تاريخ الحركة الإصلاحية والتربوية بمنطقة عزابة بسكيكدة
بقلم: د. وليد بوعديلة-
تعتبر دائرة عزابة من أكبر دوائر ولاية سكيكدة، وقد عرفت الكثير من المحطات التاريخية في تاريخ الجزائر القديم والجديد، ولا يمكن تجاهل الوقفات التاريخية الثورية للمنطقة في الفترة الاستعمارية، كما لا يمكن للباحث في التاريخ الثقافي أن لا يفتح صفحات النشاط الإصلاحي والتربوي الكبير، وقد كتبت حروفه أسماء كثيرة، منها من توفي رحم الله، ومنها من مازال يواصل العمل الدعوي والتربوي.
إن تاريخ منطقة عزابة مرتبط بتاريخ سكيكدة والجزائر عموما، فقد عرفت الولاية نشاطا للحركة الوطنية بكل أحزابها، كما عرفت نشاط جمعية العلماء من خلال مدرسة الإرشاد، وقد شهدت منطقة عزابة الكثير من المعارك ضد الاستعمار الفرنسين مثل معركة تانقوت بأعالي السبت في ديسمبر 1956، ومعركة جبل القلعة بالغدير في أكتوبر 1956، كما شهدت مدينة عزابة (جوماب في العهد الاستعماري) بعض الأحداث في 20 أوت 1955 ومعها قرية جندل، ومر عليها بعد الاستقلال الكثير من رؤساء البلدية مثل بن جدو بوزيد، روابح علال، لعايب لحسن، علمة احسن، مزغاش رابح، مطلاوي محمد، كركوب عبد العزيز،... وهي تقع في منطقة استراتيجة وسطا بين ولايات عنابة- قسنطينة- قالمة، ويعبرها الطريق السيار، وهي قريبة من شواطئ قرباز، ومعروفة بالنشاط الفلاحي، وبها المدرسة العليا للاساتذة في التكنولوجيا، وبها المركب الثقافي الكبير علي منجلي الذي يظم مسجد الفرقان ومكتبة تراثية ضخمة أهداها الشيخ الإمام مبارك عوادي للمسجد.
عن الإصلاح وتاريخه
وتتوفر مدينة عزابة على مجموعة من المساجد، أبرزها مسجد دار الهجرة بحي ألف مسكن والمسجد العتيق بقلب المدينة وهو مقابل للأقواس، والمسجد الجديد الذي يجانب ساحة الشهداء ومقر البلدية، ومسجد الفرقان وهو أكبر مسجد في المدينة في مخرجها نحو سكيكدة...
وإذا بحثنا في التاريخ الثقافي لعزابة فلن ننسى العالم الكبير الشيخ عبد الرحمان العايب وهو إمام فيه أديب بليغ، ورغم أنه -رحمه الله- كان ضريرا إلا أن دروسه كانت تجمع كل سكان المنطقة، وفيها الفصاحة و الدعابة والفائدة النحوية و الفقهية، ومقصورته ضمت نخبة عزابة في المجالات العلمية والتربوية والإعلامية، لأنه يقدم دروسا تشرح الأصول في النحو والبلاغة والتفسير والفقه... وقد نال الاعتراف الوطني والعربي بعلمه وأدبه، وقد عرف بوطنيته وموسوعيته العملية والشرعية.
ولا يمكن للتاريخ الدعوي بعزابة أن لا يذكر الشيخ الراحل عبد الحميد لعدايسية الذي كان مربيا معروفا، وقد توفي قبل سنوات، وكان أستاذا للغة العربية بثانوية مالكي عز الدين، قبل أن يتقلد منصب الناظر فيها، وقدم الشيخ الإمام لعدايسية الكثير للعمل التربوي والإصلاحي بدروسه التي تتميز بالمزج بين الهدوء والحماسة، وإعطاء الأفكار حقها من التعبير اللغوي المناسب والاستدلال بالآيات والأحاديث في خطب منبرية دعوية، تجمع ولا تفرق وتوحد ولا تشتت، كما كان حريصا على الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني. وقد جمعت جنازته كل أهل عزابة بمختلف أطيافهم المجتمعية والحزبية والفكرية، لأنه كان مثالا للمربي الجامع والوطني الموحّد.
ويعتبر الشيخ المتواضع أبو بكر حداد من رمز الإصلاح والدعوة بعزابة، وهو أستاذ سابق في التعليم الابتدائي، تخرجت على يديه الكثير من الإطارات التي تسير الوطن الآن، يدعو ويربي ويحرص على تقديم صورة الإسلام الوسطي البعيد عن التطرف والغلو، وقد خطب ودرّس في كثير من المساجد، ليستقر منذ سنوات بمسجد دار الهجرة، ورسالته الأساسية هي التعريف بقيم الإسلام الذي يحترم الآخر ويوحد الوطن في أمن وسلام، وتتميز دروسه المسجدية بأسلوبها البسيط المفهوم للعامة، مع توظيف النصوص القرآنية والنبوية واستثمار الموروث الشعبي لاقناع المتلقي والمستمع، ورغم السنوات الطوال في الميدان الإصلاحي فإن الشيخ حداد يواصل النشاط.
