الشيخ الأزهري ثابت -حياته وآثاره-
بقلم: د. عبد الحميد كحيحه-
"إن مثل العلماء العاملين المصلحين كمثل الماء المعين، هذا يسوقه الله إلى الأرض الجرز فتهتز بعد همود، وتربو بعد جمود، فتنبت ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأولئك يبعثهم الله في أمتهم فيؤذنون فيها فتستيقظ بعد رقود، وتتحرك بعد ركود وتنهض بعد قعود، وتنشط بعد خمود، وترشد بعد غواية، وتتآلف بعد تخالف، وتتعارف بعد تناكر، وتتصالح بعد تدابر، وتنسجم بعد تنافر، وتتوحد بعد تفرق وتلتئم بعد تمزق، وتتخلق بعد انحلال، وتنتظم بعد اختلال، وتصح بعد اعتلال وتهتدي بعد ظلام، وتتذكر بعد نسيان، وتتآخى بعد عدوان"(1).
إنّ منطقة الجنوب الشرقي الجزائري تزخر بعلماء أجلاء أفذاذ لا يمكن إغفال انجازاتهم ومجهوداتهم الجبارة في مجال الأدب واللغة ومختلف العلوم الأخرى كعلوم القرآن والتاريخ ...الخ.
فمنهم من رحل إلى الرفيق الأعلى ومنهم من يزال على قيد الحياة ومن بين هؤلاء الشيخ العلامة "الأزهري ثــابت"، الذي يعدّ من أبرز شيوخ منطقة المغير الى جانب العلامة الشيخ "عبد المجيد حبة" و "إبراهيم بوحنيك".
ولقد وددت أن أتناول شخصية الشيخ العلامة الأزهري ثابت محاولا تسليط الضوء على حياته وأهم آثاره التي لا تزال مخطوطة بخط يده. في هذا الملتقى الوطني حول الحركة اللغوية والأدبية في الجنوب الشرقي الجزائري والذي سنحت لي الفرصة أن أكون أحد المشاركين فيه، متوجها بجزيل الشكر والامتنان إلى السيد: مدير مخبر التراث اللغوي والأدبي في الجنوب الشرقي الجزائري الأستاذ الدكتور: بوبكر حسيني الذي منحني فرصة المشاركة في هذا الملتقى العلمي راجيا من الله تعالى سداد الرأي و أن أوفق فيما قصدت إليه نبــذة عن حياة الشيخ العلامة الأزهري ثابت:
هو الأزهري بن لخضر ثابت المولود سنة 1923 م بالمغير ولاية الوادي، نشأ وسط عائلة محافظة تعتمد على زراعة النخيل وفي جو ديني، تولى والده الشيخ الأخضر ثابت وضْعه على المسار الصحيح، إذ ادخله الكتاب ثم عهد بتعليمه الى الشيخ المصلح العامل "علي خليل" رحمه الله ومشائخ آخرين كالطاهر بن ريزوق، والطاهر حركاتي وعلي بن عقورة، والسعيد بن جحيش الرحماني وغيرهم ولقد حدثني قال: "لما بلغت سن الرابعة من عمري ويزيد أدخلني والدي المكاتب القرآنية الى جانب مدرسة التربية والتعليم، وفي هذه المرحلة كان أبي يزودني بمبادئ اضافية في النحو والصرف والدين، ولقد حفظت القرآن في سن لا يتجاوز اثني عشر عاما و ذلك من فضل الله تعالى، ثم المعلمين رحمهم الله وفي تلك الفترة المبكرة أديت صلوات التراويح مبدئيا بالعائلة بإشراف والدي رحمه الله، وبعدها وبطلب من أهالي المنطقة أصبحت أؤدي صلوات التراويح في مسجد الحاج الشاوي "بلال بن رباح" حاليا بالمغير إماما، و الحمد لله من قبل ومن بعد "(2)
وفي عام 1936 انتقل إلى الجزائر العاصمة لتلقي المزيد من العلوم على يد إمام الزاوية العلوية وفي سنة 1938/1939 انتقل إلى قسنطينة لتلقي العلوم على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد النهضة ليتحول بعدها ضمن بعثة علمية إلى تبسه أين درس على يد الشيخ العربي التبسي.
