موقف أحمد توفيق المدني من مؤتمر الصومام
بقلم: طارق عزيز فرحاني-
إن فكرة عقد مؤتمر وطني بشأن تنظيم الثورة التحريرية، كانت فكرة مجموعة الستة المفجرة للثورة التحريرية، في آخر إجتماع لهم في الجزائر العاصمة بتاريخ 23 أكتوبر 1954م ونظرا للظروف الصعبة التي مرت بها الثورة تأجل هذا العمل، لكن هذه الفكرة تم طرحها من جديد من طرف زيغود يوسف سنة 1955م وسعى إلى تحقيقها، حيث قام بإعداد رسالة شاملة يقترح فيها عقد مؤتمر وطني تحضره مختلف المناطق، واقترح منطقة شبه جزيرة القل لاحتضانه، ولكن في الأخير تم الاتفاق على أن يكون ذلك في منطقة الصومام بالمنطقة الثالثة ، وهو ما حدث فعلا بمنطقة إيفري ببجاية في 20 أوت 1956م.
لمحة عن حياة الأستاذ أحمد توفيق المدني:
هو أحمد توفيق بن محمد بن احمد الغرناطي الجزائري، وزير جزائري ومؤرخ، من مواليد 24 جمادى الثانية 1899م، ولد في تونس. وهو من عائلة محمد بن أحمد هو والد المؤرخ أحمد المدني وقد ولد في الجزائر وتلقى علومه على يد علماء ومدرسين في الجامع الكبير، أما جده فهو أحمد بن محمد (القبي الغرناطي الشريف) كان من الأمناء بالجزائر.
بعد احتلال الفرنسيين للجزائر قام أحمد بن محمد (جده) باصطحاب عائلته من الجزائر إلى تونس وأستقر بمدينه تدعى جرجرة حتى عام (1870م)، فقامت الثورة بقيادة الشيخ الحداد والمقداني وقد قام كل من الجد والأب بمشاركة الثورة حتى انتهت الثورة بسبب الأساليب الوحشية التي كان يستخدمها الفرنسيين، وانتهى بهم المطاف إلى أن أصبحوا لاجئين في تونس. وكانت بدايات أحمد توفيق في تونس حيث دخل الكتاتيب وهو في الخامسة من عمره، وفي عام (1909م) انتقل أحمد توفيق إلى مدارس الأهلية القرآنية، وفي عام (1913م) التحق بجامعة الزيتونة بالجامع الأعظم وكان أحمد من محبّي الدّراسة وخصوصاً التاريخ.
بدأ أحمد نضاله مبكراً في تونس حيث بدأ في عام(1918م) في أحداث الحرب العالمية الأولى إذ كوّن هو ورفاقه الطلاب خلية للمشاركة بثوره ضد الاحتلال الفرنسي ، وقد تم القبض عليه في عام (1915م) ، وقد أدخل السجن حتى عام (1918م) وقد تعرّف المؤرّخ أثناء نضاله على عبد العزيز الثعالبي زعيم الحركة الوطنية من أصل جزائري ، وكان أحمد توفيق من مؤسّسي الحزب الدّستوري التّونسي وقد تم تعيينه أمين عام مساعد للقلم العربي ، ولكن لم يدم الأمر طويلاً حتى انهار الحزب على يد الاستعمار الفرنسي وقد قاموا باستبعاد أحمد توفيق من تونس إلى بلده الجزائر وحصل هذا في عام 1925م.
في عام (1926م) تأسّس نادي الترقّي على يد مجموعة من المثقفين ومنهم أحمد توفيق وعمر الموهوب وآخرين، وكان من فعاليّات النّادي الحفلات وإلقاء المحاضرات والمسامرات والتقاء المثقفين من جميع أنحاء الوطن العربي. وفي مقر نادي الترقي تكونت اللجنة التحضيرية لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان كاتب هذه الجنة هو أحمد توفيق المدني ورئيسها عمر إسماعيل. فتأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في05 ماي سنة 1931 م وكان لأحمد توفيق المدني دور هام في تشكيلها وتنظيمها، فتقلد منصب أمينها العام، ورئيس تحرير جريدة البصائر لسان حالها إلى غاية سنة 1956 م. كما كان قد انضم إلى فريق تحرير جريدة الشهاب لصاحبها عبد الحميد بن باديس.
