الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض عالما وزعيما ومربيا
بقلم د. محمد صالح ناصر-
هو الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض، ولد سنة 1313هـ/1899م في أحضان والدة من عائلة الحكم بالقرارة، ووالده يعد من أعيان البلد.
دخل كتاب القرية فاستظهر القرآن قبل سن البلوغ. ثم أخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغوية على يد مشايخ القرارة المشهورين آنئذ الحاج ابراهيم لبريكي (ت:1911م)، الحاج عمر بن يحي أمليكي (ت:1921م)، أبو العلا عبد الله (ت:1960م).
حباه الله منذ الصغر مواهب جمة منها الذكاء الوقاد، والحافظة القوية، والفصاحة والبيان، وهو ما أهله رغم صغر سنه ليخلف شيخه الحاج عمر بن يحي في التدريس، ويتبنى الحركة العلمية، والنهضة الإصلاحية في القرارة.
أصبح عضوا في حلقة العزابة، وهي الهيئة الدينية العليا في القرارة، وما لبث أن اعتلى منبر الوعظ بمسجدها. ثم انتحب رئيسا لحلقتها وهو في الأربعين من عمره.
في 18 شوال 1343هـ/ 21 ماي 1925م أسس معهد الشباب للتعليم الثانوي، و هو المعروف بمعهد الحياة، و اتخذ له شعارا “الدين والخلق قبل الثقافة، ومصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد” و أصبح قبلة للطلاب من داخل الجزائر وخارجها تخرج منه المئات من طلاب العلم. المتخصصين في العلوم الشرعية و اللغوية.
في سنة 1931م شارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وساهم في صياغة قانونها الأساسي، وانتخب عضوا في إدارتها الأولى، إذ أسندت إليه نيابة أمين المال في سنة 1937م أسس جمعية الحياة بالقرارة المشرفة على التعليم الابتدائي والثانوي، والمنتظمة والمشرفة على الحركة الفنية والرياضية، والجمعيات الأدبية بها، و ما تزال تؤدي رسالتها تلك حتى يومنا هذا.
في سنة 1940م حكمت عليه الإدارة الاستعمارية بالإقامة الجبرية داخل القرارة لا يبرحها، لمدة أربع سنوات، تفرغ خلالها لتكوين ثلة من الطلاب المتفوقين، أصبحوا من رجالات الأمة المحليين، و قادة الحركة الإصلاحية بالجنوب الجزائري في سنة 1947م دخل معترك الحياة السياسية، فطالب برفع حكم الإدارة العسكرية عن الصحراء وإلحاقها بالشمال.
انتخب بالأغلبية الساحقة يوم 20 أبريل ممثلا لوادي ميزاب في المجلس الجزائري، وأعيد انتخابه سنة 1951م، فكان الصوت المدوي دفاعا عن مقومات الشخصية الجزائرية دينا و لغة أصبح ما بين 1954 و 1962م محور النشاط الثوري في ميزاب بعامة، والقرارة بخاصة، يعاونه في ذلك زملاؤه في الحركة الإصلاحية، وأبناؤه الطلبة. وقد وقف وقفة بطولية ضد مؤامرة فصل الصحراء عن الجزائر في مارس 1962م عين عضوا في اللجنة التنفيذية المؤقتة، وأسندت إليه مهمة الشؤون الثقافية إلى يوم تسليم السلطة لأول حكومة جزائرية في سبتمبر من سنة 1962م ،في سنة 1963م أحيى نشاط (مجلس عمي سعيد) الهيئة العليا لمجالس عزابة وادي ميزاب و وارجلان، فانتخب رئيسا له إلى يوم وفاته.
الشيخ بيوض مصلحا في الميدان الاجتماعي :
كان المجتمع الميزابي في أوائل القرن العشرين يعيش تحت وطأة الحكم الاستعماري العسكري، ووطأة الفقهاء الجامدين أولئك يرهقونه بحكم مستبد وهؤلاء يعرقلون مسيرته بفكر متزمت، مما أدى إلى ظهور سلبيات عديدة في جميع مجالات الحياة.
