أضواء على حياة الشهيد الأديب أحمد رضا حوحو

بقلم: د. عبد الله حمادي-

ولد أحمد رضا حوحو عام 1907 ببلدية سيدي عقبة ولاية بسكرة لكن تسجيله في سجل الحالة المدنية بالبلدية المذكورة تمَّ عام 1911 وهو ابن الشيخ محمد رضا حوحو شيخ عشيرة أولاد العربي وكبير أعيانها .

تحصيله العلمي

التحق أحمد رضا حوحو بكتاب قريته وهو في الرابعة من عمره قصد حفظ القرآن الكريم ، ولمّا بلغ السادسة من عمره التحق بالمدرسة الكولونيالية الفرنسية أين كانت الدروس تلقن باللغة الفرنسية وحتّى يحافظ والده على معرفة ابنه للغة العربية أخذ على عاتقه تلقينه مبادئ العربية ، كما عهد لبعض شيوخ القرية تلقينه قواعد العربية ومبادئ الفقه والثقافة الإسلامية إلى أن نال الشهادة الابتدائية وبعدها التحق بإكمالية بمدينة سكيكدة أين حصل على شهادة ما يُعرف آنذاك بـ BEPC    شهادة  التعليم المتوسط « البروفي « . بتفوق .

إثر هذا النجاح نجده يعود إلى قريته ويدخل إلى الوظيف في سلك البريد والبرق والهاتف ولا نعرف عن نشاطه سوى انخراطه في جمعية « الشباب العقبي الثقافية « التي أصبح أمين سرها ويمارس في أنشطتها التمثيل المسرحي وهو ما يؤكد اهتمام رضا حوحو بالمسرح منذ صغره . ونعرف من سيرة حياته البسيطة في قريته أنّه تزوج عام 1930  فصار موظفا ورب أسرة ومهتم بالأنشطة الثقافية التي يأتي على رأسها شغفه بالتمثيل المسرحي .

هجرته المبكرة  إلى الحجاز

شاءت الأقدار أن ينتقل الأديب أحمد رضا حوحو رفقة عائلته إلى أرض الحجاز الذي كان القرار في تلك الهجرة يعود لوالده الشيخ محمد رضا حوحو  وذلك عام 1935 أي وهو في الثلاثين من عمره تقريبا وذلك لأسباب تعود إلى صراعات بين والده وبين خادم الاستعمار الفرنسي الآغا ابن قانة شيخ العرب في منطقة الزاب .استقراره بالحجاز  من  1935 إلى 1946 .

أقام الأديب أحمد رضا حوحو بأرض  الحجاز ما بين المدينة المنورة ومكة المكرمة عشر سنوات تلقى خلالها تعليمه الديني بكلية الشريعة التي تخرج منها بتفوق عام 1938 ونظرا لتميزه عُيِّن معيدا في الكلية على إثر تفوقه لكنه بعد عامين من التدريس في الكلية نجده ينتقل إلى مكة المكرّمة لينخرط في سلك الوظيف في مصلحة البرق والهاتف بالقسم الدولي لكونه كان يحسن اللغة الفرنسية وله تجربة سابقة في هذه الوظيفة والتي سيمارسها في مكة طوال إقامته بها إلى غاية 1946 تاريخ عودته إلى الجزائر .

