أبو إسحاق إبراهيم أطفيش الأديب الإعلامي المناضل
بقلم: محمد الطيب-
الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف أطفيش، رجل دين وأديب وفقيه إباضي، من كبار العاملين في سبيل وحدة المسلمين كما في تعبير بعض من ترجموا له.
ولد في بني يزقن بوادي ميزاب بغرداية في 1888م (1305هـ)، في أحضان عائلة كريمة متدينة، أنجبت للعالم الإسلامي عالما فذا من علماء الجزائر، وهو عمه قطب الأئمة الحاج أمحمد بن يوسف أطفيش (ت:1914م)، أتم أبو إسحاق حفظ القرآن في الحادية عشرة من عمره، ثم أخذ مبادئ العلوم العربية والشرعية على يد عمه في مسقط رأسه، ثم عن المصلح العالم المجاوي بالعاصمة، في 1917 توجه إلى تونس ضمن بعثة علمية، فالتحق بجامع الزيتونة، وكان مثار إعجاب مشايخه، ذكاء وأخلاقا وسعة علم، وما لبث أن استهوته السياسة بأجوائها الحماسية الوطنية، فأصبح عضوا بارزا في حزب الدستور التونسي بزعامة عبد العزيز الثعالبي صحبة زملائه في البعثة أبي اليقظان، ومحمد الثميني، وصالح بن يحي، عُرف بنشاطه وبكرهه الشديد للمستعمر الذي نفاه إلى تونس، وما لبث أن تقرر نفيه، فاختار مصر التي وصلها في فيفري 1923، وهي نفس الفترة التي نفي فيها كل من الأمير خالد بن عبد القادر، وعبد العزيز الثعالبي الذين تربطهما به روابط العمل الوطني.
في مصر تزوج "سبيعة" بنت المفكر والكاتب قاسم بن سعيد الشماخي، أَنجب منها أبنائه الخمسة وأُختا لهم، وقد قضت زوجته آخر أيامها في ميزاب بعد وفاة زوجها، ودفنت هناك، في القاهرة نشط في السياسة والفكر وقام بأعمال جليلة في الصحافة، وتحقيق التراث، والتأليف، إلى جانب نشاطه الاجتماعي مع الجمعيات الخيرية ذات التوجه الإصلاحي الإسلامي، أصدر وترأس تحرير مجلة المنهاج ما بين (1925-1930)، فكانت تنشر مقالات لكتاب عرفوا بعدائهم الصريح للاستعمار الغربي، وتكشف عن مخططات الإنجليز والفرنسيين الاستيطانية في الحجاز والمغرب العربي بأسلوب تحليلي عميق، وكانت ترد على مقالات التغريبيين المعجبين بالمدنية الغربية، المشككين في ثراء الحضارة الإسلامية، وقدرتها على التطور، ومن ثم فإنها منعت من دخول كثير من البلاد العربية والإسلامية، وما لبثت بعد مضايقات أن توقفت، فأسند رخصة صدورها في 1931 إلى زميله محب الدين الخطيب، فصدرت في شكل جريدة (المنهاج)، بعدها أسس مع صديقه الخضر حسين جمعية الهداية الإسلامية، في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات أصبح عضوا فعالا في جمعية تعاون جاليات شمال أفريقية، والمؤتمر الإسلامي المنعقد بالقدس سنة 1930، وكان عضوا نشيطا في مكتب إمامة عمان بالقاهرة، إذ أسند إليه الإمام غالب بن علي التعريف بالقضية في المحافل الدولية، والجامعة العربية، وسافر من أجل ذلك إلى أمريكا ناطقا رسميا في الأمم المتحدة، وفي جوان 1940 أسندت إليه وزارة الداخلية المصرية مهمة الإشراف على قسم التصحيح بدار الكتب المصرية، فقام بـ "تحقيق وتصحيح أجزاء من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، أجزاء من نهاية الأرب، وغيرها.."