ابتهال بتحقيق الحُلم في يوم العلم
بقلم :أ. د. عبد الرزاق قسوم-
عبد الحميد، يا رمز العلم والعلماء، ويا سامي الروح في السماء، ويا ملهم الأدباء، والشعراء، والحكماء.
أطل علينا بروحك، يا ابن باديس، ونحن نحيي يوم العلم النفيس، ونعاني وباء "كورونا فيريس"، كي نهزم روح التيئيس، ونعيد البسمة إلى شفاه كل فم بئيس، وكل مريض تعيس.
فما أحوجنا إلى فكرك وذكرك، ونحن على أبواب شهر الروح، لنقضي بالصوم على كل القروح، ونداوي الجروح، ونعيد إعلاء الصروح.
بالعزم والإباء، والصوم والدعاء، والوعي والإخاء، سوف نقضي على الوباء، ونستأنف عملية البناء والإعلاء.
إن عيد العلم، الذي هو العلامة المضيئة في تاريخنا المجيد، ينبغي أن يوقظنا من نومنا المديد، ويأسنا الشديد، ولا وعينا البليد، لننطلق من جديد، في بناء الغد الأفضل السعيد.
يجب أن يكون العلم حافزا لنا على شحذ العزائم، والخلاص من حياة السوائم، وتشجيع البحوث العلمية، لإيجاد الأدوية، ومضاعفة التوعية، وإتباع كل أنواع الحذر والحِمية من الأذية.
إننا نُمتحن في عقيدتنا وإيماننا، ونُبتلى في صحة عقولنا وأبداننا، ونهدد بضياع أموالنا، وأطفالنا، وليس لنا إلا العلم والإيمان، لإنقاذ أحوالنا.
فبالطهارة الإيمانية، سوف نحصّن العقول والأبدان، من نجاسة الفيروس الفتاك الفتان، وبالوقاية العلمية، سوف ننقذ الإنسان، ونحصّن الأوطان، ونتخلص من كل أنواع العدوى، والإدمان.
إن الهبّة الشعبية العظيمة التي يشهدها شعبنا، والتعبئة السليمة، التي تعيشها أمتنا، في مواجهة الوباء، والقضاء على الداء، لهي البلسم الشافي من الدواء، لدفع البلاء.
إن يوم العلم، وما يتضمنه من قيم، لهو المقدمة السليمة، لتطهير الروح بالصوم، وما أروع أن ينعم شعبنا بطهارة الأبدان، وصفاء الوجدان، في ظل الذكر، والوعي، والإيمان، كي يعبر من محنة "الكورونا" إلى شاطئ الأمن والأمان.
اليوم وقد لاحت بشائر الخلاص، فما يقوم به أبناء وبنات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في كل أرجاء الوطن، من جمع الزاد والعتاد، لمساندة الأطباء، والسلك الطبي، المجندين، والمتفانين لتخفيف معاناة العباد، في كامل أرجاء البلاد، في الجبل، والسهل، والواد، أن هذا ليمثل نفحة من نفحات ابن باديس، ودرسا نتعلمه من يوم العلم، ويا له من درس نفيس.
فبالرغم من إمكانياتنا الطبية المحدودة، إلا أن تبرّع أغنيائنا، وتطوّع بناتنا وأبنائنا، قد طوقوا حجم انتشار الوباء، وقللوا من الضحايا في مستشفيات كل الأرجاء.
فلئن أغلقت في وجوه المصلين المساجد حفاظا على صحة وسلامة الساجد، فإننا نأمل أننا بالدعاء، وحسن الاهتداء، سنلج أبواب السماء، وتُفتح لنا من جديد أبواب المصليات والمساجد في شهر العبادة والصوم، والأمل، والرجاء.
إن تحيق الحُلم، في يوم العلم، وشهر الصوم، يبدأ بمزيد من التجنيد، والوعي، وتقديم الدواء، والغذاء، والكساء، والعطاء، والمزيد من السخاء.
فليس العيب، أن نُبتلى بهذا الوباء الرجيم، ولكن العيب، أن نستسلم بالخنوع والتسليم، ذلك أن هذا الوباء يقضى عليه بالنظافة والطهارة، وهذه خصائصنا كمسلمين، ويهزم بالمهارة وجسن الإدارة، وفدائيتنا، هذا كأطباء وممرضين.