وقد خصص الشيخ حداد كل وقته لتتبع مشروع بناء وانجاز مسجد دار الهجرة وكل مرافقه، مثل المنارة والمدرسة القرآنية وغيرهما،فهذا المسجد من أحسن مساجد الولاية وأنظفها وأنشطها بالأمسيات القرآنية والإنشادية، التي يشارك فيها كبار القراء في الجزائر والعالم العربي وتركيا، وهندسة المسجد تجمع بين العمارة المغاربية والشامية، فمن يدخل يتذكر المساجد في بلاد الشام وتركيا، وتسيير المسجد وصيانته بإشراف لجنة دينية تجمع خبرة الكبار وحيوية الشباب برئاسة الشاب الخلوق جمال بعيش، دون تجاهل الدور الكبير من القيم الشاب جمال الواراسي .
من رجال عزابة ومربيها..
ومن الأعلام البارزين في تاريخ التربية والعمل الدعوي والإصلاحي بعزابة نذكر: الشيخ عمر بن جلواح (رحمه الله)، الشيخ بن سعود إبراهيم (رحمه الله)، الأستاذ علي بن ذيب (اهتم كثيرا بالنشاط الفني ودوره في التربية)، الشيخ علي بوسطحة، الأستاذ سعيد منصوري (يتميز بفصاحته وتنوع ثقافته وتواضعه و وطنيته الكبيرة)، الشيخ عبد الله نميري (إمام المسجد العتيق رحمه الله)، أحمد سائحي (الناشط الجمعوي والداعية المثقف والوطني الجامع بين الأصالة والمعاصرة)، عمار بوعزيز (رحمه الله)، الأستاذ والكاتب حميد لعدايسية، الأستاذ عمار لعجيمي، الشيخ مرجة رابح (المعروف بقراءته المغاربية في صلاة التراويح في المسجد العتيق)...
ثم جاء جيل آخر من الأئمة والمربين والمصلحين، مثل الشيخ عبد الله مطلاوي خطيب المسجد العتيق، الشيخ محمد لكحل إمام مسجد دار الهجرة، الشيخ عدلا شابي صاحب الصوت الجميل في القراءة القرآنية والدارس بجامعة الأزهر بمصر، الشيخ شعيب إمام المسجد الجديد، الشيخ أحسن إمام مسجد الفرقان...وغيرهم من الدعاة و الأئمة والمعلمين والمربين بمدينة عزابة وضواحيها.
ولا نغفل الدور الكبير للكشافة الإسلامية وفوج العزم بعزابة بقيادة الشاب الطموح والنشط صالح حجاج، وكذلك الدور التربوي والخيري والتعليمي والاجتماعي المتميز لجمعية الترشيد الثقافي والإصلاح الاجتماعي برئاسة الأستاذ احمد سائحي....
لقد حاولنا أن نشير لبعض الأسماء وليعذرنا من لم نستحضره ونحن نخط هذه الأسطر، لأن القائمة طويلة وتحتاج الذاكرة الإصلاحية والثقافية بعزابة وسكيكدة لوقفات كثيرة، وقد بادر فرع جمعية العلماء بسكيكدة بتنظيم ندوة أكرمت بعض الدعاة والأئمة في انتظار مبادرات جمعوية أخرى تتذكر من رحلوا من المصلحين (نسال لهم الجنة بإذن الله) ومن مازالوا في الحقل الدعوي والتربوي المسجدي أو الجمعوي، ولم يتلوثوا بالعمل الحزبي السياسوي، ونأمل -في الختام- أن تلتفت السلطات المحلية بعزابة وسكيكدة لرجال الإصلاح والتربية فيها، بمبادرات تكريمية لعلمائها ومصلحيها ومربيها، دعما لهم في نشاطهم المتعدد لصون المرجعية الدينية والثقافية للمجتمع والدولة، وصيانة للشباب من والانحرافات التي تهدده من كل جانب، والجمعيات تحتاج لدعم ماي وسند معنوي لتواصل نشاطاتها، لأجل الدفاع عن المرجعية الدينية والوطنية في سياق دولي فيه الفتن والتطرف والصراعات الفكرية والدموية لا يكون بالشعارات وإنما بالأفعال، وشكر من يضحي ويتطوع لأجل الدين والوطن.