جمعية العلماء… من منظور الشيخ الدكتور أحمد الرفاعي شرفي -رحمه الله-
بقلم: حسن خليفة -
الانشغال والاهتمام بـ «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» كهيئة دعوية ـ إصلاحية كان وما يـزال وستبقى همّا من الهموم الرسالية الجميلة النبيلة للكثيرين والكثيرات، من الذين تشرئب قلوبهم نحوَ النقلة التغييرية الإصلاحية الأحسنَ والأمثل. والذين يرون الجمعية أنسبَ أداة لتحقيق هذا التغيير، باعتبارها خيمة جامعة، وفضاء دعويا تغييريا صافيا رحيبا.
ولعله من هذا المنطلق ينبغي النّظر إلى كثير من الملاحظات النقدية، والمقترحات، والكتابات الصادرة من كثير من الإخوة والأخوات، والتي تدعو الجمعية إلى تحسين أدائها وتطوير أدواتها في العمل والنشاط؛ وهو ما يعني أن ذلك ينبغي أن يُحمل الحب للجمعية والغيرة على رصيدها ونظافة ونُبل أهدافها.
وأتصور أنه من المفيد ـفي هذا المقال المختصر ـ الوقوف على رؤية واحد ممّن نعدّهم من مؤسسي الجمعية في انبعاثها الجديد (أوائل التسيعينات)، وهو الشيخ الدكتور أحمد الرفاعي شرفي -رحمة الله عليه – فقد حمل همّ جمعية العلماء بين ضلوعه وفي نفسه وقلبه ـردحا طويلا من حياته ـ وصرّح، ودرّس، وسجل وكتب في ذلك مرات كثيرة.
فما هي رؤيته؟
يمكن التأكيد في البداية على أن رؤية الشيخ أحمد الرفاعي للجمعية رؤية حضارية خاصة ومميزة، حيث كان يتمثلها –أي الجمعية- فرصة تاريخية للمجتمع الجزائري كله، وبالأخص لمن يحملون همّ الدعوة والإيمان والإصلاح، كما أنه ـرحمة الله عليه ـ كان يراها أداة من أفضل الأدوات لتحقيق التنمية الحضارية بمعناها الواسع الشامل، بدءا من تنمية الإنسان(في إيمانه وأخلاقه وعلمه وسموّ سلوكه)… وصولا إلى كل ما تعنيه كلمة تنمية أو»نماء»من الازدهار، والتقدم، والرقي، والاكتمال، والاستقلال والمنَعة والقوة الخ.
كما كان ينظر إليها كخيمة جامعة لكلّ المكوّنات الإسلامية والوطنية المبرأة من الحزبية الضيقة والطائفية والفئوية والمذهبية.. ومن ثمّ كانت نظرته الشاملة للجمعية على أنها: «جمعية العلماء واجب وضرورة وحتمية ومصلحة، وهذه الاعتبارات يفرضها الواقع والتاريخ والمستقبل» (كتاب/آلام الدعوة والصحوة ص37). وتأسيسا على هذه الرؤية كان الشيخ الرفاعي يرنو إلى أن تتطور الجمعية باستمرار في أدائها، وذلك يعني أنها «تحتاج إلى إصلاحات جذرية شاملة وعميقة، تشمل هيكلتها، ومشروعها الدعوي والإيماني والعلمي؛ كما تشمل أيضا أعضاءها والمنتسبين إليها، والذين يرى أنهم لا بدّ لهم من برنامج إيماني تزكوي(تزكية) منتظم وصارم» …، كما سنشير إليه في ختام هذه السطور.
ومقتضى ذلك أن يتم تحديث الجمعية وتطوير أدائها، بما توجبه متطلبات العصر في المجالات التنظيمية والإدارية، والثقافية، والإعلامية والتواصلية..، وأيضا بما يرسخ الشورى، ويجسد معاني التعاون على البر والتقوى، باستيعاب كل المكوّنات الدعوية في المجتمع الجزائري.
ومقتضى التحديث الذي يمس هيكلتها وشؤونها في الإدارة والتسيير، يتبعه ما يتعلق بمشروعها الذي يقول عنه:
«وأما فيما يتصل بمشروعها وقضيتها فينبغي العمل على تحويل الجمعية إلى حركة علمية ثقافية تشمل كل التخصصات، وكل اللغات، قصد استقطاب القوى الحية والفاعلة في المجتمع الجزائري، وتوجيه نشاطها لتحقيق رسالة العلم والإيمان والثقافة، في الوقت نفسه إصلاح الخلل الدعوي المتمثل في تحزيب الدعوة وتسييسها وتوريطها في الصراعات المذهبية وغيرها، قصد بعث وإحياء العمل الدعوي القائم على وحدة الكيان، ونبذ الطائفية والمذهبية المسيّسة، وتفعيل ثقافة القرآن والسّنة القائمة على الأخوة الإيمانية وتحرير الإيمان بالله عز وجلّ من الوصايات السياسية والحزبية والعرقية وغيرها من الاعتبارات المتناقضة مع ثقافة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة (آلام في الدعوة ص38).