وكان على العالم المصلح أن يواجه كل ذلك بحكمة وصبر ،فالناس أو بالأحرى العامة غير مؤهلة لتقاوم الحاكم الاستعماري ،ولا أن تجابه النفوذ الديني، وكان الشيخ بيوض، العالم اليقظ، المتفتح على العالم الإسلامي من حوله يتابع بحرص دعوات الإصلاح التي أخذت ترتفع من هنا وهناك من أطراف العالم العربي ولا سيما حركة العلماء المصلحين في الشرق من أمثال الشيخ محمد عبده ،وجمال الدين الأفغاني، ورشيد رضا، والكواكبي، وشكيب أرسلان، وغيرهم ممن أعجب الشيخ بيوض بمنهجهم، وتشرب أفكارهم من خلال آثارهم وكتبهم وقد جمعته الصدف ببعضهم مثل شكيب أرسلان الذي التقى به في الحج سنة (1929)فكان دائم الإشادة بفكره ومواقفه.
وكان قد أحكم الصلات بينه وبين العلماء المصلحين الآخرين في محيط القطر الجزائري من أمثال المشايخ عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، والطيب العقبي، وغيرهم.
وكانت خطته في هذا السبيل واضحة وهي التعاون الجاد لإحياء اللغة العربية لغة القرآن، وتربية الناشئة الجزائرية تربية إسلامية صحيحة والوقوف صفا واحداً أمام مخططات الاستعمار الفرنسي الرامية إلى تفريق الشعب الجزائري على أساس المذهبية، أو الطائفية، أو الجهوية.
وقد برز هذا التعاون في إطار جمعية العلماء مدارس تنتشر في كل أنحاء القطر الجزائري وتجلى دروس وعظ وإرشاد، وخطط تفكير وتوجيه خطى المصلحين حولها كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
في الميدان السياسي:
نشأ الشيخ بيوض في عهد كانت الصحراء الجزائرية فيه تخضع لنير حكم عسكري فرنسي عتيد يعرقل أو يقضي علنا على كل ما من شأنه تقوية روح الدين الإسلامي، ومقومات حضارته في النفوس، وباعتباره عضوا في الحلقة الدينية ثم رئيسا لها، وباعتباره رئيس الحركة العلمية الرافعة راية لغة القرآن، كان لابد أن تكثر بينه وبين الحكام العسكريين المواجهات والاستجوابات والمضايقات، وسجل في تقارير أولئك الحكام أن هذا الشاب مشاغب. ثم تطورت الأحداث ليصبح عندهم عدواً لدوداً بل أصبح أثناء الحرب العالمية الثانية وما قبلها وما بعدها العدو رقم واحد لفرنسا، هكذا كان يسمى لديهم.
نشاطه الثوري:
شارك الشيخ بيوض مشاركة فعالة في الثورة التحريرية، بما قام به من خدمات جليلة سواء في إطار الحركة في الصحراء أم في اتصالاته المباشرة مع الحكومة المؤقتة في المنفى بواسطة تلامذته وإخوانه.
أما المجال الذي برز فيه الشيخ بيوض سياسيا محنكا، ومفاوضا لبقا، ووطنيا ثابتا فهو موقفه الذي يشهد به الخاص والعام من القضية الصحراوية إذ حاولت فرنسا حين علمت أن الجزائر مستقلة لا محالة أن تمكر بالجزائريين بفصل الصحراء عن الشمال لما في الصحراء من خيرات أهمها البترول والغاز الطبيعي ،وقد حاولت السلطات الفرنسية سواء على مستوى الجزائر أم على مستوى فرنسا أن تستميل الشيخ بيوض لعلمها بمنزلته العظيمة ولتيقنها بالدور العظيم الذي يقوم به الميزابيون في الاقتصاد الجزائري، ولكن الشيخ بيوض الذي رفض هذه المحاولات، وأفشل هذه الخطط قبل الثورة ،ما كان له أن يتلجلج أو يتردد في قول كلمة لا قوية صارخة في وجه الاستعمار الفرنسي إيمانا منه بأن الصحراء أرض جزائرية، وجزأ لا يتجزأ منها.
