ابن باديس مفكر إنساني عالمي
بقلم: آمنة فداني -
إنّ مشاريع البناء وآفاق المستقبل لا يمكن أن يتحقق دوامها وبقاؤها إلاّ إذا كانت قائمة على قاعدة واعية تشعر بأن المعركة معركتها والتربة تربتها، فالاقتناع بالشيء يشكل جزءاً من انجازه كما يقال فالهيئة المنظمة لا بد لها من عناصر أساسية تقوم عليها لتحقيق ضمان سيرها بثبات، ولن تحقق شيء من ذلك دون هاته العناصر، فالإنسان في كلّ هذا هو المحور والمادة التي تدور وتشكل حوله الشخصية الوطنية، كما أنه من أجل صنع حضارة الأمة ومستقبلها لابد من تحليل الواقع تحليلاً دقيقاً للوقوف على مشكلاته ومعضلاته.
يعتبر عبد الحميد ابن باديس -رحمة الله عليه – مفخرة من مفاخر النهضة الوطنية وعقلا فذا وأحد الرواد الأوائل الذين قامت على كواهلهم سائر الحركات الوطنية والقومية، استطاع أن يجمع بفكره بين التربية والتعليم، وهو يدرك أن هذين المجالين من أكبر المشكلات تحديا للعالم الإسلامي المعاصر، والواقع يؤكد ما ذهب إليه ابن باديس.
كرّس حياته لتربية الأجيال الصاعدة، وكان يدفع بالشباب المثقف لكسب المهارات والمعارف وتطويرها، لأنها من قضايا الساعة وافاق المستقبل وكما قيل العلم لا يعطيك بعضه إلاّ إذا أعطيته كلك، والبشرية لا تأخذ طريقها إلى الله عن معرفة ويقين إلاّ بالعلم وجهود العلماء.
قائلا: ((عليكم أن تلتفتوا إلى أمتكم فتنتشلوها مما هي فيه بما عندكم منعلم وما اكتسبتم من خبرة، محافظين لها على مقوماتها سائرين بها في موكب المدنية الحقة بين الامم وبهذا تخدمون أنفسكم وتخدمون الإنسانية بإنهاض امة عظيمة )) مجلة الجيش ماي 1973.
هذا المصلح والمفكر الإنساني والشخصية الغنية تحتاج إلى دراسات مختلفة مع نشر كلّ ما خلف من آثار مكتوبة فقد بدأ عطاؤه وإنتاجه منذ إدراكه التّام لخطورة عصره بقناعة تامة، لأن الحرب ضد الأمية والجهل حرب نظيفة وليس هناك مكان للحياد، ولم يحصر الرجل نفسه في جزئية ما أو قطاع واحد بل ساهم بمجهود جبار في إنارة السبيل لأمته في تشخيص دقيق لأمراض وأدواء مجتمعه، أسس صرحا كبيرا ليس حكرا على أبناء وطنه فقط بل هو ملك للإنسانية جمعاء، إنه المعمل الباديسي الذي ليس له حدود لتبليغ الخير لكلّ البلدان والأجناس الأخرى وهو القائل: ((….أما الجزائر فهي وطني الخاص… وأن لنا وراء هذا الوطن الخاص أوطانا اخرى عزيزة علينا هي دائما منا على بال ونحن فيما نعمل لوطننا الخاص نعتقد أنه لابد أن نكون قد خدمناها وأوصلنا إليها النفع والخير من طريق خدمتنا لوطننا الخاص…)) الشهاب 1937.
وفي ضوء ما نعيشه اليوم نضطر دائما إلى استذكار تراثنا الفكري الإسلامي الوطني الإنساني الضخم لطرحه للأوضاع المتجددة. إن مآثر الرجل متعددة ومتنوعة لا تفي بها كلمة عابرة تكتب أو تقال كلما دارت دورة الزمن (16 أفريل)، فتجربته في المدرسة الرائدة (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين).التي أسسها من عقول لها أفكار طيبة لكنها كانت مشتتة فجمعها، لها عدة ملامح تسجل عالمية رسالتها لما لها من جوانب الأصالة فيها وطابع الطهارة، تتفانى لمصلحة قومها فمسيرة كلّ نهضة مباركة جديرة بأن تنظر لها الأمة نظرة إكبار واحترام، لأن المهمة الشاقة لا ينهض بها إلاّ أصحاب العزيمة القوية، فلولا الصعاب والعقبات ما برز الرجال ولا لمعت بالتاريخ أسماء.