ومن الأمانة هنا أن نسجل أن الشيخ الرفاعي كثيرا ما صرّح وكتب فيما يتصل بشؤون الجمعية، منتقدا ومعبرا عن رأيه في ضرورة الارتفاع إلى مستوى المسؤولية الدينية والأخلاقية في النهوض بعمل الجمعية، ومن ذلك ما صرّح به بشأن الجمعية (وقتئذ سنة 2013) حيث قال عن وضعية الجمعية بأنه… «لا يبعث على التفاؤل، بقدر ما يوحي بالكثير من الأسف لما آل إليه أمرها بعد عهود ابن باديس والإبراهيمي والعقبي والميلي والتبسي… فمعظم المكاتب(الشعب) تعيش حالة مقلقة من السلبية والجمود وضعف الشعور بالمسؤولية، وانحسار مصداقية الجمعية، وتآكل رصيدها الاجتماعي في تزايد، وكل ذلك وغيره يجعل الجمعية بين الحياة والموت، فلا هي حية كما كانت في عهود الأئمة الرساليين فتُرجى ويُرجى نفعها وفضلها ويُنتظر منها الصلاح والإصلاح والصلاح والخير والإيمان والعلم والعمل، ولا هي ميتة فتُنعى بمأتم يليق بمكانتها وفضلها وانجازاتها… ثم يطلق هذا التساؤل «ومرة أخيرة هل بإمكان الجمعية برئاسة الزميل والصديق الدكتور قسوم أن تنهض وتستعيد عافيتها وحيويتها، وتنعش الآمال المناطة بها؟.» (الشروق 28جوان2013).
والموضوع ذو شجون، ولكنه يعبر في حقيقته عن «الحُرقة» المؤلمة القاسية، وفي ذات الوقت عن الطموح الكبير والآمال العريضة التي كان يحمله الشيخ الرفاعي فيما يتصل بالجمعية ومسؤولياتها.
والحق أنه، في سياق فلسفته النقدية واجتهاده الثقافي والفكري كان يرى الأمر متعلقا ـدائماـ بالإنسان.. فمتى وجد إنسان القضية أمكن لنا أن نطمئن إلى الدعوة والإصلاح أو أي عمل أو مسؤولية، ولكن إن غاب إنسان القضية وحضر إنسان المصلحة (أو الشهوة) فإننا لا يمكن أن ننتظر إلا الخراب والدمار والفشل؛ حيث تسيطر الأنانية والجشع والمصلحة الشخصية، وقد أشار إلى ذلك في كثير من مقالاته عن الأحزاب والمؤسسات والوزارات وغيرها.
وعليه فإن من مقترحات الأساسية بالنسبة لأعضاء الجمعية التزامهم التام والدقيق بما سماه «البرنامج التربوي» وهو برنامج إيمان وتزكية وتربية للنفوس يقوم على عدد من المحاور تتصل أساسا بالتكوين الإيماني وتعهّد النفس والقلب بما يصلحهما.
وهذا سيكون موضوع الـ»شعاع» القادم بحول الله تعالى.
وأهم ما ينبغي التذكير به هنا رأي الشيخ شرفي في كون جمعية العلماء «فريضة شرعية وواجبا دينيا ووطنيا، وحتمية تاريخية، وفرصة حضارية للمجتمع الجزائري، ووسيلة من أجمل وسائل الإصلاح والتغيير»… وذلك يقتضي ـمرة أخرى ـ أن تكون في مستوى المسؤولية.
ونولّي الأنظار في هذه السطور إلى جانب من الجوانب التي يصرّ الشيخ الدكتور شرفي عليها دائما، ويذكر بها بانتظام في كتاباته وفي دروسه ومحاضراته، وهو الارتقاء إلى صفة «إنسان القضيـة» فيمن يريد أن يشغل مكانه في عجلة التغيير والإصلاح، وإحداث الفرق.
لذلك ذهب إلى ضرورة العناية بالتكوين والتربية والتزكية، ومن ذلك اقتراحه الثمين بما يشبه البرنامج التربوي لأعضاء الجمعية (دون استثناء) في كل المستويات، وحثّ على اعتماد التزكية والتربية سبيلا للرقيّ بالأفراد، والأسر، والجماعات (شُعب وفروع ) وقد سمّى ذلك «مقامات» ومستويات، وهذا أهم ما جاء في برنامجه المقترح (*)، مما يجب الاهتمام به من أعضاء الجمعية وإنفاذه في أرض الواقع:
1- الحرص على مقام الرعاية الإيمانية بعون الله تعالى، والمقصود: أن ترعى شعب الجمعية ـبالتعاون مع الدعاة والأئمة والأساتذة والمرشدون والمرشدات ـ .. أن ترعى الشُّعَبُ عموم أبناء الوطن، في المجال الإيماني/ الديني،كبارا وصغارا، رجالا ونساء، بمعنى أن يكون ذلك من مهامّها الأساسية في التوجيه والدعوة والتهذيب فذلك أحد أسباب وجود الجمعية.
