من وجوه الحركة الإصلاحية في الجنوب الجزائري الأديب عبد القادر عماري
بقلم : محمد بسكر-
لا ريب أنّ تأثّرَ رجال الفكر والأدب في الجنوب الجزائري بالحركة الإصلاحية التي شهدتها الجزائر على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس بدأ مبكرا قبل تأسيس جمعية العلماء، ففكر ابن باديس التربوي الرّامي إلى الإصلاح الثقافي والاجتماعي والسياسي تغلغل في هذه الطبقة من خلال دروسه التي ذاع صيتها انطلاقا من الجامع الأخضر بقسنطينة، فكانت لها أقوى الآثار على النفوس وتكوين الملكات، أو نتيجة ما نشرته جرائده وخاصة مجلة الشهاب التي لقيت رواجا واسعا لتنوع مواضيعها الاجتماعية والثقافية والسياسية.
تأثر الشيخ عبد القادر عماري (المعروف بابن عمار) بدعوة ابن باديس الإصلاحية التي وصل صداها إلى بلدته بوسعادة في العقد الثاني من القرن العشرين، فساهم في نشرها رفقة زميله الشيخ محمد بن أحمد بسكر.
والشيخ عبد القادر بن عمارأديب كاتب، تميز بأسلوب مَيّال إلى النقد والتبرم من سُدف مجتمعه الغارق في البدع والمفاسد، وله شعر جيّد، على قلته. أخذ تعليمه ببلدته وعاصر أهم شيوخها، أمثال الشيخ أحمد بن حامد شيخ الطريقة الشاذلية، والشيخ الخيذر بلخليدي، والفقيه بلحاج بن عبد القادر بن سالم وغيرهم، واكتسب ثقافة واسعة من استدامته للمطالعة، فهو عصامي في جانب كبير من تكوينه العلمي، حفظ الكثير من نصوص الأدب والشعر، وعُرف بفصاحة اللسان، والقدرة على الخطابة.
تولى منصب الإمامة بجامع الموامين ، وساهم في تكوين عدة جمعيات ثقافية واجتماعية، فهو أحد المؤسسين للنادي الأدبي سنة 1927م، وجمعية الهداية سنة 1933م، وانخرط مبكرا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فدافع عن مبادئها بقناعة، وعاضد أفكارها بعزيمة.
ولبلاغته وفصاحته كان خطيب بوسعادة في جميع المناسبات العامة، ويكفى أنّ الأستاذ محمد العاصمي وصفه بــ(البارع)، لما سمع خطابه بمناسبة المهرجان الذي أقيم احتفاء بإشهار الفنان الفرنسي (إتيان دينيه) لإسلامه، وممّا قاله العاصمي في مقاله بمجلة الشهاب:«..وممّا تلقيناه من الأديب السيد أحمد بن مزوز المتخرج من الزاوية الهاملية القاسمية، تعلم أن ّالذي افتتح حفلة التكريم هو فضيلة المدرس الرّسمي السيد ابن الحاج، وكانت كلماته التي ألقاها في الإسلام هي السحر الحلال، ثم ألقى خطابا مؤثرا حضرة إمام مسجد الموامين البارع السيد عبد القادر بن عمار..».
وذكره الأستاذ الطيب العقبي في جريدة الإصلاح أثناء تغطيته مراسم جنازة (إتيان دينيه)، والتي شارك فيها رجال الأدب والفكر، أمثال الشاعر مفدي زكريا، والمؤرخ أحمد توفيق المدني، والطيب العقبي، والشّيخ إبراهيم بن الحاج عيسى صاحب جريدة (ميزاب)، وقد ألقى الشيخ ابن عمار خطابا، وصفته جريدة الإصلاح بقولها: « وخطاب السيد( عبد القادر بن عمار) من تجار بوسعادة وأعيانها وأدبائها ».
ومن خلال ما اطّلعنا عليه من مكتوباته في الجرائد وخاصة في الشهاب والنجاح، يمكننا أن نلخص فكر ونشاط الشيخ ابن عمار في النقاط التالية:
• دفاعه عن مجلة الشهاب: يعتبر الأديب ابن عمار من المولعين بمجلة الشهاب، وأحد المروّجين لها، ورغم قلّة المواضيع التي نشرها فيها فإنه دافع عن منهجها، فكان يرى بأنها من أسباب النهوض الثقافي، وانتشار الوعي السياسي الذي دبّ في القطر الجزائري، حيث ساهمت في إحياء العلوم، وجعلت هدفها مقارعة مفاسد المجتمع الأخلاقية والاجتماعية، وخاصة مطلع العقد الثالث من القرن العشرين، فقد لاقت بداية ظهورها الكثير من الصعوبات وحملات التشويه والنقد غير المنصف. ومما كتبه ابن عمار في المنافحة عنها، قوله:: «مجلة الشهاب العلمية التي أحييت ما اندرس من العلوم الحقة، وأنارت بصائر كثير من الأدباء، وجعلت ضالتها المنشودة وحاجتها المقصودة إحياء السنن وإماتة البدع ».
