ماذا ولماذا ينقمون على الجمعية؟

بقلم: حسن خليفة-

في الوقت الذي ظهرت فيه الجمعية ، في سياق الجائحة التي هزّت بلدان العالم كلها، ومنها بلدنا الجزائر ؛ حيث ظهرت بهذا المظهر المشرّف الماجد الذي جعلها ـ مرة أخرى ـ محلّ تقدير واحترام ، من أطراف مجتمعية ورسمية كثيرة ، ومحل قَبول من أهل الخير والإحسان من رجال الأعمال والصناعيين والتجار، وهو ما جعل الجمعية تُسهم بقدر كبير في العون والدعم والمساعدة لقطاعات عريضة من المحتاجين في مجتمعنا ، وأيضا تسهم في التخفيف عن الطواقم الطبية، ورجال ونساء قطاع الصحة في المشافي وسواها،بما قدّمت ـ مأجورة إن شاء الله تعالى ـ … وقد ظهر ذلك ـ والحمد والفضل لله تعالى أولا وأخيرا ـ في الكثير من الشُّعب الولائية في شرق الوطن وغربه وشماله وجنوبه، وأظهر معدن أعضاء الجمعية ومنتسبيها ومحبيها ومناصريها ، ذلك المعدن الصافي الذي يبتغي وجه الله تعالى أساسا ،ويعمل على خدمة المباديء والقيم، وخدمة الوطن دون منّ ولا آذى…(ولا حسّ كبير) بل بتواضع واجتهاد ومواضبة ومثابرة.

في هذا الوقت تطرأ هنا وهناك أقباس من «القدح» والإثم والبغي، في شكل عدوان على الجمعية ورجالها الأولين والآخرين، فمن مقالات هنا في مجلة يزعم بعض كاتبيها أنهم يدرسون «تجربة ابن باديس» ولكنهم في واقع الأمر يهيلون التراب على كل ما له صلة بابن باديس، ويحاولون اجثتاث ما يمثّله ابن باديس، بتسويته بـغيره ممّن لم يقدموا شيئا لا لوطنهم ولا للإنسانية.