2- تجديد العهد مع الله تبارك وتعالى بخدمة الدين، والإخلاص في تقديم النفع لكل الناس.
3- تصحيح النيات، وترسيخ وتعزيز علاقات الأخوة الإيمانية.
4- تقوية العزائم وتنشيط الهمم، ويقوم ذلك على أداء الواجبات التالية، فرديا وجماعيا:
أ- قراءة ورد قرآني كل يوم، بعد صلاة الفجر.من نصف حزب إلى حزبين.
ب- حفظ جزء من القرآن الكريم كلّ أسبوع، من رُبع إلى ما تيسر، وصولا إلى حفظ القرآن الكريم كله،بعون الله.
ج ـمعرفة وتدبّر معاني المفردات القرآنية اللغوية المشروحة في التفاسير.
دـ العمـل بالأحكام التي تضمنتها الآيات المحفوظة (أي تجسيدها في الواقع).
هـ ـحفظ حديث نبوي واحد (على الأقل) كل أسبوع من صحيحي البخاري ومسلم.
وـ العمل بالســـنن والمعاني التي يتضمنُها الحديث الشريف.
زـ صيام أسبوعي، مع إفطار جماعي، إن أمكن، مع وجوب ترك التكلّف والإسراف، (وإنما العبرة بإحياء السُّنة والتلاقي الإيماني والتذكير بالآخرة).
ك ـ قيام الليـل ما أمكن، بصفة فردية جماعية، وأقلّ ذلك أسبوعيا.
ل ـ ورد يومي للذكر والدعاء بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العشاء (الأذكار المعروفة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم).
م ـ لقاء أسبوعي إيماني أو نصف شهري للترغيب والترهيب من رياض الصالحين.
ن ـ دروس أسبوعية في فقه السنة: عبادات، معاملات، الخ.. مع مرجع ميسّر مناسب.
ح ـ العمل على التخطيط فيما يتعلق بالجهد العلمي الذي تقوم به الشعب بتوزيع الواجبات بشكل منهجي على الأسبوع، والشهر، وعلى السنة كلها.
نلاحظ أن الأمور السابقة كلّها تتصل بمجال التزكية والتكوين الإيماني، للأفراد والشُّعب، والتذكير الإيماني المدروس والهدف هو: ترقيق القلوب وتهدئه النفوس، وإعداد الإنسان ليكون أكثر ميلا إلى الآخرة، وأكثر زهدا في الدنيا وشهواتها، وأقرب إلى الله تعالى. وذلك ما يعين حسب رؤية الشيخ شرفي ـرحمه الله تعالى ـ على القيام بالواجبات الأخرى المترتبة على أعضاء الجمعية والمتعلقة ـكما يقول ـ بـ:
«ضرورة المساهمة الفعالة في مجالات النشاط الثقافي، والفكري، والتربوي، والعلمي.. من خلال أعضاء الجمعية والمنتسبين إليها (رجالا ونساء)، في مختلف المجالات والاختصاصات، بحسب ما تسمح به الظروف الخاصة بالمؤسسات والهيئات كالمدارس، والثانويات، والجامعات، ومراكز التكوين، ودور الثقافة، والمراكز الثقافية، والمكتبات، والنوادي الخ..» وهذا ما ما قامت وتقوم به الجمعية، على مدار السنوات الماضية كلها، على تفاوت بين جهة وأخرى.
ولا ينسى الشيخ رحمة الله عليه أن بنبّه إلى تصحيح وتجديد النية باستمرار؛ لأن الشيطان ـعليه اللعنة** ـ عدوّ مبين للإنسان، ولن يتركه يخلص في عمله ويجوّد فيه أبدا. فوجب أن يكون المسلم والمسلمة في حرص دائم على صفاء النية، وحضور الاحتساب في القلوب والنفوس في كل ما يقوم به المرءُ المسلم / المسلمة في مجال الإصلاح والدعوة والتوجيه والتبليغ عن الله تبارك وتعالى.
وذلك حتى لا تذهب جهوده هباء منثورا، وهو المشهود للأسف الشديد في بعض الأحيان؛حيث تذهب جهود سنوات سُدى؛ بسبب قلة الإخلاص أو انعدامه أو وجود دخَن في العمل.نسأل الله السلامة من كل نقص.
إحالات:
* كتاب»آلام في الدعوة والصحوة « منشورات رجاء للطبع والنشر،ص 12
** للشيخ أحمد الرفاعي شرفي كتاب نافع بعنوان:»الشيطان عليه اللعنة» طُبع في دار الهدى عين مليلة، وهو في غاية الأهمية لمن يريد دراسته واستيعابه.