الفقيه أبو علي المسيلي (أبو حامد الصغير)
د. بعلي زوبير –
كانت المسيلة كغيرها من حواضر العالم الإسلامي منارة للعلم والعلماء في العصر الوسيط أنجبت الكثير من العلماء سواء كان أصل هؤلاء العلماء منها وولدوا بها أم استوطنوها ودرسوا بها من أمثال عائلة المقري وعائلة المرازقة العجيسيين، وابن رشيق المسيلي، وأبو علي المسيلي وغيرهم كثير.
ولا ندري لم لم تحظ المسيلة بنصيب وافر من الدراسة التاريخية خاصة في الجوانب الحضارية والعلمية مثلما حظيت به مثيلاتها من الحواضر الإسلامية كتلمسان وفاس وقرطبة رغم أنها كانت رافدا من روافد العلم تجود بالعلماء والنوابغ إلى بقية الحواضر الإسلامية الأخرى،فمن علماء المسيلة من كان قاضيا بفاس ومنها من كان عالما بتلمسان ومنها من كان مشاورا في الأحكام بقرطبة،سؤال يطرح بإلحاح ويبحث له عن إجابة؟.
وقد أردنا في هذه السلسلة عرض بعض السِّير العلمية للجهابذة الذين جادت بهم المنطقة في العصر الوسيط خاصة والذين تزخر بهم كتب التراجم والطبقات ككتاب الصلة لابن بشكوال، وتاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس لابن الفرضي، وعنوان الدراية للغبريني، وشذرات الذهب لابن العماد، وغيرهم، أوكتب التاريخ والأدب كالنفح للمقري والعبر لابن خلدون، أو الفهارس والأثبات والبرامج كثبت الوادي آشي، وفهرسة ابن غازي المكناسي، وكتاب الغنية للقاضي عياض في بيان شيوخه.
ولعل من بين أعظم هؤلاء العلماء العلامة العالم العامل المجتهد أبو علي حسن بن علي بن محمد المسيلي.
نشأتـه وشيـوخه:
لا تذكر المصادر فهرسة شيوخ أبي علي المسيلي ولا تاريخ ولادته ولكنها تذكربأنه عاش في فترة زاخرة بالعلماء من أبناء عصره، فالغبريني يذكر أنه عاصر ببجاية أبا محمد عبد الحق الاشبيلي صاحب الأحكام الكبرى والأحكام الصغرى، وأبا عبد الله محمد بن ابراهيم الوغليسي صاحب «الوغليسية»، والأستاذ أبا زيد عبد الرحمان بن الحجري.
كما تذكر أنّ أبا علي المسيلي التقى بسيدي أبي مدين شعيب الرجل الصوفي حيث كان يجتمع به هو والإمام عبد الحق الاشبيلي في أحد مساجد بجاية يتذاكرون الفقه والتصوّف.
هذا وقد تعددت مجالس ولقاءات المسيلي وعبد الحق الاشبيلي العلمية فقد كانا يجتمعان أيضا مع الفقيه عبد الله بن محمد القرشي للحديث، وكانوا كثيرا ما يجلسون بالحانوت الذي بطرف حارة المقدسي، وكان هذا الحانوت يسمى مدينة العلم لاجتماع الثلاثة الكبار فيه.
مــؤلفـــاتـــه:
– التذكرة في أصول علوم الدين
–النبـراس في الرد على منكر القياس،يرد فيه على ابن حزم وابن حزم هو من هو في الحجاج، مما يدل على أن أبا علي المسيلي كان يضاهيه أو يفوقه ولا ندري لِمَ لم يحظ أبو علي بمثل ما حظي به ابن حزم من كتابات، وهل ضاع كتابه «النبراس»، أم هو في حكم المفقود أم أنه يئن تحت وطأة النسيان في خزينة من خزائن المخطوطات سؤال يطرح نفسه بإلحاح يبحث له عن إجابة؟
–كتاب في التذكير سماه: «التفكر فيما تشتمل عليه الآيات من المبادئ والغايات» سلك فيه مسلك أبي حامد في الإحياء ولهذا لقب به.
قضــاؤه وثنـــاء العلمـــاء عليـــه:
ولي قضاء بجاية، ثم تفرّغ للفتيا والتدريس بالمسجد الأعظم ببجاية، وكان من تواضعه رغم تفرّده يقول عن نفسه: «أدركت ببجاية تسعين مفتيا، ما منهم من يعرف الحسن بن علي من يكون» كان يقول هذا تواضعا منه حين يشار إليه بالتفرد والتوحد في العلم.
وقد أثنى على المسيلي غير ما واحد من العلماء، فقد كان يكنى «أبا حامد الصغير» وهذه الكنية تدل على طول باعه في العلم وسعة اطلاعه وجمعه بين الفقه والتصوف وعلمي المنقول والمعقول كحجة الإسلام أبي حامد الغزالي-رحمه الله-
ووصفه الغبريني بالعالم العامل المجتهد، الذي جمع بين العلم والعمل والورع، وجمع بين علم الظاهر والباطن. كما وصفه ابن قنفذ بالقاضي الشهير العدل، ذو الدّين والزهد واتباع السلف.
تـــلامــذتــــه:
لا تكاد تذكر المصادر تلامذته ومن أخذ عليه ولكنّ نصا للغبريني ذكر فيه سلسلة شيوخه وسنده إلى أبي علي المسيلي يفهم منه أنّ من تلامذته الذين قرؤوا عليه و أخذوا عنه أبو عبد الله بن حماد صاحب كتاب «النبذ المحتاجة في أخبار صنهاجة».
كما كان لأبي علي حفيد قاضٍ وفقيه، فقد ذكر الغبريني أن أبا علي لما مرض ولى مكانه حفيده على الأحكام فلا بد من أنه كان عالما قاضيا فقيها وإلا فكيف يوليه، وقد وصفه الغبريني بالنُبل،غير أن المصادر لا تذكر اسمه.
وفاتـه:
توفي أبو علي المسيلي حوالي سنة 580 هجرية، ودفن بمقبرة باب أمسيون -رحمه اللّه-.
* د. بعلي زوبير: دكتور في التاريخ الاسلامي