وفي سنة 1947 توجه الشيخ ضمن بعثة علمية إلى حاضرة الزيتونة بتونس إلى أن نال شهادة الأهلية سنة 1948 وكان أحد أعضاء جمعية الطلبة الجزائريين بتونس ليعود بعدها إلى أرض الوطن معلما في إطار التعليم الجزائري الحر، فكانت مدينة القل أول خطة تعليمية قدم فيها الشيخ الدروس ليعود بعدها إلى مسقط رأسه المغير أين أعاد فتح مدرسة النجاح رفقة أحد رفقائه الشيخ إبراهيم بوحنيك وكان ذلك سنة 1953 أبرز الطلبة الذين تتلمذوا على يد الشيخ الأزهري ثابت: الدكتور عبد الرزاق قسوم، محمد لحسن زغيدي، عمر بوحنيك، بشير بوحنيك، إبراهيم بوزقاق الشهيد أحمد بوزقاق، الشهيد محمد شهرة، إسماعيل بوزوايد.
نشـاطه السياسي إبان الثورة التحريرية الكبرى:
كان الشيخ من أبرز أعضاء الحركة الوطنية في المغير، وغداة اندلاع الثورة التحريرية لم يتوان لحظة في الانضمام إليها فكان ضمن اللجنة الأولى في المغير، تدعم وتساعد الثورة ولقد عين عريفا سياسيا في اللجنة المدنية لجمع السلاح والتموين إلى جيش التحرير للولاية الأولى وذلك ما بين المغير، جامعة، تقرت، خلال 1955/1957 إلى جانب الشيخ عبد المجيد حبة/الطيب بوزقاق/ العيد بالرمضان/ عبد الله قسوم/ إبراهيم بوحنيك.
وبعد اكتشاف السلطات الاستعمارية لنشاطه السياسي التحق عام 1957 بجيش التحرير الوطني ناحية كيمل بخنشلة وأعطيت له المسؤولية كقاضي سياسي وكاتب للأحداث.
ثم انتقل إلى الحدود الجزائرية التونسية أين تلقى المسؤولية السياسية لناحية توزر ثم أرديف عام 1958/1960 بإشراف الأخوين إبراهيم إبراهيمي والضابط الطاهر يونشي مساعد مصطفى بن بوالعيد. وفي 1960 أرسل ضمن معطوبي الحرب إلى بلغراد (يوغسلافيا) بغرض العلاج.
ومع بزوغ فجر الاستقلال دخل مع جيش الحدود الجزائري، ليستقر في بسكرة ويزاول رسالة التعليم إلى جانب نشاطه الحزبي كمناضل ثم عضو في المجلس الشعبي البلدي لبلدية بسكرة.
تقاعد سنة 1978 ليتفرغ للوعظ والإرشاد وإلقاء الدروس والمحاضرات في بسكرة والمغير.
آثـاره :
إن آثار الشيخ كلها مخطوطات مكتوبة بخط يده فهو "خزانة العلم المتنقلة خاصة من ناحية اللغة والأدب ومصدرا للأرشيف العلمي والثوري بما تحتويه مكتبته من كتب قيمة ومخطوطات ألفها بالإضافة إلى الوثائق التاريخية النادرة والصور وغيرها..."(3)
فقد حدثني قائلا(4) : " في الحقيقة لدي الكثير من الأعمال عبارة عن مخطوطات وهي كما يلي:
1_ مذكراتي وتقع في 21 مصنفا مزودا بالرسائل الخاصة بكل فترة من الفترات.
2_ مخطوط: في ترتيب نزول الوحي.
3_ أسرار التكرار في القرآن للكرماني: قمت بإعادة ترتيبه مع إضافات مفيدة في مجاله مركزا على الجانب اللغوي في ذلك.
