ابن باديس والتّصوّف
بقلم: بومدين بوزيد -
هل كان ابن باديس ضدّ التّصوف كمعرفة وسلوك أم ضدّ البدع والخرافات سواء ارتبطت بالزّوايا أم بغيرها؟ هل كان ضدّ الزّوايا كلّها دون تفريق وضدّ جميع رجالها والطرقيين؟
كان ضمن الهيئة العامة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين صوفيان الشيخ بوعبد الله البطيوي والطيب المهاجي، الخلاف وقع فيما بعد حين أعِيد تجديد الجمعية، وهنا نريد التّذكير بالفصل في النقاط التالية:
ـ هناك فرق بين ابن باديس وبعض أعضاء جمعية العلماء المسلمين في الخلاف مع رجال الطرقية وشيوخ التّصوف، وهو فرق مُهمّ حتّى في قضايا الإصلاح والموقف من فرنسا.
ـ كان ابن باديس يدرك جيّدًا الفرق بين التّصوف ورجال بعض الزّوايا الّذين يُشجِّعون البدعة والخرافة من أجل استمالة النّاس إليهم وبقائهم في تبعية لهم، وكان يدرك تبعية بعض الزّوايا لفرنسا كما كان يفتخر بجهاد الأمير والمقراني وصوفيتهما الّتي جعلتهم ينتفضون ضدّ الاحتلال ومن هنا كتابته عن السّنوسي وافتخاره به ونعيه.
ـ الفرق الأخير مهمّ هنا لنفهم العلاقة الحميمية العلمية الّتي كانت تربطه ببعض المتصوّفة ومشايخ التّصوف والزّوايا الحقيقيين، ونكتفي هنا بذِكر زيارته لبطيوة “وهران” للزّاوية البو عبد اللية، فقد التقى بالشيخ العارف بوعبد الله وجرَت بينهم مناظرة علمية مفيدة، وقد قال ابن باديس: “كفى! الرجل عالم” كرّرها ثلاث مرّات، بعد ذلك نظّم الشيخ بو عبد الله قصيدة حول هذه الزيارة نشرتها جريدة “الشّهاب”، كما أنّه فرح بخروج البشير الإبراهيمي من سجن أفلوا فبعث له بقصيدة تهنئة وسرور، أمّا لقاؤه بالطيب المهاجي الصوفي عالم وهران المتوفى في 1969، فيتحدث في سيرته الذاتية أنّه زار ابن باديس حين تواجده بقسنطينة، وكان حينها يدرّس “رسالة التّوحيد” لعبده، وتناقشَا معه حول خلوّ هذه الرسالة من الفلسفة، كما تناقشَا حول الإنجيل، وكان عند ابن باديس إنجيلاً مترجمًا للعربية وتباحث معه مطوّلاً حول الوحدانية والأقانيم الثلاثة، قال عنه المهاجي “كان لين العريكة وقّافًا عند الحقّ”.
ـ كان ابن باديس يستشهد بالرسالة القُشَيرية كما كان يعود إلى الأخضري البسكري ولم يتعصّب لرأي بل كان ميزته التّفريق بين الأشياء ولا يخلط بين الأمور.
بومدين بوزيد أستاذ بجامعة وهران