محمد علي دبوز العالم المؤرخ المصلح

بقلم: محمد الطيب-

ولد محمد بن علي بن عيسى دبوز ببريان بغرداية، في فيفري 1919م (1337هـ)، نشأ وترعرع بين أبوييه فغرسا فيه حب العلم والعلماء والأخلاق الحميدة والروح الدينية والوطنية، فأبوه من أبرز مؤسسي الجمعية الخيرية ببريان سنة 1927.

وفي 1928 بدأ في مدرسة الفتح القرآنية، درس على الشيخ صالح بن يوسف أبسيس، وفي 1934 توجه إلى القرارة لمواصلة دراسته، فتتلمذ على يد الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض، والشيخ عدون وما لبث أن استظهر القرآن الكريم، ثم في 1935 انخرط هناك في "معهد الحياة"، وكان من أنجب تلامذته، وتشهد له مجلة "الشباب" بمقالاته المطوَّلة وفصوله الأدبية الرفيعة ومناظراته ومعاركه الأدبية، خاصة مع الأستاذ علي يحي معمر.

في 1944 بعد تخرجه من المعهد، أرسله والده وأستاذه الشيخ بيوض إلى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة ومعهد ابن خلدون، فدرس فيهما الكثير من الكتب القيِّمة في كثير من الفنون كالأدب والشريعة والفلسفة، ثم انتقل في 1946 إلى مصر برا حتى بلغها بعد 26 يوما، توجَّه إلى كلية الآداب بجامعة القاهرة، ورحب به عميدها الدكتور عبد الوهاب عزام، وفيها درس على كبار أساتذتها الأدب وتاريخه، والتاريخ الإسلامي والفلسفة، كما انكبَّ على أمَّهات الكتب، في الأدب، والتاريخ، وعلم النفس، والتربية والعلوم الاجتماعية، وأصول الفقه وفلسفة التشريع، والفقه والحديث، وبقي هناك حتى 1948 رجع إلى الجزائر، فاختاره معهد الحياة مدرِّسا فيه لمادتي التاريخ والأدب، ثم أضاف إليهما التربية وعلم النفس، وقد كانتا مجهولتين لا يعرفهما المعهد قبل ذلك، وقضي في تربية النشء وتكوين الأجيال، وقد سعى سعيا حثيثا للتعريف بالمعهد داخل الوطن وخارجه، وكابد من أجل أن تعترف الجامعات المصرية بشهادته، فتم له ذلك بعد عدة محاولات مضنية في جانفي 1963، تخرجت على يده أفواج من الطلبة والباحثين، ممن كان له شأن كبير في المجالات الفكرية والسياسية، خارج الوطن وداخله، كالدكتور محمد ناصر، والأستاذ بابهون بكير.

كتب العديد من المقالات في مجلة "البصائر" لسان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد نشر الدكتور محمد ناصر نماذج منها في كتابه "الشيخ محمَّد علي دبوز والمنهج الإسلامي لكتابة التاريخ"، كما كانت له مراسلات مع أعضائها ومنهم الأستاذ توفيق المدني، وقد عكف على التأليف في التاريخ الجزائري وتاريخ المغرب الكبير، بأسلوب جديد. وبعد الاستقلال مباشرة بدأ في نشر كتبه منها: "تاريخ المغرب الكبير، (3 أجزاء)، من العصر الحجري إلى الدول الإسلامية المستقلة في المغرب الكبير، قال عنه المفكِّر أنور الجندي "تعد موسوعته من الأعمال الكبيرة الدالة على قدرة الجزائريين في ميدان الفكر كقدرتهم في ميدان الحرب، حين يقوم مؤرِخ كالأستاذ بكتابة أكثر من 5 ألف صفحة، مستعرضا فيها تاريخ هذه الأجيال.."، وكتاب "نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة، في (3 أجزاء)، وأعلام الإصلاح في الجزائر من 1921 إلى 1974، في (5 أجزاء)، وله عدة تأليف ومخطوطات تاريخية وأدبية ونقدية وتربوية منها: تاريخ الدولة العثمانية..، وعدة مسرحيات تاريخية واجتماعية.

ألمَّ به مرض عضال فأقعده في صيف 1981، فاعتزل الحياة العامَّة وقضى أيَّاما في المستشفى بالعاصمة، نُقل بعدها إلى مسقط رأسه حيث وافته المنيَّة مساء الجمعة 13 نوفمبر 1981 (1402هـ)، بعد حوالي ثلث قرن من العمل المتواصل في ميداني التربية والتأليف، وفي اليوم الموالي انتظم له حفل جنائزي كبير ببريان، وكان لنبا وفاته وقع كبير في ميزاب والجزائر والعالم الإسلامي كلِّه، وبكاه تلاميذه وأصدقاؤه، رحمه الله.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.