نشاطه الأدبي بالحجاز

نظرا للذكاء والفطنة التي تميّز بهما الأديب أحمد رضا حوحو فإنّنا نستشف من كلّ الدراسات التي اهتمت بالأديب حوحو أنّه كان مولعا بالمطالعة باللغة العربية والفرنسية، وكان بالإضافة إلى تحصيله الدّيني في كلية الشريعة بالمدينة المنورة فإنّه كان يولي عناية كبيرة لقراءة ما يكتبه أدباء عصره من أمثال العقاد والمازني والرافعي وطه حسين والدكتور زكي مبارك، ورواد القصة العربية من أدباء مصريين وسوريين ولبنانيين وغيرهم، وهو ما مكنه من ولوج عالم الكتابة منذ 1937 . فبدأ ينشر مقالاته في  «مجلة الرابطة العربية « ذات التوجه القومي لصاحبها أمين سعيد، والتي كانت تصدر في القاهرة، وكثيرا ما نشرت لأقلام جزائرية من أعضاء جمعية العلماء المسلمين كالشيخ مبارك الميلي على سبيل المثال، كما بدأ ينشر في مجلة « المنهل « السعودية ذات التوجه المحافظ الذي لا يتعارض مع سياسة المملكة ومبادئها المذهبية، رغم انفتاحها الظاهر على الثقافة العربية،  أقول هذا الكلام من منطلق كون أنّ هذه المجلة قد فتحت في البداية صفحاتها أمام كتابات الأديب رضا حوحو لمّا كانت لا تتعارض ومبادئها لكنها سرعان ما سدّت أبوابها في وجه كتاباته المنادية بحرية المرأة والمُعَرِّفة بالآداب الأجنبية، وهو ما جعل رضا حوحو يخيب ظنه فيها وربّما يعجّل بتفكيره في العودة إلى الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية ، كما لم تجد روايته الأولى « غادة أمّ القرى « الاستقبال المناسب للتجربة الرائدة للأديب رضا حوحو في عالم الرواية من طرف النقاد في الحجاز وخاصة إهداءه المثير القائل فيه :» إلى تلك المخلوقة البائسة المُهملة في هذا الوجود ، إلى المرأة الجزائرية أقدّم هذه القصة تعزية وسلوى «؛ كما لم تجد مجموعته القصصية « صاحبة الوحي « والتي من ضمنها قصّته المثير « خولة «؛ وهي المجموعة القصصية التي تعالج ما يعانيه الشباب من حرمان من الحب وبرودة في العلاقات الاجتماعية واحتقار للمرأة ومكانتها في المجتمع، لذا لم تلق هذه المجموعة القصصية الاستحسان النقدي اللاّئق؛ فروايته الرائدة « غادة أمّ القرى» التي يمكن تطبيق محتواها عن وضعية المرأة في كامل الأقطار العربية وبخاصة في السعودية التي كانت تعتبر المرأة آنذاك من سِقط المتاع ، فهي رواية تعتبر مُحصلة مشاهدات الأديب في الفترة التي قضّاها في أرض الحجاز والتي تمتد من 1935 إلى 1946 . وهي مدّة كافية لتجعل الأديب المنحاز لضرورة تحرير المرأة العربية لكونها المُعوّل عليها في إنجاب رجال المستقبل، أن تتشكل لديه تلك الرؤية المأساوية التي تعيشها المرأة في المجتمعات العربية ، وبالتالي رأى الأديب رضا حوحو ضرورة تحريك أفكار المثقفين العرب من أجل المناداة بضرورة تحرير نصف المجتمعات العربية المكبّلة بالتخلف والجهالة والحرمان من أبسط الحقوق الشرعية والوضعية.

ما تميّز به أدب رضا حوحو

ذكر المرحوم الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه « دراسات في الأدب الجزائري الحديث « ما يميز أدب رضا حوحو، من بين ما يميّزه هو السخرية والواقعية» المستمدّة من الحياة ، ولعلّ هذه السمة مردّها إلى قراءات راسخة في ذهن رضا حوحو منذ مقامه بالحجاز وزيارته إلى مصر، فقد عرف عن رضا حوحو ولعه بأدب مدرسة الديوان ، وعلى وجه الخصوص أدب أحد روادها وهو عبد القادر المازني الذي يعتبر رائد الأدب الساخر في الحركة الأدبية الطلائعية العربية، وقد كان لرضا حوحو اهتمام خاص بأدب المازني، بل وضع من حوله دراسات في سلسلته المنشورة في مجلة « المنهل « تحت عنوان « في الميزان « تؤكد إعجابه الكبير بهذا الأديب الساخر، ومن هناك  فقد اتسمت أدبيات رضا حوحو بالسخرية والواقعية والحوارية الجذّابة التي تعيد تصدير الواقع في  حلّة من الطرافة يطوعها لرسم الواقع المرير، والتخلف المقيت جرّاء ما لحق بالجزائر من ظلم المستعمر الفرنسي، وجريرته في سبب التخلف الذي يعاني منه المجتمع الجزائري وهو ما دفع الدكتور سعد الله للقول :» إنّ ما لفت نظري في أدب حوحو ظاهرتان هامتان: الأولى السخرية والثانية براعة الحوار ؛ فالسخرية ظاهرة شائعة في جميع آثاره حتّى الجاد منها، يلتجئ إليها للتعبير عن خلجات نفسه وآرائه وشؤون الحياة، وليس غريبا أن يعمد حوحو إلى هذا الأسلوب في مجتمع كالمجتمع الجزائري ... وعندي أنّ حوحو لو امتهن الرسم لكان من أبرع الرسامين في الكاريكاتير» ..