، وكان هناك مرجع الفتوى في العلوم الشرعية واللغوية، كما شارك في تحرير مادة الموسوعة الفقهية، خاصة ما تعلق بالمذهب الإباضي، فتألق بين زملائه، وعرف بينهم بغزارة العلم، ودقة التحقيق، والإخلاص في العمل، كما اشتهر بينهم بقوة عارضته إذا حاجج، ورحابة صدره إذا نوقش، ورسوخ قدمه في مجالي الشريعة وعلوم اللغة إذا استفتي أو استشير، ولعل ما بهر به المصريين فعلا هو إخلاصه النادر لعمله ما يقرب لأربعين سنة كان فيها مثالا للجد والمثابرة والتفاني، واكتسب من أجل ذلك صداقة فطاحل علماءها كـ مصطفى المراغي شيخ جامع الأزهر، ومحمد أبو زهرة، ومحمد علي النجار، ومحمد سلام مذكور، ومصطفى عبد الرزاق، ومنصور فهمي.."، إن وجوده هناك أفاد القضية الجزائرية، فقد كان يقف لمؤامرات الاستعمار الفرنسي كشفا وفضحا، لا يكتفي بما يكتبه في مجلته المنهاج، بل كان يستنهض للكتابة أشهر الأقلام، كأحمد زكي باشا، ومحب الدين الخطيب، ومحمد علي الطاهر، وغيرهم".
كما كان له الفضل في إزالة الغموض عن الباحثين حول الإباضية، وكتب عنه الأستاذ توفيق المدني في مذكراته "حياة كفاح" فقال "كان عالما لا يشق له غبار، وشخصية عالية جديرة بالاحترام، ورث من جده الكريم صيت العلم ورحابة العمل، وضخامة المركز الاجتماعي، واكتسب بجهده وكفاحه وعنائه المتواصل علما واسعا، وأدبا رفيعا، وثقافة عالية يغبط عليها، وكان صارما في دينه، تنتقد عليه شدته وقسوته في أمور الحلال والحرام، وكان محجاجا، حاضر البديهة، قوي العارضة، رايته من بعد في مصر يتألق لمعانا بين علمائها ومفكريها"، وكان يكتب المقالات وتنشر في بعض المجلات كمجلتي الفتح والزهراء، كما كان يصنف المصنفات تاريخا وفقها، إلى سبيل المؤمنين (طرح فيها نظرته إلى تطوير التعليم العربي الإسلامي) 1923، شرح كتب الملاحن لابن دريد، النقد الجليل للعتب الجميل، الفرق بين الإباضية والخوارج، وقد أشار إلى عدَّة مؤلفات أنجزها أو هو في صدد إنجازها وظلَّت مخطوطات، ولم يعثر عليها إلى حد الساعة، وهي "موجز تاريخ الإباضية، والمحكم والمتشابه، وعصمة الأنبياء والرسل، والأقوال السنية في أحوال قطب الأئمة، والقطب اطْفَيَّش، وصلاة السفر، ومنهاج السلامة فيما عليه أهل الاستقامة، وتفسير سورة الفاتحة، والفنون الحربية في الكتاب والسنة، ومختصر الأصول والفقه للمدارس، و كتاب النقض"، كما قام بتحقيق بعض الكتب وتقديمها للطبع، منها "تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، شرح النيل وشفاء العليل، (معتمد الإباضيَّة والفقه)، جامع أركان الإسلام، شامل الأصل والفرع، مسند الإمام الربيع بن حبيب، الذهب الخالص، كتاب الرسم، كتاب الوضع.."
في أخريات حياته اشتد عليه المرض أجرى عملية لم يلبث بعدها إلا قليلا فتوفى في 13 ديسمبر 1965 (1385هـ)، عن عمر يناهز 77 سنة، وصلى عليه في جامع المطرية محمد المدني عميد كلية أصول الدين بالأزهر الشريف، وشيعت جنازته بحضور كثير من العلماء ورجال الفكر في مصر، ووري جثمانه في مقبرة آل الشماخي إلى جانب إبنه الربيع، كما أوصى، رحمه الله.