فمهما تكن المعاناة، وأيا كانت التضحيات، فإن الخلاص لا محالة آت، وسننعم بعد الشدة، والمحنة، بكل الخيرات والبركات.
ولئن كنا لا نظهر الشماتة بأحد كمسلمين، ونتمنى السلامة والخير، لكل الإنسانيين، فإننا نحمد الله، أن كانت خسائرنا، أقل من الأمريكيين والأوروبيين، رغم ما لديهم من عتاد طبي مكين، وما يملكون من أموال القارونيين.
كما نحمد الله أن جعلنا مسلمين، فطهّرنا من كل نزعة عنصرية، ومن كل دعوة طائفية، ومن كل تصرفات عرقية أو إقليمية.
تلك –إذن- قناعتنا، وتلك هي منهجيتنا، التي أدبنا الإسلام بها فأحسن تأديبنا، وما وباء كورونا، وما تبعاته، إلا مرحلة زائلة، ولكن المهم، هو ما بعد كورونا.
فما هي الدروس التي يجب أن نستخلصها من محنة المعاناة ؟
الدرس الأول هو أن نعتني –مستقبلا- بصحة المواطن، فنبني له المستشفيات، ونفعل دورها، بالعناية بالطبيب، والممرض، والعتاد والزاد، وهذا يتطلب العمل على استعادة عقولنا المهاجرة، وتشجيع الأبحاث العلمية الماهرة.
الدرس الثاني، هو أن نحصن العباد والبلاد ضد الفساد، والاستبداد، بنزع الأوتاد الذين طغوا في البلاد.
فقد كان الفساد عائقا أمام تقدم المنظومة الصحية، وباقي المنظومات الوطنية، كالتربوية، والاقتصادية، والثقافية، والعلمية، والتكنولوجية.
الدرس الثالث، هو أن نهتم بالإنسان، فنثقفه ونكونه، ونربيه، ونحصنه ضد كل أنواع الأوبئة المادية والمعنوية، حتى نحدث فيه القابلية للبناء، والإصلاح، ونخلصه من آفات الفساد، والضياع، والخيانة، وضعف الانتماء الحضاري، والوطني، والعقدي.
الدرس الرابع، أن نصون استقلالنا وسيادتنا من التبعية، والانهزامية، وذلك بالقضاء على التواطئ مع ناهبي خيرات البلاد، وعدم التساهل في المساس بحقوق الوطن في النديّة والاستقلالية، والحفاظ على الهوية.
إن هذه الدروس مجتمعة، هي التي تعلمناها في مدرسة الإصلاح، بقيادة ابن باديس وصحبه، وفقد ضرب لنا حواريو جمعية العلماء أروع الأمثلة في التدين الصحيح، وما يتضمنه من صدق، وأمانة، ووفاء، وإخلاص، للوطن والمواطنين.
فاليوم، ونحن نحيي يوم العلم الذي يصادف ذكرى وفاة رمز العلم والعلماء، عبد الحميد بن باديس، يجب أن نستعيد نفحته الروحية فينا.
اهزز نفوس الظالمين، اقلع جذور الخائنين، أذق نفوس الظالمين؛ هذا هو البلسم الشافي، وهذه هي الوصفة الطبية الناجعة، التي علينا، أن نذكر الأجيال الصاعدة بها، وننشئها على المنهج الباديسي الذي لا يفرط في أي شبر من تراب الوطن، ويغار على قدسية استقلاله وسيادته، ومن ذلك تطهير المحيط الثقافي، والاقتصادي، والاجتماعي، من كل آثار العدوان، على اللسان، وعلى البنيان، وعلى الوجدان، والإنسان، بوجه عام.
فتحية إلى روح ابن باديس في يوم العلم، الذي نحيي فيه ذكراه.
وبلغنا اللهم رمضان، لنحقق الحُلم الذي يراودنا جميعا، وهو الخروج من محنة الوباء، واستعادة طهارة الفضاء، بأقل الخسائر الممكنة.