ونلحظ في كتابات الأديب رضا حوحو تمجيد للعصامية ولعلها السمة التي تمثل شخصيته بمختلف أبعادها الفكرية والجمالية ؛ فالأديب رضا حوحو ليس له من الرصيد التعليمي في حياته الأولى سوى النزر القليل فمعارفه في اللغة العربية لم تتجاوز حدود قريته ، ومعارفه بالفرنسية كانت حدودها عند عتبات إكمالية سكيكدة لكن رضا حوحو المسكون بحب المعرفة والإبداع سخر ذاك الرصيد المعرفي المتواضع ليشق به عباب المعرفة من بوابتين كبيرتين هما : بوّابة الثقافة العربية وما تزخر به من رصيد معرفي هائل وبوّابة الثقافة الفرنسية وما تعجُّ به من خلاصات فكرية للحضارة الغربية الممهورة بالتنوّع والتجديد المستمر ؛ لقد استفاد رضا حوحو من اللغة الفرنسية وولج من خلالها إلى أمهات الأعمال الروائية والشعرية والمسرحية ، ومنها كان ولوجه المبكر لعالم الرواية والقصة القصيرة وعالم المسرح والاقتباس فخرج على المثقفين بالحجاز بما لم يسبق لهم أن عرفوه، ومكنهم من إثراء الثقافة العربية بأطياف إبداعية من نوع جديد فكان مطلع الخمسينيات من القرن العشرين يشهد له بتحفيز المبدعين العرب على ركوب أنماط إبداعية جديدة في عالم السرديات الدخيلة على الثقافة العربية وهو ما يقرهُ بعض النقاد السعوديين لجهود رضا حوحو الإبداعية .