في سنة 1956 م، سافر مع رفيقه الشيخ عباس بن الشيخ الحسين إلى القاهرة حيث كان يقيم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي فأعلنوا رسميا انضمام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بجبهة التحرير الوطني والتحاقها بصفة تامة بالثورة الجزائرية. فعين عضواً في الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، وعضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ثم صار عضواً في الحكومة المؤقتة، حيث أسندت إليه حينئذ وزارة الشؤون الثقافية في تشكيلتها الأولى.
وعند استقلال الجزائر عيّن أحمد توفيق وزير للأوقاف والشؤون الدينيّة في الجزائر وعين سفير ووزير في أكثر من بلد إسلامي. وتوفي أحمد توفيق المدني في الجزائر بتاريخ 12 أكتوبر 1983م.
أعمال الأستاذ أحمد توفيق المدني:
كتب الأستاذ أحمد توفيق المدني عدة مقالات بمختلف جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كالبصائر والشهاب وألف أيضا مجموعة من الكتب التاريخية وأهم أعماله نذكر:
مذكرات الحاج أحمد شريف الزهار (تحقيق). المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1985 م.
حياة كفاح (مذكرات). المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1988 م، 3 أجزاء.
حرب الثلاثمئة سنة بين الجزائر وإسبانية. المؤسسة الوطنية للطباعة، الجزائر، 1984م، ط 3.
محمد عثمان باشا داي الجزائر 1766 -1791: سيرته، حروبه، أعماله، نظام الدولة والحياة العامة في عهده. المكتبة المصرية، القاهرة، 1937م.
تقويم المنصور، وقد قام الاحتلال الفرنسي بمصادرته يوم 24 رجب 1344 / 8فبراير 1926 م ومنع تداوله في جميع بلدان المغرب الإسلامي.
كتاب الجزائر: تاريخ الجزائر إلى يومنا هذا وجغرافيتها الطبيعية والسياسية وعناصر سكانها. المطبعة العربية، 1931م.
هذه هي الجزائر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1956 م.
المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا. مكتبة الاستقامة، تونس، 1365، ط 01.
موقفه من مؤتمر الصومام:
بشأن المؤتمر يذكر أحمد توفيق المدني “اجتمع رجال الثورة الجزائرية تحت خطر عظيم واخترقوا صفوف الأعداء الساهرين …. وأخرجوا الثورة الجزائرية منذ ذلك اليوم من عهد يمكن أن يوصف بشيء من الارتباك في القيادة والاضطراب في السياسة إلى عهد نظام واستقرار ووحدة وتحديد المسؤولية ….”.
وكذلك يرى المدني أن المؤتمر نبذ بشكل صريح السلطة الفردية على جميع المستويات من خلال القرارات التي تمخضت عنه، فعمل على ترسيخ مبدأ القيادة الجماعية، وهذا لقناعاتهم الشديد بأن الإرادة الجماعية تجنب الوقوع في الأخطاء في الأخطاء الشخصية والزعامات الفردية، ويؤكد المدني ذلك بقوله ” منذ تلك الساعة أصبحنا نعرف من المسؤول …. فالجميع خضع لسلطة مركزية واحدة وأصبحنا في القاهرة نعلم من نحن …. ونعلم ماهي وظيفتنا ونعرف خصوصا لمن نحن تابعون، ووضحت أمامنا معالم الطريق.
