فضيلة الشيخ سي عطية مسعودي 1900 ـ 1989 أحد كبار علماء الجزائر
بقلم : محمد رميلات –
عندما كان فضيلة الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) رئيسًا لجامعة العلوم الإسلامية بقسنطينة كان يستشهد في محاضراته ودروسه بأقوال وفتاوى فضيلة الشيخ سي عطية بن مصطفى مسعودي ... وعندما سمع الشيخ سيدي محمد بلكبير (طيّب الله ثراه ) وفاة الشيخ سي عطية ، قال وعيناه تفيض من الدمع : ( لقد مات ملك الزمان في العلم و التقى و الورع ... الشيخ سي عطية ) ... ولمّا زار الشيخ عبدالحميد ابن باديس الجلفة سنة 1931 واستمع للشيخ سي عطية مسعودي أعجب به أيما إعجاب ، وأثنى عليه الثناء العطر ... ولمّا كان فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي يترأس بعثة الأزهر الشريف في الجزائر ، حَدّثه أحد الأساتذة الملازمين له عن علاّمة الجزائر الشيخ سي عطية مسعودي ، وعدد له شمائله الجليلة ، وخصاله الجميلة ، وحدّثه عن معارفه وعلومه ، فقال الشيخ الشعراوي رحمه الله " ليتني كنت فيها جذعًا " أي ليتني كنت شابًا فآخذ العلم عنه ...
وفي عام 1966 زار الشيخ سي عطية وفد كبير من علماء آسيا ، كان على رأسهم الفقيه العلامة الشيخ ميان محمد شفيق قاضي خيلي ، وهو من كبار الدعاة في ولاية بيشاور بباكستان ، ومكثوا في ضيافته بضعة أيام .. كانت أيام علم ، وفقه ، وأدب ، ومساجلات ، ونقاشات من أرقى ما يكون ... انبهر خلالها علماء آسيا بغزارة علمه ، ومحفوظاته من العلوم الشرعية واللغوية ، وعندما رجع الداعية محمد شفيق قاضي خيلي إلى بلده و في إحدى مراسلاته طلب من فضيلة الشيخ سي عطية مسعودي أن يقبل دعوته للإقامة بينهم ببيشاور و أن يشرف معه على تجمع كبير للعلماء و الفقهاء يدوم 04 أشهر كاملة ...
وكان الشيخ مبارك الميلي (رحمه الله) وهو أحد شيوخ جمعية العلماء ، يلقب الشيخ سي عطية بالأديب الفاضل ، وكان معجب بالشيخ سي عطية إلى حد الانبهار ، وعندما كان الميلي مُدرسًا في الأغواط كان يراسل الشيخ سي عطية ويتودد إليه بكلام لطيف رقيق ... وكان فضيلة الشيخ عاشور الخنقي (رحمه الله )، وهو أحد أعلام الجزائر الأفذاذ .. خريج جامع الزيتونة وقد أمضى فيه عشر سنين ، ودرّس في المدينة المنورة ، يستشهد بفتاوى الشيخ سي عطية ، كما ورد ذلك في كتابه المنار ... وكان فضيلة الشيخ عبدالرحمن الديسي ، يستشهد بفتاوى الشيخ سي عطية ... وكانت للشيخ سي عطية مسعودي مراسلات أدبية رائعة ماتعة مع فضيلة العلامة الشيخ الطاهر العبيدي ، وهي رسائل في غاية الجمال ، ومنتهى الابداع ...
وأثنى على الشيخ سي عطية العلامة الإمام الشيخ أحمد الأردني خطيب مسجد الفتح بمدينة بريمن الألمانية ، وهو ثاني أكبر مسجد بألمانيا ... وأثنى على الشيخ سي عطية عالم مدينة المدية وعلاّمتها الشيخ مصطفى فخّار ... وكان الشيخ عبدالقادر بن ابراهيم المسعدي وهو أحد مؤسسي جمعية العلماء يُقر بالمكانة الكبيرة للشيخ سي عطية ، ويعتبره من الراسخين في العلم .... وأثنى على الشيخ سي عطية شيخ الزاوية القاسمية العلاّمة مصطفى بن محمد القاسمي ... وما أكثر شهادات العلماء الذي أقروا بالمكانة العلمية الكبيرة لفضيلة الشيخ سي عطية بن مصطفى مسعودي ، فقد كان الرجل عالمًا بالحلال والحرام ، فقيها نبيهًا لا يكاد يدانيه أحد من شيوخ زمانه في سعة اطلاعه على أصول وفروع الفقه المالكي ، ولذلك كانت ولا تزال فتاواه مرجعًا للأئمة وشيوخ المساجد عبر الوطن ، ومرجعًا لأساتذة الجامعات في كليات الشريعة عبر القطر ... والفقه هو من أجل العلوم وأعظمها وأكبرها ... كان رحمه الله يُجيب عن كل عويصة من نوازل العصر مما قد يستشكل على أقرانه من الفقهاء ، ولو استعرضنا نماذج من فتاواه لطال بنا المقال ...
