منارات جزائرية المفكر عبد المجيد مزيان رائد الحوار الحضاري والتسامح الفكري
بقلم: عبد الحميد عبدوس-
مرت عشرون سنة على رحيل المفكر والسياسي الجزائري عبد المجيد مزيان عن عمر ناهز 75 سنة بعد مرض عضال لازمه لعدة سنوات، ودفن في جنازة مهيبة بمقبرة العالية بالعاصمة. يعتبر المفكر عبد المجيد مزيان أحد رواد حوار الحضارات والدعوة إلى ثقافة التسامح والتعايش بين الأديان. من أشهر الشخصيات الدينية العالمية من أهل الكتاب وعلماء الاستشراق الذين حاورهم، وارتبط بهم بروابط الصداقة والتعاون الفكري والثقافي، منهم على سبيل المثال لا الحصر: الرائد وعالم الاجتماع الفرنسي فنسان مونتاي، والبروفيسور جاك بيرك، المستشرقان ريجيس بلاشير، وماكسيم رودنسون، ورؤساء الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر الكاردينال ليون اتيان دوفال، والأسقف هنري تيسييه.
يقول الدكتور عبد المجيد مزيان: «كل حضارة عظيمة كان لها بشكل ما بعدها العالمي وعبرت عن التقدم الإنساني لكل البشرية. فالحضارة الإسلامية تصدرت على امتداد عدة قرون واجهة التاريخ، واجتهدت في تأكيد عالميتها بإسهاماتها وانفتاحاتها الثقافية في بعض الأحيان، وبواسطة صداماتها وتلاقحاتها الفكرية في أحيان أخرى، ولكنها ورغم الصور ذات الصبغة العدائية التي تلصق بها من خلال الرؤية الغربية المعاصرة لها، تبقى حضارة عالمية الطابع، متعددة الأعراق والمجتمعات. فهي من حيث المبدأ حضارة تبادل وحوار، أما الفكرة الشائعة التي تصنف العالم الإسلامي في خانة المجتمعات المنغلقة فهي تخلط بين العداوات الناشئة عن ردود فعل الدفاع الذاتي ضد الصدمات والرفض للفترات الاستعمارية، وبين الانفتاحات الكبرى لعصور الحرية».
ركز الدكتور عبد المجيد مزيان جهده الفكري على شروط الانبعاث الحضاري وكان يرى ان الانفتاح الفكري هو الذي يحقق الانطلاق الحضاري. يقول البروفيسور عبد القادر بوعرفة: «مفهوم الحضارة عند عبد المجيد مزيان يرتكز جزئيا على الرؤية الخلدونية، ففي مقاله (طريق الذهب وطريق الثقافة) يرى أن طريق الذهب حين استغنى عن الثقافة أنتج حضارة بائسة، فبالرغم من تطورها وترفها إلا أنها مهدت لزوالها وفنائها: «نحن نعلم أن طريق الذهب الذي عُبد في قرون قد أكلته صحراء التبذير والملذات والانحطاط في سنيين وذهب أدراج الرياح بين الجواري والقصور والخمور في غرناطة وتلمسان وفاس. هكذا دُمِرت هذه القرى الفاجرة لأن مترفيها فسقوا فيها».
ولد عبد المجيد مزيان في تلمسان غرب الجزائر في 17 مارس 1926 في عائلة علمية عريقة فهو حفيد قاضي تلمسان الشيخ مختار مزيان، ونجل الشيخ محمد بن التهامي مزيان عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، حفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره، وكان يطلق في صغره عليه لقب «الفقيه».
