مدرسة الرجاء بالمسيلة.. يوم انتصرت جمعية العلماء على المستعمر
بقلم: الطيب بوداود-
تعد مدرسة الرجاء التاريخية بحي الكوش العتيق وسط مدينة المسيلة صرحا علمي بامتياز، كانت من ورائه جمعية العلماء المسلمين بالتعاون مع سكان مدينة المسيلة سنة 1953، وهو المشروع الذي استهدف وقتها مواجهة مخططات الاستدمار الفرنسي ومشاريعه الرامية إلى نشر الجهل والأمية ودك كل أسباب الوعي.
قصة مدرسة الرجاء التاريخية التي بنيت سنة 1953 بقلب مدينة المسيلة تحكيها عشرات الوثائق، إن لم نقل المئات التي كشفت عنها إدارة المدرسة للشروق، حيث فتحت أرشيفها أمامنا والذي تضمن أرقاما وبيانات وحقائق تلخص اللحظة التي تشابكت فيها إرادة السكان وتطلعات جمعية العلماء المسلمين، بغرض نشر التعليم والثقافة، بعد أن أغلقت سلطات الاحتلال أغلب فضاءات العلم وأحكمت قبضتها على ذلك، حيث لم يسلم من سياسة الغلق هذه يقول بعض المختصين سوى العدد القليل من الكتاتيب القرآنية ببعض البيوت لأنها كانت تنشط خفية تجنبا لبطش الاستعمار، بل ما كان متاحا هو التعليم الذي تقتضيه وتقرره إرادة المستعمر الفرنسي ففي خضم هذه السياسة الممنهجة النابعة من إرادة استعمارية جادة غير هازلة يضيف من تحدثوا إلينا، كانت جمعية العلماء قطعت شوطا في بناء عدد من المدارس ودور العلم وفق استراتيجية معينة، ومن هذا المنطلق برزت فكرة بناء مدرسة بمدينة المسيلة، بعد أن لمست الجمعية رغبة وتطلعا من قبل السكان الذين استعجلوا الأمر واعتبروه نقطة تحول حقيقية.
وهذا ليس بالغريب على المنطقة فهي الغنية بأعلامها وأدبائها ومصلحيها، حيث مهدت اللقاءات التي أجراها الشيخ نعيم النعيمي أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مع عدد من سكان مدينة المسيلة أثناء تواجده بها خلال شهر رمضان آنذاك إلى فكرة بناء مدرسة، فأرشيف الرجاء، يشير إلى أن الشيخ كان يجري لقاءاته أثناء وبعد صلاة التراويح حاثا السكان على ضرورة بناء مدرسة لتدريس أبنائهم كوسيلة فعالة لإحباط مخططات الاستعمار الفرنسي، وهي الفكرة التي وجدت التربة الخصبة يقول ممن تحدثوا إلينا، إذ سارع الجميع إلى المساهمة في إنجازها وكانت البداية بقطعة الأرض التي تنازلت عنها إحدى العائلات بحي الكوش وجعلتها وقفا وهذا طبقا لعقد موثق بالطريقة التي كانت حينها، وهناك من جلب الأبواب المنقوشة كما تشير بعض الوثائق والنوافذ وبدأت مواد البناء تجمع من هنا وهناك من قبل السكان، ومما تجدر إليه الإشارة أن جميع المواد والأشياء التي تم جلبها وثقت في أوراق على شكل فواتير، وكتبت بالأقلام وبعضها بالحبر الذي يصنع من مادة الصوف “الصمغ” والصور التي تمكنا من التقطاها على بعض الوثائق تحكي قصة بناء مدرسة الرجاء، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرص الأشخاص الذين أشرفوا على بناء المدرسة على تقييد كل كبيرة وصغيرة وتدوينها في أوراق، لا تزال موجودة حتى اليوم بعضها عمره أكثر من 50 سنة، وبمجرد أن بنيت المدرسة تهافت عليها طلاب من كل أنحاء المدينة بإدارة ساعدتها جمعية محلية تأسست لذات الغرض مكونة من كبار أبناء بلدة المسيلة آنذاك.
المدرسة تتحول إلى ثكنة للمظليين
وبحكم أن المدرسة تحولت إلى فضاء استقطب العشرات من أبناء المنطقة رأت سلطات الاحتلال الفرنسي في نشاط مدرسة الرجاء خطرا عليها وعلى سياستها الرامية إلى إبعاد المجتمع الجزائري عن التعليم الهادف إلى المحافظة على الشخصية الوطنية الجزائرية ومحاربة مخططات الاستعمار الفرنسي الرامية إلى طمس معالم تلك الشخصية، في ظل هذا الشعور الاستعماري قامت سلطات الاحتلال بغلق مدرسة الرجاء وتحويلها إلى ثكنة عسكرية خاصة بقوات المظليين حسب شهادة البعض وكان ذلك سنة 1958 واستمر هذا الوضع إلى غاية الاستقلال، حيث في17 أكتوبر 1962 قام الشيخ الديلمي جدي أحد تلاميذ وأبناء جمعية العلماء المسلمين بفتح أبواب مدرسة الرجاء لكنه واجه بعض الصعوبـــات، فاتصل بالشيخ أحمد حماني وتم تعيينه بصفة رسمية مع بداية 01 جانفي 1963 مشرفا ومدرسا إلى غاية صدور المرسوم المتضمن توحيد البرامج بين المدارس الابتدائية ومدارس التعليم العـام من جهة، والمدارس التي كانت تابعة لجمعية العلماء الجزائريين والمصادق عليها من جهة أخرى. ومن الأرشيف المطلع عليه في هذا الصدد، كيف أن الإدارة كانت توثق دخول المعلمين والمدرسين وكيف كانت تدفع أجورهم ومستحقاتهم وكانت وفاة الشيخ الديلمي المدعو “زقود” أول مدير لمدرسة الرجاء 4 ماي سنة 1993 وعمره 85 سنة وتداول على المدرسة التاريخية عدد من المعلمين والمديرين حيث شهدت مؤخرا عملية إصلاح وترميم استهدفت مدخلها الرئيس وساحتها وحجراتها لتبقى الرجاء رسالة ماثلة لما قدمته جمعية العلماء للجزائر عامة وأبناء المسيلة خاصة.
المصدر: الشروق اليومي