4_ مقتطفات من صفوة التفاسير مع تعليقاتي المبنية على أسس علمية ولغوية.
5_ الرواة والأئمة للمذاهب الأربعة
6_ السيرة النبوية والتاريخ لبعض الصحابة
7_ مصنف خاص بأدب الرحلات (فيه وصف لرحلاتي التي قمت بها منذ كان عمري 13 سنة).
8_ مصنف خاص بالمحاضرات التي شاركت فيها في كل الملتقيات والندوات كما خصصت جزءا آخر لكلمات التأبين لبعض الشخصيات العلمية لمنطقة الزيبان والمغير ومن بين هذه المحاضرات:
الشيخ محمد العيد آل خليفة (شعره ببسكرة)، وهي دراسات أدبية اعتمدت فيها التحليل والوصف.
الشيخ عبد الحميد بن باديس في كل مناطق الجزائر، مبديا آرائي حول مساهماته الأدبية والثقافية باعتباره رائد النهضة الفكرية والاصلاحية في الجزائر.
ذكرى الشيخ طفيش بغرداية.
ذكرى حرب التحرير 1383هـ/1954 م.
محاضرة المرأة في المجتمعات قديما وحديثا .
محاضرة الوصايا العشرة في الوعظ والإرشاد.
ذكريات رحلات الزيتونة.
ذكريات الالتحاق بالثورة (حياة الأزهري).
ومن نماذج آثاره المخطوطة محاولات شعرية من بينها أبيات شعرية حول فلسطين ولبنان فعن الأولى يقول:
فلسطيـــن
فلسطين العزيزة لا تراعي *** فعين الله راصدة تراعي
وحولك من بني عدنان جند *** كثير العد يزأر كالسباع
إذ استصرخيه للحرب لبى *** وخف إليك من كل البقاع
يجود بكل مرتخص وغالي *** ليدفع عنك غارات الضباع
بليت بهم صيهاته جياعا *** فسحقا للصهاينة الجيـاع
قد اشتهر اليهود بكل قطر *** بأن طباعهم شر الطبـاع
قد اغتر اليهود بما أصابوا *** بأرض القدس من بعض القلاع
متى كان اليهود جنود حرب *** وكفؤا للأعارب في الصراع
لنا في الحرب غارات كبار *** وأيام مخلدة المســاعي
وهمات تهمي بكل خطب *** لنيل الشهادة في اطــلاع
وكيف نذل أو نرضى انخفاضا *** ونجم جد ودنا نجم ارتفاع
لبنـــان
غاب لبنان في رقيق من الغيم *** كما غاب في مد اليـم زورق
ظفر الثلج والسحائب تاجــا *** واختفى في الضباب ثم تعلـق
إيه لبنان يا نشيــد الأنـــا *** شيد و يا صورة النغم المحقق
علم أنت للهوى و الأمانـي *** يشتهي السحر في حماك فيخلق
خاتمة:
وأخيرا وليس آخرا، فان هذه المداخلة ما هي إلا عبارة عن محاولة لنفض الغبار عن رجل وهب حياته للعلم والتعليم والتوعية والوعظ والإرشاد، غفل عن أعماله معظم مثقفينا لا سيما في الجنوب الشرقي، وهو منبع للعلم والمعرفة وخاصة في ميدان اللغة والتاريخ والدين وهو لايزال حي يرزق إلى حد الساعـة أطال الله في عمره وأدامه ذخرا لهذه المنطقة علما وتعليما.
أرجو من الله تعالى سداد الرأي وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قائمـة المصادر والمراجع:
1/ آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي: جمع و تقديم د: أحمد طالب الإبراهيمي، ج1، دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان ط1، 1997، ص 25.
2/ عن الشيخ: الأزهري ثابت، في جلسة علمية يوم 30/11/2011 على الساعة: 10:00
3/ مجلة العربي العدد:87 /2005، ص151.
4/ عن الشيخ: يوم 02/12/2011 على الساعة 16:00