• محاربته للفساد الاجتماعي والأخلاقي: يرى رحمه الله بأنّ من المصائب التي أصيب بها القطر الجزائري انتشار البدع انتشارا ينفطر له القلب، بسبب سكوت العلماء وعدم اعتنائهم بما حل بالمجتمع، فكتب مقالة في جريدة النجاح، تساءل فيها عن سبب سكوت علماء الدين؟ فقال: ألم يسؤكم ما عليه البعض من أبناء القطر الجزائري من الجهل بالسنة والانحطاط؟، فتصحيح العقائد وتقويم الأخلاق من الاهتمامات التي قامت من أجلها دعوة ابن باديس، ويذهب إلى« أنّ تهذيب أخلاف الناشئة، وتربيتهم تربية نزيهة، يكون فيه الضّمان الكافي لحياة الجزائر حياة أدبية تهذيبة».
• نشاطه في المجال الاجتماعي والثقافي: ظهر جليا من خلاله مشاركته في معظم الفعاليات التي شهدتها بلدة بوسعادة، فقام بتأسيس النادي الأدبي معية الأستاذ عبد الرحمن بن خريص سنة 1927م. وشارك في الانتخابات المحلية سنة 1929م، ونجح ضمن قائمة شملت مجموعة من شباب الإصلاح في حصد معظم مقاعد المجلس البلدي. وبعد تأسيس جمعية العلماء بنادي الترقي سنة 1931م، قام مع صديقه الشاعر محمد بن أحمد بسكر بفتح فرع لها ببوسعادة، كما شارك مع خيرة شبابها في تكوين جمعية الهداية سنة 1933م، والتي من ثمارها إنشاء مدرسة لتعليم أبناء الأهالي، هي المدرسة الأولى للتعليم العربي الحر ببوسعادة، غير أنها أغلقت لدواع مجهولة، ثم تحولت بعد الاستقلال إلى معهد إسلامي، وهو من المعاهد الأولى على المستوى الوطني، وقد أشرف الأستاذ أحمد توفيق المدني على تدشينه سنة 1963م.
• عمله في المجال الصحفي: كتب ابن عمار في جرائد مختلفة منها الإصلاح والشهاب والنجاح، وبإمكاننا اعتباره ممثل جريدة النجاح القسنطينية، ومراسلها الخاص، زودها بالأحداث الثقافية والسياسية التي تقع في بوسعادة والمدن القريبة منها، ونشر فيها مقالات تصب في التعريف بالنشاط الثقافي وبأعلام ومشايخ منطقته، فكتب عن إسلام المستشرق الفرنسي ناصر الدين دينيه قطين بلدته (العدد 540/1928م)، وتحدث عن قاضي المحكمة الشرعية السيد عبد الواحد محمد بن المختار، وترجم للشيخ بلقاسم بن محمد بن أبي القاسم ( العدد 759/1929م)، وتكلم في أكثر من مقال عن زاوية الهامل، وغير ذلك من المواضيع التي تحوي معلومات تاريخية واجتماعية وسياسية للمنطقة التي عاش فيها.
توفي رحمه الله سنة 1965 م، ودفن ببلدته وترك عدة مقالات أدبية ومنشورات أثرية، ويدل شعره ونثره على قدرة كبيرة لم تستغل جيدا، ولعل مهنته واشتغاله بالتجارة استأثرت به، ونختم الحديث عنه بمقطع من قصيدة شعرية عثرنا عليها كتبها لصديق دربه الشيخ محمد بن أحمد بن بسكر، تشجيعا وتنشيطا له ولغيره من أبناء بوسعادة لينخرطوا في سلك الكتّاب، كي تأخذ بوسعادة حظها من الأدب، قال رحمه الله فيها:
الغرب كم أحرزت أبناؤه عجبا.... فأدركوا من علوم العصر ما احتجبا
وبينوا طرقا في الكون خافية..... وسخروا من ضروب العلم ما صعبا
هذي بواخرهم في البحر جارية.... هذي مناطدهم تزاحم السحبا
من قام بالجد والعلم الصحيح يفز.. بما توخاه في الدنيا وما رغبا
قوموا بني وطني من نوم غفلتكم... واستنهضوا سعيكم فالجد قد وجبا
وحاربوا الجهل في تعليم نشئكم.. لا تحرموا فكرهم من خير ما اكتسبا
للمقال مراجع.