غير أن هناك رأي مخالف عما ذهب إليه المدني بشأن مؤتمر الصومام، ويتجسد ذلك الرأي في نظرة أحمد بن بلة، الذي اعتبر أن المؤتمر طعنة في خاصرة الثورة الجزائرية، وذلك راجع لمشكل التمثيل الذي طرح العديد من الاستفهامات، حيث يذكر بن بلة ” كنت أعتقد أن الثورة ضاعت، وكتبت للجماعة في داخل الجزائر طلبت منهم ألا يعلنوا هذه المقررات، لأن الاجتماع لم يضم جميع الولايات …. وأعتقد أن مؤتمر الصومام كان هدفه سحب البساط من أقدامنا لذا أستطيع أن أقول إن المؤتمر كان بداية انحراف للثورة الجزائرية.
ولإبراز موضع الخلافات ذكر الأستاذ أحمد توفيق المدني قائلا: نحن أولوية السياسي على العسكري، وفي مراكز القيادة يتعين على القائد العسكري السياسي أن يسهر على حفظ التوازن بين جميع فروع الثورة ” وبسبب تداخل العمل السياسي والعسكري وصعوبة الفصل بينهما يذكر سعد دحلب (إن مشكلتنا كانت سياسة وعلى ضوء الأهداف السياسية، كان دوما يواصل أن يوقف العمل العسكري مما يثبت مرة أخرى الحقيقة في أن رئيس الولاية كان سياسيا عسكريا، ومن هنا فلم يكن لهذا النزاع الوهمي أن يوجد).
في حين أن بعض العسكريين ذهبوا بعيدا بشأن هذا المبدأ وعلى رأسهم علي الكافي الذي يرى بأن الذين سعوا إلى تكريسه، كان هدفهم الأول والأخير هو القضاء على الثوريين الحقيقيين وفي طليعتهم جيش التحرير، وتكريس فكرة التفاوض، مع العلم أن عبان رمضان هو الذي اقترح فرحات عباس والشيخ عباس بن الشيخ الحسين عضوين في المجلس الوطني للثورة ويضيف بأن غطاء عناصر من هذا التيار استعملت غطاء الوحدة الوطنية، سعيا لاستقطاب ساسة محترفين من مختلف التيارات، وبالتالي العودة تدريجيا إلى الكفاح السياسي ومواصلة طريق التفاوض.
ونظرا لهذا التباين في الآراء حول المبادئ الهامة التي وضعها المؤتمر يتضح من خلال ما ذكره المدني، أن كل هذه المبادئ لم تكن إلا منطلقة من صميم واقع الثورة الجزائرية، إذ أن الحكم الفردي وعبادة الشخصية قد تم رفضها أما أولوية القيادة السياسية على العسكرية فإن الثورة ذات أهداف سياسية واضحة، والعمل العسكري غايته تقريب الهدف السياسي، وأولوية الداخل على الخارج يؤكد على أن الثورة الجزائرية تعتمد على نفسها بالدرجة الأولى، وأما الكفاح المسلح داخل الجزائر وحده كفيل بتحرير البلاد.
كما عرج المدني إلى ذكر الحالة السياسية الراهنة التي نوه من خلالها بنشاط جيش التحرير الوطني كما جاء على لسانه قائلا: (فمن الأمور التي لا يذكرها أحد أن نشاط جيش التحرير الوطني قد قلب الجو السياسي في الجزائر). ومن خلال ذلك يتضح أن الوثيقة السياسية لمؤتمر الصومام كانت بمثابة الدستور الذي نظم شؤون الشعب وثورته وضبط الساسة الداخلية والخارجية لجبهة التحرير الوطني، وساهم في تدويل القضية الوطنية لكسب الاعتراف الدولي بها.
يتضح مما تقدم أن مؤتمر الصومام بالنسبة للأستاذ أحمد توفيق المدني، كان ضرورة لتقييم ووضع الخطوط العريضة لمواصلة الكفاح المسلح، والتخطيط للحل السلمي من أجل استرجاع السيادة الوطنية، كما كان اجراء حتميا لتزويد الثورة بقيادة وطنية موحدة، وتوحيد النظام العسكري، وتحديد المنطلقات التي تتحكم في مسار المعركة وتوجيهها، وبهذا استطاعت الثورة الجزائرية من خلال مؤتمر الصومام أن تشرع ميثاقا حقيقيا بغض النظر عما نتج عنه من تداعيات وتباين في المواقف.