وكان الشيخ بيوض على صلة وثيقة بالحكومة المؤقتة في تونس ينسق معها الخطط ويطلعها على مؤامرات الفرنسيين أولا بأول، ويتبادل مع بعض أعضاء الحكومة الرسائل والمعلومات.
آثاره الفكرية:
إن الشيخ مثل غيره من رجال الإصلاح الذين كان أغلب وقتهم ينقضي في تكوين الرجال، والاعتناء بمشاكل المجتمع مما لا يبقى معه وقت كثير للانكباب على الكتابة والتأليف، ومع ذلك فقد كتب بعض المقالات الاجتماعية ذات الطابع التحليلي في العشرينيات والثلاثينيات نشرت في صحافة أبي اليقظان، كما ترك فتاوى كثيرة، ومراسلات ذات أهمية قصوى طبع بعضها ونشر وبعضها الآخر ما يزال مخطوطا .
غير أن أهم ما ترك الشيخ بيوض هو تفسيره القيم لكتاب الله مستخدما المنهج الإصلاحي الذي عرفت به المدرسة الإصلاحية العبدوية فكان يعرض المجتمع على كتاب الله تربية وتوجيها، وقد استمر مواظبا حريصا على تلك الدروس لا يتخلف عنها إلا لمرض أو سفر.
وكانت الآثار التي تركتها دروسه التي غطت قرابة خمسين سنة عميقة عظيمة، فبفضلها عمت الثقافة الإسلامية البيوت وعرف المجتمع وجه الإسلام الحقيقي، وبفضل دروس الشيخ التي تمتاز بالتحليل والتبسيط في آن واحد، وتملك المستمع بما فيها من فصاحة، وعقل، وأدب وتراث، ومعاصرة.
من آثاره الفكرية:
تفسير كامل للقرآن الكريم، المسجل منه يبدأ من سورة الإسراء إلى سورة الناس، يقع في حوالي 1500 ساعة، حررت في 12497 صفحة.
مئات الأشرطة لدروس في الدين، والتربية، والاجتماع، والسياسة، والثقافة، وكان يلقيها في المسجد أو في المناسبات والحفلات، و قد نشر بعض منها بعد تحريرها و تحقيقها، من ذلك:
المجتمع المسجدي، من تحرير الدكتور محمد ناصر بوحجام، صدرت الطبعة الثانية عن دار أبي الشعتاء، عمان، 1409هـ/ 1988م (المقدمة)
حديث الشيخ الإمام، في جزأين، من تحرير الشيخ محمد سعيد كعباش، المطبعة العربية، غرداية، الجزائر، 1996م.
البدعة مفهومها وأنواعها وشروطها، تحرير الطالب ابراهيم أبو الأرواح، (مرقون) معهد الحياة، 1998م.
“فضل الصحابة والرضا عنهم”، تحرير الطالب بهون حميد أوجانة، مطبوع، المطبعة العربية، غرداية، 2000م.
“فتاوى الإمام الشيخ بيوض”، يقع في جزأين، جمعه وحققه وقدم له الأستاذ الشيخ بالحاج بكير، طبع مرتين في كل من الجزائر و عمان، ينظر دار الضامري للنشر و التوزيع، سلطنة عمان، 1990م
“ثبوت الهلال بين الرؤية البصرية والمراصد الفلكية”، حرره عمر اسماعيل، و قدم له د.محمد ناصر، صدر عن مكتبة معالي السيد محمد بن أحمد، سلطنة عمان، 1992م.
مقالات كثيرة في موضوعات مختلفة نشرت بصحف الشيخ أبي اليقظان، ينظر د.محمد ناصر، المقالة الصحفية الجزائرية، جزءان، نشر ش،و،ن،ت الجزائر، 1398هـ/ 1978
مذكرات الشيخ بيوض (مخ)، صدر منها “أعمالي في الثورة” إعداد و تقديم د.محمد ناصر، نشر جمعية التراث، القرارة، 1990م