إنّ سرديات رضا حوحو كانت فتحا جديدا بالنسبة لكتاب الحجاز ، كما كانت موضوعاته بمثابة المنبه المبكر لرؤية جديدة إلى ما يجب الاهتمام به كموضوعات المرأة وما ينجر عن غيابها وإقصائها من خطر على المجتمعات العربية ، كما كانت دعوته للتفتح على الآخر والاهتمام بما يبدعه ضرورة تساعد على إثراء محصول الثقافة العربية ، فكانت الترجمة والاقتباس من المسائل التي حثّ على ضرورة الاهتمام بهما من أجل إقلاع إبداعي جديد . أمّا المسرح والفنون المتعلقة بهذا النوع من الإبداع فقد كانت من الضرورات التي جعلته يُعجّل بظهور « المزهر القسنطيني»  الذي يعكس مدى الاهتمام الذي يوليه رضا حوحو للتمثيل والموسيقى والثقافة الشعبية كأوجه تعبيرية تفتقر إليها  الثقافة العربية  وهي في أمسِّ الحاجة إليها نظرا لأوضاع التخلف الذي تعاني منه ، فلم ير الأديب رضا حوحو وهو العضو النشيط في جمعية العلماء المسلمين من ممارسة الفنّ المسرحي تمثيلا وكتابة، كما لم ير في ممارسة الفن الغنائي حرجا لتنمية الشعور بتلك الحساسية التي لا تُدرك إلاّ من خلال الأوتار والمعازف ؛ كان المزهر القسنطيني حلقة مفتوحة على الطرب وتنقية النفس من شوائب التخلف والجفاء .
يمكن القول إنّ رضا حوحو قد طور برنامج جمعية العلماء المسلمين الذي كان موقوفا عند عتبات برنامجها التقليدي الثلاثي الأبعاد: الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا ... لقد عرف هذا الشعار مع الأديب رضا حوحو وثبة نوعية نحو الأمام لذا أدخل ضمن محاوره السرديات بمختلف أشكالها الروائية والقصصية والمسرحية والمقالات النقدية المُفعمة بالسخرية والنقد الاجتماعي الهادف . فصارت جمعية العلماء بعد ما كانت جمعية تعليمية تهذيبية كما يعرفها الشيخ البشير الإبراهيمي، جمعية طليعية تمارس الفنّ الهادف والنقد البناء وتعد بآفاق مفتوحة على الآخر وعلى المستقبل الأفضل لذا كان الأديب رضا حوحو خير ممثل للصوت الجزائري الذي يعاني الاضطهاد والقهر حين شارك في المؤتمر العالمي للسلام الذي انتظم بباريس عام 1949 قال فيه :» ... إنّ الجزائر تتجرّع كلّ يوم ويلات الحرب بشتى الوسائل برغم تطلعها إلى السلام، وإنّها لا تريد أن ترى دماء أبنائها تسيل منهمرة ، لا تريد أن تخضع لليأس، وألاَّ ترى دموع الثكالى ودموع الأيامى ودموع اليتامى تسيل من أجل تضخيم ثروة الأثرياء – تجار السلاح – وتوسيع أراضي المستعمرين؛ إنّ الجزائر لا تحتجُّ على الحلف الأطلسي فحسب وإنّما ترفضه رفضا باتًا .. إنّ الجزائر تريد الحرية والسلام لجميع الشعوب ، فلا غرابة في أن تريد الحرية  والسلام لنفسها، فهي تمدُّ يدها لكلّ من يريد لها أن تعيش حرّة آمنة «.
إنّ التزام رضا حوحو المبدئي مع قضية الجزائر وشعبها جعله يصنّف على رأس قائمة أعداء فرنسا الاستعمارية ، وبلغ الحدُّ بالسلطات الاستعمارية الفرنسية القمعية أن حمّلته المسؤولية الكاملة على كل ما من شأنه أن يعكر صفو أمنها في مدينة كقسنطينة مستقر الأديب ومعقل الفداء والفدائيين ، ومثل هذا التهديد المباشر لم يوجه لمثقف قبله ولا بعده في تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر إذ يقول رفيق دربه المرحوم الشيخ حماني « ... كان مراقبا وتحوم حوله شكوك السلطة الاستعمارية فاعتقل في أوائل 1956 وعذّب تعذيبا مُنكرا ، ثمّ هُدّدَ تهديدا صريحا بأنّ الشرطة الاستعمارية ستعتبره مسؤولا عن أيِّ حادث يحدث بمدينة قسنطينة ، وأنّ جزاءه سيكون حينئذ الإعدام « ولم تمض إلاّ أياما معدودات حتّى حدث ما كان متوقعا ، فألقت الشرطة الاستعمارية القبض على الأديب الذي لم يكن يحمل بندقية ولا مسدسا ولا قنبلة بل كان سلاحه قلمه وفكره الرافض للقمع الاستعماري بشتى أنواعه ، ونُفّذ الاعدام الجبان في شهيد القلم من طرف الاستعمار الفرنسي في 29 من شهر مارس 1956 بعد أنواع من التعذيب التي لا توصف والتي جعلت بعضهم يذكر أنّ جسمه النحيل ، جسم المثقف المسالم قد نُشِر بالمناشير وقطع إربا إربا، وهيل عليه التراب حتّى لا يعرف الخلق مثواه الأخير إلى يومنا هذا من شهر 2021.

رحم الله شهيد الواجب والكلمة أديبنا الرائع أحمد رضا حوحو ..

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.