الشيخ الأخضر فيلالي… فارس الوحدة والتوحيد
بقلم: عبد الغني بلقيروس-
يعتم النسيان في الجزائرنا الحبيبة على سيرة العديد من الأعلام ممن تركوا بصمات لا تمحى على المسيرة الوطنية والاصلاحية، وكانت لهم جهود كبيرة في التصدي لسياسة الاستعمار الفرنسي في تجهيل الشعب، ودق أسافين الفرقة بين أبنائه، خاصة بين الاخوة في بني ميزاب وغرداية عامة، وما الأحداث الجاهلية التي تعرفها غرداية هذه الأيام، إلا لقلة أمثال هذا الجهبذ من أولى الألباب الذين يقطعون أسباب الفتن قبل وقوعها.
ولد الشيخ محمد الأخضر فيلالي في خنقة سيدي ناجي ولاية بسكرة عام 1906 ، وبها حفظ القرآن وتعلم مبادئ الفقه واللغة العربية، قبل أن يشد الرحال إلى سيدي عقبة أين أكمل دراسته العلمية في زاويتها الشهيرة بين سني (1926-1930)، لينتقل بعدها إلى قسنطينة حيث واصل تحصيل دراسته العليا على يد رائد النهضة الشيخ عبد الحميد ين باديس بالجامع الأخضر، ومن زملائه في الصف الشيخ الفضيل الورتلاني، وبالموازات كان الشيخ يدرس طلبة الصفوف الجديدة في المسجد ومن طلبته الشيخ لأحمد حماني والصادق حماني.
لينتقل بعدها الى الاوراس مدرسا للقرآن والفقه بزاوية قرية "الدشرة الحمراء" بأريس التي أنشأتها عائلة الصالحي، والتي سبقه الشيخ مولود الزريبي الأزهري في التعليم بها، ومن أبرز تلاميذه في المدرسة بين (1928 و1930) الشيخ محمد الأمير الصالح الذي أصبح في ما بعد من إطارات الأوقاف والشؤون الدينية بالجزائر.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية اعتقل الشيخ فيلالي رفقة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وحددت إقامتهما بأفلو ولاية الاغواط في الجنوب الجزائري، وهناك إتصل بهما في عام 1940 السيد أبوبكر بن مرزوق زرباني من أعيان قبيلة المذابيح في ولاية غرداية، وطلب من الشيخ الابراهيمي ايفاد الشيخ فلالي لتنشيط حركة التعليم والاصلاح بغرداية، فكان له ذلك اذ انتقل الشيخ فيلالي الى مسجد خالد بن الوليد وبدأ خطواته الاولى في مسيرة تعليمية رائدة بغرداية .
ولم يلبث أن كون ثلاث حلقات علمية على حسب مستويات الطلبة في اللغة العربية وقواعدها، والفقه الإسلامي على مذهب الإمام مالك مع تحفيظ القرآن الكريم وتعليم احكامه، ومراجعته يوميا بالنسبة لحافظيه. وكانت له حلقة عامة بعد صلاة العشاء في جامع خالد بن الوليد في كل ليلة تؤمها الجماهير من أحياء غارداية وموضوعها : الأحاديث الشريفة وشرحها، وما يستنبط منها من أحكام وحكم. أما خلال فصل الصيف والجزء الاول من فصل الخريف فينتقل بطلبته إلى الجامع العتيق بضاية بن ضحوة.
كما كان في الحلقات الخاصة يكون طلبته تكوينا سياسيا، وفي كل مناسبة يزرع في قلوبهم كراهية الاستعمار الفرنسي وعملائه. ومن حسنات الشيخ التي أكبرها فيك الكثير ممن عرفه توحيده للطلبة من الاباضية والمالكية في صفوف مدرسية واحدة، واستقباله لمدرسيين من علماء ودعاة الاخوة الاباضيين في مسجده لتقديم دروس ومواعظ. وكان في درسه العام ينهى أولياء البنات عن إرسال بناتهم إلى مدرسة "الأخوات البيض" تجنبا لتنصيرهن .
وهو ما جلب له الكثير من التضيق من عملاء الاستعمار وجواسيسه. فأتهمته بتأييد حاملي السلاح من القطر الليبي إلى القطر الجزائري، فنفي من غرداية الى مدينة الجزائر، وبذلك فترت النهضة العلمية التي زرع بذورها في الفترة الممتدة بين 1940م -1946.
عاد الشيخ المنفي من الجزائر العاصمة إلى غارداية بعد تدخلات لدى السلطات الحاكمة من بعض المقربين عندها،, وكان من ثمرات جهوده التعليمية المباركة أن صحب بنفسه أول فوج تعليمي من طلبته النجباء الى جامع الزيتونة المبارك بتونس في أكتوبر 1946، يتكون من ثلاثة أعضاء منهم الشيخ الأخضر دهمة من متليلي، ثم أتبعه بفوج ثان بعد أسابيع قليلة من 05 أعضاء ليواصلوا بعده النهوض بالحركة الإصلاحية التي أنشأها بغرداية. وأمام نجاحه التعليمي والتوعوي الباهر، بادرت السلطات الاستعمارية الفرنسية الى ابعاده مرة أخرى عن غرداية الى احدى قرى منطقة القبائل، ولكن ذلك لم يفت من عضده ولم ينكسه عن تادية رسالته التعليمية والاصلاحية التي نذر حياته في سبيلها، فترأس احدى الزوايا وبدأ فيها مسيرة التعليم والاصلاح ومحاربة البدع والشعوذة والتنصير.
لينتقل بعدها إلى مدينة بوقرة ولاية البليدة كإمام وخطيب لمسجدها الجامع (المسجد العتيق) والذي شهد في عصره توسعة في 1963 ونشاط تربوي مشهود حيث كان للشيخ ـ رحمه الله ـ حلقات علم عامة وأخرى خاصة للطلبة الملتزمين، وتتلمذ على يده الكثير من أبناء المدينة والقرى القريبة، كما عرف الشيخ بجهره بكلمة الحق، ومحاربته للآفات الاجتماعية والأخلاقية، وباحتضانه لشباب الصحوة الإسلامية ومحاورتهم وتقريبهم ونصحهم.
وبقي الشيخ على هذا النشاط حتى وفاته في 11 فيفري 1977 بمدينة بوقرة، حيث شيعت جثمانه وفود غفيرة، أبنه الشيخ أحمد حماني وأم صلاة الجنازة تلميذه الشيخ منور أقنيني، وحضرها العديد من العلماء والدعاة وعلى رأسهم الأستاذ الشاذلي مكي والدكتور بن تشيكو وغيرهم.
وقد نظمت جمعية الارشاد والاصلاح ملتقى وطني عن حياة الشيخ فيلالي واعماله في بلدية بوقرة في نوفمبر 2006 تحت عنوان "تعريف بحياة وسيرة الشيخ الأخضر فيلالي وعلاقته بجمعية العلماء" حضره العيد من رفاقه وتلامذته.
كما سمي المسجد الجامع ببوقرة، وثانوية تعليمية بغرداية باسمه، لتقتدي وتتأسى الاجيال المتعاقبة بسيرته العطرة وهمته السامقة. قال عنه تلميذه الدكتور محمد الحباس: "كان الشيخ الأخضر اصلاحا يدب في الأرض".