كل ما هناك هو تلبيس وتضليل ، وكأن ضوء ابن باديس الذي شاع وأناروانزرع في العقول والقلوب آذاهم وسبّب لهم توتّرا وحرك فيهم ضغائن وأحقادا، فنفثوها في سطورهم المسمومة ؛ فجاء الحديث عن تجربة ابن باديس عامّا غائما، ولكنه عندما يتعلق الأمر بشخص ابن باديس وجهاده الفكري والثقافي والعلمي يُقال، هناك تقديس وعبادة ومحاولة لجعل ابن باديس «وثنا» !! وأن في ذلك مساسا بالمشترك الوطني،وتغييبا لرموز أخرى. !
ويزعم آخر أن الله (تبارك وتعالى ) لا علاقة له بـ»كورونا»، في محاولة تفسير غريبة مسطحة بلا محمول علمي بصير.داعيا إلى إبعاد الدين عن هذه الظواهر وتفسيرها بطرق غير تقليدية.
ويزعم آخرون مزاعم لا علاقة لها بقيّم هذا الوطن ومبادئه وتاريخه.
من جهة أخرى هناك سعى لإعادة إحياء مزاعم أخرى في عملية أشبه بعملية «تدوير فكري» أو رسلكة «نفايات فكرية « طال عليها الأمد، تتصل بالادعاء أنه لا علاقة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالثورة التحريرية، والجميع يعلمُ أن هذه المزاعم مردودة على كاتبيها الذين يجهلون حقائق التاريخ، أو أنهم ـ إن كانوا لا يجهلون ـ يتمارون ويكابرون في هذا الجانب، بإرادة نفي هذا الشرف عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،ومحو هذا المجد من سجل المشاركة الوضئية الايجابية العمَلية في تاريخ بلادنا المعاصر .
ومن يقرأ باستيعاب وفهم يعرف الحقائق بشكل واضح ومنها أن الجمعية كانت المحضن الأصيل لاستنبات الشتلات الحرّة في حديقة الاستقلال والحرية والانعتاق من الاستعمار. وإعداد الرجال ، بل والنساء أيضا، لهذه الحقبة التاريخية التي كانت أمرا حتميا بالنسبة لقادة الجمعية، منذ انطلاقتها الأولى …باسم الله تعالى ، وبالمنهج النبوي المتين الذي هو منهج تحرير الإنسان، تحريره في عقله، وفي نفسه وقلبه،ثم في بدنه وحياته كلها .
وبالنسبة لهذا الأمر (المشاركة في الثورة ) من المهم هنا الإشارة إلى مرجع متداول وهو كتاب مهمّ وموثّق يحمل عنوان «إسهام شيوخ معهد عبد الحميد ابن باديس وطلابه في الثورة التحريرية» للأستاذ الدكتور عبد الله مقلاتي (منشورات دار الهدى عين مليلة ـ ومؤسسة ابن باديس 2014) وهوواحد من عشرات الكتب والمراجع والأطروحات العلمية في هذا الباب، لكن هذا الكتاب بالذات يذكر بالأسماء والألقاب من شاركوا وأطّروا وقادوا في الميدان كثيرا من وقائع ثورة التحرير المظفرة المباركة ،وعددهم أكثر من 200 ، ذكر الكتاب منهم الكثير، وسجل شهادات الكثير أيضا. وكلهم من أساتذة وطلاب معهد الإمام عبد الحميد ابن باديس الذي فتح أبوابه سنة 1949 بقسنطينة، ودرس فيه على مدر عشر سنوات من عمره (10 سنوات فقط ).. درس فيه المئات (أكثر من 1200) وكثيرون من المتخرجين صاروا أعلاما وأسماء بارزة في حياة الوطن، أثناء الثورة وبعد الثورة ، وكان لهم إسهام كبير في نهضة الوطن، بناء على مباديء وروح وقيّم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
إن مراجعة بسيطة لمثل هذا الكتاب تنفي كل تلك الأضاليل والأكاذيب المزعومة والإدعاءات المرسلة بشأن غياب وانعدام أي دور للجمعية في الثورة، وتثبت إثباتا قطعيا إسهاما فعليا واقعيا حقيقيا من أؤلئك الرجال الذين تربوا في معهد ابن باديس بالأسماء والصور، على أن الجمعية عنوان بارز في نهضة الجزائر، ومحور رئيس في إشعاعها ،وذات دور مركزيّ في مجال الثورة إعدادا وجهادا وتوجيها .
وهناك غير هؤلاء وأؤلئك من غربان الثقافة وبؤساء المثقفين الذي مازالوا مستميتين في الاستمساك ببعض « الوهج الإيديولوجي « الذي لاندري هل هو إلحاد ؟أم مجرد لوثة نفسية وذهان مستحكم يرفض أن يتركهم أو يرفضون أن يتركوه، حفاظا على مصالح ما …
السؤال: ماذا ينقمون على الجمعية ؟ هل ينقمون عليها نقاءها وصفاءها وجهادها العلمي والفكري والاجتماعي والتربوي؟ أم ينقمون التفاف الناس حولها؟ أم ينقمون عليها مواقفها واستقلاليتها؟ أم ينقمون عليها ماضيها الوضيء وحاضرها المشرّف ؟
ولحساب من هذه يُعاد بثُّ «الأغنية « الممجوجة التي لا يفتأ البعض يرددها بمطالع مختلفة ،ولكن بإيقاع واحد ومضمون مشترك :الإساءة إلى الجمعية وإلى رموزها قديما وحديثا، دون منهجية،ودون علم، ودون تدقيق،ودون حياء أيضا.
من المستفيد ؟ أيا يكن الجواب ، لكن المؤكد أن الأمة لهم بالمرصاد .

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.