم الاستقرار، وبروز ظاهرة التطرّف الديني التي أحزنته، وآلمته كثيرًا.
وإنْ عُرف من طرف الكثير على أنه رجل دين فحسب، فهو في الحقيقة شاعر له ديوان شعري لم يُنشر. جزْءٌ منه بحوزة حفيدته، وجزء آخر عند ابنه، يحتوي على قصائد كثيرة تحدّث فيها العلاّمة الياجوري عن الوطن، وعن المقاومة، وعن الجمال والمرأة، وعن التفلسف والدين.
وقال في إحدى قصائده :
توهّمتم أن التفلسف حكمــة ** وأنّ خلود الدين رهن التفلسف
ألا إن دين الحـــق دين محمد** يشيد بأعمال الصلاح ويكتـفي
الخاتمة :
الشيخ عبد القادر الياجوري شاب عنيد وصعب المراس، ورجل باسل في مواقفه. يتجشم الأخطار، ولا يهاب المعتقلات ولا السجون. حيثما اندلعت ثورة، يكون هو وقودها.
عرف السجون 13 مرة، ولم يثنه ذلك من عزمه وإرادته الفولاذية. ولا يبالي بما ستسفر عنه مبادراته في الإقدام على المواقف الصعبة، واستحالة الهزيمة، ومواجهة الظروف والتحديات بقوة وعزيمة دون انحناء، أو ضعف أو جبن أو خذلان.
وفاته :
بقي يمارس مهمة التدريس في المساجد متطوعا، ويتردد على المكتبة العمومية، ويقوم بتدعيمها من حين لآخر بالكتب، حتى وافاه الأجل المحتوم في 12 أوت عام 1991، ودفن في وهران.