حفظ الشيخ سي عطية كتاب الله المجيد وعمره لا يتجاوز الثامنة ، وكان يتلوه غضًا طريًا بصوته الندي كما أنزله الله على النبي الأكرم والرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله سلم ، وكان يُفسره في دروسه تفسيرًا يأخذ بالعقول والألباب ، وكان يحفظ زهاء خمسين متنًا من متون الفقه والعقيدة والنحو والبلاغة والمنطق والسيرة والآداب والتجويد وسهو الصلاة وعلم الفرائض .. وإلى جانب هذه المتون كان يحفظ الموطأ ، وصحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وإحياء علوم الدين وهو كتاب من أربع مجلدات ... وكان إذا بسط القول في شرح هذه المتون وأمهات كتب التراث توغل بعيدًا في معانيها حتى لكأنها شاخصة ماثلة أمامك تكاد تتلمسها بيديك ...
كان العالم العلاّمة فضيلة الشيخ سي عطية مسعودي ذا جاه عريض ، ومنزلة رفيعة بين قبائل أولاد نايل التي ينحدر أصله منها لما عرفوه عنه من علم كبير ، وخُلق رفيع ، كان مسموع الكلمة ، مُهاب الجناب ، لا يُرد له قرار ، ولا يُشق له غبار ، وقد جعل الله له حظًا وافرًا من القبول بين الناس ..
كان متواضعًا ، خَفيض الجناح ، هيّنًا لينًا ، ألف مألوف ، حلو المعشر ، دائم الابتسام ، يُحبه كل مَن يجالسه أو يستمع لدروسه وخطبه ... كان ذائع الصيت داخل الوطن وخارجه لكنه كان من الأعلام الذين يعملون بصمت بعيدًا عن زخارف الشهرة وبهارج الأضواء ... ومما يحكيه الشيخ أحمد بن شريك وهو أحد تلامذة سي عطية " طيّب الله ثراه " عن أسلوبه في التربية ، قال تأخرت عن صلاة الجماعة يومًا وأنا تلميذ صغير فأرسل إليَّ أبيات مكتوبة يُعاتبني فيها قائلا :
أي بني أحمــد هل طـــاولك °°° عـذر يمنع المرء من صلاة الجماعـة
أم عراك الذي عرى غيركم °°° من فشـل وتهــاون في الطاعـــــــة
أي بني اصطبــر وصابر كمـــا °°° حث الكتاب وقول أهل الشفاعة
لاصــلاة لمن بقرب بيـــوت الله °°° إلا فيهــا ، فزكي البضـــــــاعة
بك إني ظننت خيرا فلا تعكـس°°° ظني وكــــن فتى ذا شجـــــاعة
تتلمذ الشيخ سي عطية بن مصطفى مسعودي على علماء أعلام ، ومشايخ عظام ، أذكر منهم أخيه الشيخ الهادي مسعودي المدرس في الزاوية الجلالية بضواحي الجلفة ، والشيخ عبدالقادر طاهيري شيخ الزاوية الإدريسية ، وأخذ العلم عن شيوخ زاوية عين الحمام ، وزاوية سيدي على أوموسى في بلاد القبائل الكبرى ، وتنقل إلى الجزائر العاصمة فكفلته عائلة سيدي محي الدين أولاد الباي ومكث هناك سبع سنين يطلب العلم عن الشيخ عبدالحليم بن سماية مفتى الجزائر العاصمة ، وما أدراك ما عبدالحليم بن سماية ؟ ، وأخذ العلم عن الشيخ بن جلون في زاوية الشيخ عبدالقادر الحمامي بالبليدة ... وبعد إجازته بالعلم والفتوى تولى التدريس في أول مدرسة أسستها جمعية العلماء المسلمين في الجلفة ...
وإبان فترة الكفاح المسلح كلفته قيادة جيش التحرير بمهام الإفتاء والقضاء للجنود والمجاهدين المقاتلين في سبيل الله ، وقام بهذه المهمة على الوجه الأفضل والأكمل إلى أن وضعت الحرب أوزارها ، ولمّا هلت بشائر النصر وولت فرنسا خاسئة خائبة عن بلدنا الجزائر ، تولى الشيخ سي عطية الخطابة والتدريس في الجامع الكبير بالجلفة ، فاستفاد من دروسه وعلومه الجم الغفير ...
عاش الشيخ في دنيانا الفانية هذه 89 عامًا ، قضى أكثر من 80 سنة منها في طلب العلم والعمل به وبثه في الناس .. ولد سنة 1900 وتوفي سنة 1989 فجر الأربعاء 27 سبتمبر ، عليه من الله شآبيب الرحمة والرضى والرضوان .