ابراهيم بيوض المجاهد الإمام المصلح
بقلم: محمد الطيب-
الشيخ ابراهيم بن عمر بيوض، ولد سنة 1899م (1313هـ) في أحضان والدة من عائلة الحكم بالقرارة بغرداية، ووالده يعد من أعيان البلد، دخل كُتاب القرية فاستظهر القرآن قبل سن البلوغ، ثم أخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغوية على يد مشايخ القرارة المشهورين آنئذ الحاج ابراهيم لبريكي، الحاج عمر بن يحي أمليكي، أبو العلا عبد الله، وهو ما أهله رغم صغر سنه ليخلف شيخه الحاج عمر في التدريس، ويتبنى الحركة العلمية، والنهضة الإصلاحية.
أصبح عضوا في حلقة العزابة، وهي الهيئة الدينية العليا هناك، وما لبث أن أعتلى منبر الوعظ بمسجدها، ثم انتخب رئيسا لحلقتها وهو في الأربعين من عمره، في 21 ماي 1925 أسس "معهد الشباب للتعليم الثانوي"، المعروف بـ "معهد الحياة"، واتخذ له شعارا "الدين والخلق قبل الثقافة، ومصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد"، وأصبح قبلة للطلاب من داخل الجزائر وخارجها تخرج منه المئات، المتخصصين في العلوم الشرعية واللغوية.
في 1931 شارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وانتخب عضوا في إدارتها الأولى، إذ أسندت إليه نيابة أمين المال، في 1937 أسس "جمعية الحياة" بالقرارة المشرفة على التعليم الابتدائي والثانوي، والمنتظمة والمشرفة على الحركة الفنية والرياضية، والجمعيات الأدبية بها، وما تزال تؤدي رسالتها تلك حتى يومنا هذا، في 1940 حكمت عليه الإدارة الاستعمارية بالإقامة الجبرية داخل القرارة لا يبرحها، لمدة أربع سنوات، تفرغ خلالها لتكوين ثلة من الطلاب المتفوقين، أصبحوا من رجالات الأمة المحليين، وقادة الحركة الإصلاحية بالجنوب الجزائري.
في 1947 دخل معترك الحياة السياسية، فطالب برفع حكم الإدارة العسكرية عن الصحراء وإلحاقها بالشمال، انتخب بالأغلبية الساحقة يوم 20 أفريل ممثلا لوادي ميزاب في المجلس الجزائري، وأعيد انتخابه في 1951، فكان صوتا مدويا دفاعا عن مقومات الشخصية الجزائرية دينا ولغة، أصبح ما بين 1954 و1962 محور النشاط الثوري في ميزاب، والقرارة خاصة، يعاونه في ذلك زملاؤه في الحركة الإصلاحية، وأبناؤه الطلبة، وقد وقف وقفة بطولية ضد مؤامرة فصل الصحراء عن الجزائر، في مارس 1962 عين عضوا في اللجنة التنفيذية المؤقتة، وأسندت إليه مهمة الشؤون الثقافية إلى يوم تسليم السلطة لأول حكومة جزائرية في سبتمبر 1962، وفي 1963 أحيى نشاط (مجلس عمي سعيد) الهيئة العليا لمجالس عزابة وادي ميزاب ووارجلان، فانتخب رئيسا له إلى يوم وفاته، إجتماعيا كان العالم اليقظ، المتفتح على العالم الإسلامي يتابع الحركة الإصلاحية في العالم العربي وفي الجزائر، وكانت خطته إحياء اللغة العربية لغة القرآن، وتربية الناشئة تربية إسلامية صحيحة والوقوف صفا واحداً أمام مخططات الاستعمار الفرنسي الرامية إلى تفريق الشعب الجزائري على أساس المذهبية، أو الطائفية، أو الجهوية، وقد برز في انتشار المدارس ودروس الوعظ والإرشاد، وفي وتوجيه خطى المصلحين حولها كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
سياسيا نشأ في عهد كانت الصحراء تخضع لنير حكم عسكري فرنسي يعرقل أو يقضي علنا على كل ما من شأنه تقوية روح الدين الإسلامي، ومقومات حضارته في النفوس، وكعضو في الحلقة الدينية ثم رئيسا لها، وكرئيس الحركة العلمية الرافعة راية لغة القرآن الكريم، كان لابد أن تكثر بينه وبين الحكام العسكريين المواجهات والاستجوابات والمضايقات، وسجل في تقارير أولئك الحكام أنه مشاغب، ثم تطورت الأحداث ليصبح عندهم عدواً لدوداً، بل أصبح قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية العدو رقم واحد لفرنسا.
شارك مشاركة فعالة في الثورة التحريرية، بما قام به من خدمات جليلة في إطار الحركة في الصحراء أم في اتصالاته المباشرة مع الحكومة المؤقتة في المنفى بواسطة تلامذته وإخوانه، وقد برز فيه سياسيا محنكا، ومفاوضا لبقا، ووطنيا ثابتا، فموقفه الذي يشهد له من القضية الصحراوية إذ حاولت فرنسا حين علمت أن الجزائر مستقلة لا محالة، أن تمكر بالجزائريين بفصل الصحراء عن الشمال لما فيها من خيرات، وقد حاولت استمالته لعلمها بمنزلته العظيمة ولتيقنها بدور الميزابيون في الاقتصاد الجزائري، ولكنه رفض هذه المحاولات وأفشلها قبل وأثناء الثورة، إيمانا منه بأن الصحراء أرض جزائرية، وجزأ لا يتجزأ منها، وكان على صلة وثيقة بالحكومة المؤقتة الجزائرية في تونس ينسق معها الخطط ويطلعها على مؤامرات الفرنسيين أولا بأول، ويتبادل مع بعض أعضاءها الرسائل والمعلومات، ظل نشطا فعالا مصلحا حتى وفاته سنة 1981 (1401هـ)، رحمه الله.