هذه هي جمعية العلماء الباديسية
لقلم: التهامي مجوري-
إنّ الجمعية الباديسية، كانت ولا تزال، فريدة في منهجها وروحها ومسلكها ومدارها، فهي إصلاحية المنهج، إسلامية الروح والمسلك، جزائرية المدار، ليست تابعة لأية جهة من الجهات الرسمية أو الشعبية، فهي تجربة من بين عشرات التجارب التي قامت بها الأمة خلال القرنين الماضيين، وهي متميزة في جانب أو جوانب كما تميز غيرها في جانب أو جوانب أخرى، إذ لكل تجربة من هذه التجارب خصوصيات قد لا تلتقي بأختها فيها إلاّ في الأطر العامة المحافظة على الإسلام، كما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- وتحرص على تنفيذه كما حرصت على تنفيذه القرون الثلاثة الأولى.
إنَّ تجارب العالم الإسلامي كثيرة، أمثال الحركة السنوسية في ليبيا، والمهدية في السودان، والوهابية في الجزيرة، وجمعية العلماء في الهند، والجماعة الإسلامية في أندونيسيا، وجماعة سعيد النورسي في تركيا، وجمعية الشبان المسلمين وجماعة الإخوان في مصر…إلخ.
وجمعية العلماء كغيرها نشأت لتقوم بواجبها الشرعي كما أمرها الله (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ) [أل عمران 104]، فتتقاطع مع هذه التجارب كلها في كونها حركة إحياء إسلامية تساهم في إعادة مجد الأمة الضائع، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، واستدراكا على مؤسسات المجتمع التي أنهكها الاستبداد..
وإذا التقت جمعيتنا المبارك بتجربة من هذه التجارب في جزئية من الجزئيات، أو لم تلتق معها في شيء، لا يعني أنها تزكي هذه التجربة التي التقت معها في جزئية، وتدين التي لم تلتق معها في شيء؛ لأنَّ طبيعة العمل الإصلاحي البحث عن القواسم المشتركة في إطار معركة وجودية في صراع قائم بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان على حد تعبير شيخ الإسلام -رحمه الله-، ولا تبحث عن المثالب والمزالق والأخطاء تتبعا للعورات وللانتقاص من هذا ومعاداة ذاك والتأليب على ذلك…
إنَّ المنهج الباديسي وجمعيته المباركة الذي انطلق من أنّ الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل غيره، ودين البشرية الذي لا تسعد إلاَّ به، تراعي في أسلوبها العملي كل كمال إنساني يرتقي بالبشرية إلى الإسلام العظيم الذي هو قمة السعادة البشرية لأنه يدعو إلى الكمال وتلك القمة الرفيعة.
– فهو يدعو إلى الأُخوةِ الإسلاميةِ بَيْنَ جميعِ المسلمين؛ لأنَّ الأخوة الإيمانية عالية في ارتقائها بالإيمان، ويُذَكِّرُ بالأُخُوةِ الإنسانيةِ بين البَشَرِ أجمعين؛ لأنهَّا ليست هينة باعتبار منطلقها التكريمي التفضيلي الذي خص الله به البشر (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء 70].
– ويُسَوِّي في الكرامة البشرية والحقوقِ الإنسانية بينَ جميعِ الأجناسِ والألوانِ؛ لأنَّ الخلقة واحد فلا فرق بين أحد وأحد ابتداء «كلكم لآدم وآدم من تراب».
– ويَفْرِضُ العدلَ فَرْضًا عاما بين جميعِ الناس بلا أدنى تمييزٍ؛ لأنَّ العدل أساس الملك والاستقرار الاجتماعي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة 8] – ويَدْعُو إلى الإحسان العامِّ.
– ويحرِّم الظلْمَ بِجميعِ وُجُوهِهِ وبأقلّ قلِيلِه مِنْ أيّ أَحدٍ على أيِّ أَحدٍ من الناس.
– ويُمجِّد العقلَ ويدعو إلى بناءِ الحياةِ كلِّها على التفكير.
– وينشرُ دعوتَه بالحُجة والإقناع لا بالخَتْلِ والإِكراهِ.
– يتركُ لأهلِ كلِّ دينٍ دينَهم يفهمونه ويطبِّقونه كما يشاءون.
وفي كلّ ذلك ينطلق من منطلقات أساسها الدعوة إلى الله على بصيرة،ر وانطلاقاً من العدل مع الإنسان كافراً ومؤمناً، فضلاً عن أن يكون مؤمناً مقصراً.
وجمعية العلماء اليوم ومنذ استأنفت نشاطها في بداية تسعينيات القرن الماضي، لم تدخر جهداً في العمل على تعميم هذا المنهج في أوساط أبناء الجزائر الذين تتخطفهم المذاهب والنحل من هنا وهناك، وهي مصرَّة على لمَلَمة هذا الشتات، تقوية للصف الجزائري المسلم الذي لن يحيد عن مرجعيته الإسلامية الوطنية التي موضع فيها للأجنبي، إلاَّ ما كان في إطار الأخوة الإسلامية التي لا سيِّد فيها ولا مسود، إخوانا متحابين في الله.
والعاقبة للمتقين.