تعلم مبادئ اللغة العربية بدار الحديث ودروس اللغة الفرنسية بالمدارس العمومية، انتقل سنة 1946 إلى مدينة الرباط بالمغرب ليواصل تعليمه العالي في جامعتها ويتخصص في الفلسفة. أصبح سنة 1949 أمينا عاما لإقليم تازة المغربي، وشارك سنة 1950 في كفاح التحرير المغربي. انخرط في حزب الشعب الجزائري وعمره 16 سنة، التحق بثورة التحرير الوطني عند اندلاعها في سنة 1954، انضم إلى وزارة التسليح والاتصالات العامة (المالغ) وعينته قيادة الجهاز في إذاعة الجزائر الحرة المكافحة بتونس سنة 1956 فكان من ابرز منشطيها إلى جانب المرحوم عيسى مسعودي. أصبح في1959 منسقا لجبهة التحرير الوطني في المغرب إلى غاية استرجاع الاستقلال سنة 1962. مكنته خبرته الإدارية التي اكتسبها من عمله في إقليم تازة بالمغرب من تولي منصب والي وهران سنة 1963لمدة قصيرة، ثم أصبح مديرا لديوان رئيس الجمهورية أحمد بن بلة من 1965/1963. إضافة إلى شغله منصب الأمين عام لوزارة الداخلية. بعد التصحيح الثوري الذي نفذه وزير الدفاع العقيد هواري بومدين ضد حكم الرئيس بن بلة في 19 جوان 1965، انسحب الدكتور عبد المجيد مزيان من الحياة السياسية وتفرغ للعمل الأكاديمي، ودرّس الفلسفة وعلم الاجتماع في العديد من الجامعات والمدارس الكبرى منها جامعة الجزائر، وهران وتلمسان والمدرسة العليا للإدارة بالجزائر والمدرسة العليا للأساتذة وبالأكاديمية العسكرية لشرشال، وشغل وظيفة مفتش عام للفلسفة طوال عشرية السبعينيات. ثم أصبح رئيسا لجامعة الجزائر من 1980 إلى غاية1981،عين في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وزيرا للثقافة من سنة 1982 إلى 1984 في حكومة الوزير الأول محمد بن أحمد عبد الغني، ثم وزيرا للثقافة والسياحة من 1984إلى 1986 في حكومة الوزير الأول عبد الحميد براهيمي، في عهد الرئيس الأسبق اليمين زروال عين سنة 1998 رئيسا للمجلس الاسلامي الاعلى اشرف بصفته رئيسا للمجلس على عدة ملتقيات دولية حول الاسلام منها الملتقى الدولي حول «صورة الإسلام في وسائل الإعلام الأجنبية» و«الإسلام والديمقراطية» وبقي في هذا المنصب إلى أن وافته المنية في 15 يناير 2001 . كان الراحل عبد المجيد مزيان عضوا في العديد من الهيئات العلمية والأكاديميات الجزائرية والعربية، فكان نائب رئيس الأكاديمية الجزائرية للغة العربية، وعضوا في بيت الحكمة بتونس، وعضوا بالأكاديمية العربية بالقاهرة، وعضوا بالأكاديمية الملكية المغربية. وساهم في إثراء المجال الإعلامي بواسطة كتابة مئات المقالات في مختلف المجلات والصحف والدوريات الجزائرية والعربية والدولية، وكذلك من خلال تنشيط عدد من الحصص المتعلقة بالفلسفة وعلم الاجتماع والفكر الإسلامي، ومنها الحصة المتلفزة التي كان ينشطها في السبعينيات مع المفكر الراحل عبد الله شريط رفقة الإعلامي الراحل مصطفى عبادة المدير العام الأسبق للتلفزيون الذي اغتيل في 14 اكتوبر 1993، كما نشط باللغة الفرنسية في 1997 على القناة الفرنسية الثانية ( France 2) حصة حول التعريف بالإسلام سنة 1997. وعشرات المساهمات في مجلتي (الاصالة) و(الثقافة).
كان – رحمه الله- مثقفا عالمي السمعة متمكنا من عدة لغات على رأسها العربية والفرنسية. ترك مؤلفات فكرية قيمة منها: كتاب «النظريات الاقتصادية عند ابن خلدون واسسها من الفكر الإسلامي والواقع المجتمعي» الصادر بالعربية في سنة 1988، وكتاب «فلسفة الإسلام الاجتماعية» باللغة الفرنسية.