عبد الرزاق ابن حمادوش والكتابة التاريخية من خلال رحلته الموسومة بـ"لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والحال"
بقلم: بكاري عبد القادر-
إن الرحلات منابع ثّرة لمختلف العلوم، وهي بمجموعها سجل حقيقي لمختلف مظاهر الحياة، ومفاهيم أهلها على مر العصور. فالرحّالة وهو يطوي الأرض يقدم جملة ملاحظات مختلفة أثناء رحلته، يشاهدها أو يسمعها أحيانا وينقلها في رحلته.
وإذا كان الرحالة الجزائريون يختلفون فيما بينهم في درجة صدقهم وأمانتهم، وفي تنوع فهمهم للأمور وفقا للظروف التي يخضعون لها، فإننا ننظر من هذه الناحية إلى الرحلات كمبدأ وككل، مهما كان بينها من اختلاف وتنوع في الاتجاه والتقدير.
للرحلة قيم متعددة لما تحتويه من كثير من المعارف التاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، مما يدونه الرحالة تدوين المعاين من جراء اتصاله المباشر بالطبيعة وبالناس وبالحياة خلال رحلته. وفي هذا الإطار، قدم الرحالة العرب على مر العصور خدمات جلية في دراسة أحوال البلاد العربية من مختلف نواحيها، بحيث لا يقلل كثيرا من قيمة ما كتبه الرحالة الجزائريون، وبما أسهموا به عن طريق تقديم مادة علمية وأدبية ذات قيمة عظيمة. وبهذه المميزات والخصائص للرحلات وموضوعها الشمولي الغني بما فيه من علم وأدب وخرافة وأسطورة، يمكننا اعتبار الرحلة نمط خاصا من أنماط الكتابة التاريخية، ومنهجا معينا من مناهج المؤرخين الجزائريين في العصر الحديث.
وفي هذا الإطار، يأتي كتاب"لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والحال"، والمعروف أيضا ب"رحلة ابن حمادوش" والذي يعتبر من أهم أعمال عبد الرزاق بن حمادوش، حيث سجل فيه أهم المحطات البارزة التي مرّ بها في تلك الرحلات مشرقا ومغربا، خاصة رحلته إلى المغرب الأقصى ولقاءه بالعلماء سواء ممن أجازوه كأحمد الورززي وامحمد البناني، أو ممن حضر دروسهم كالشيخ أحمد بن العربي بن الحاج.
تعتبر رحلة ابن حمادوش من المصادر المميزة لاشتمالها على الوصف تارة، وعلى السرد تارة أخرى للأحداث والوقائع، بل وحتى للعواطف النابعة من الشخصيات التي التقى بها، ومن المناطق والمدن (الشعوب) التي زارها ومر ع برها خلال رحلاته. فهي رحلة نسجت على منوال السلف من حيث المعنى لا المبنى، اعتمد فيها على ما شاهده وما سمعه من علماء أفاضل ومشايخ أجلاء، كما اعتمد فيها على كثير من المصادر المكتوبة المتنوعة العلمية منها والأدبية والدينية.
من أجل ذلك جاء هذا المقال ليتمحور حول جملة من النقاط، منها: ما هو محتوى كتاب رحلة ابن حمادوش وموضوعاته؟ وما هو منهج الكتابة عند ابن حمادوش وأبرز مميزاته؟ وماهي المصادر المكتوبة التي اعتمد عليها في تدوين رحلته؟ وما هي أهمية كتابه وقيمته العلمية؟ تلك هي جملة من التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها معتمدين في ذلك أساسا على كتاب الرحلة"لسان المقال"، والمصادر الوارد ذكرها في هذا الكتاب.
التعريف بعبد الرزاق بن حمادوش:
هو أبو الحسن عبد الرزاق بن الحاج محمد بن امحمد المعروف بان حمادوش الجزائري الدار، الأشعري عقيدة، المالكي مذهبا، الشريف نسبا، مؤرخ، نسابة، وطبيب(1). أثبت نسبه الشريف وحرص عليه حرصا كبيراً، واعتبر ذلك من مقاصد الإسلام الكلية التي لا تستقيم الحياة بدونها، وهي حفظ الدين، والنفس والنسل، والمال والعقل، وحفاظاً على مكانته وكرامته، ولم يفوت فرصة إلا وذكر فيها نسبه الشريف، ومنها مثلا تلك الشهادة التي يذكرها شيخه أحمد الورززي الذي كَاتَبَ القائم بمصالح الجباية بمرسى تطوان والذي تعرض لابن حمادوش وطلب منه دفع المكْس على سلعه، يدعوه إلى عدم التعرض له قائلا: "إن هذا اجتمعت فيه ثلاث خلال، كل واحدة منها لو انفردت لأوجبت عليك أن لا تتعرض له في شيء، الأولى: النسب، فهو رجل شريف من آل بيت النبوة، الثانية: أنه رجل عالم، الثالثة: قلة ذات اليد(2).
ولد عبد الرزاق ابن حمادوش سنة 1107 هـ 1695/ م بمدينة الجزائر، وهو ما يذكره المؤلف بنفسه، بقوله:"ثم الأجه أحمد عام 1107 سبعة ومائة وألف. وفي هذه السنة في رجب كانت ولادتي"(3)، كما يشير في العديد من المناسبات إلى ذلك حينما يُذّكِر بسنّه، قوله في إحداها: "إلى يوم الخميس ثالث صفر الموافق ثالث عشر فبراير تمت لي خمسون سنة عجمية، وافتتحت سنة 51 عجمية من ولادتي، وفقني الله للهدى("(4
درس وأتم تعليمه الأول بوطنه الجزائر، كما حصل على قدر كبير من العلوم الشرعية من معاصريه قراءةً وإجازةً، في الفقه والأدب والتاريخ والتصوف، غير أنه كان ميالا للجانب العلمي، فدرس العلوم الطبية والرياضيات والفلك، ولهذه الميول العلمية التي ميزته، واسترساله في الكتابة عنها، جعلت مؤلفاته ذات طابع مخالف لما شاع عند معاصريه الذين عرفهم كمحمد ابن ميمون، وأحمد بن عمار، والمفتي ابن علي، ومحمد الطيب بن محمد الفاسي مثلا.
وفاته:
يذكر أبو القاسم سعد الله ومن ترجم لابن حمادوش أنه عاش إلى حوالي تسعين سنة، وأنه توفي في مكان وتاريخ مجهولين، ولكن أغلب الظن أن المنية وافته وهو بالمشرق بين سنوات (1197 هـ/1783 م، و1200 هـ/1786 م((5).
مؤلفاته:
اهتم ابن حمادوش بالعديد من العلوم العقلية والنقلية، كما كان كثير المطالعة لكتب الطب القديمة عربية وأجنبية، فقد دَرسَ لعلماء اليونان والمسلمين على السواء، كالقلصادي في الحساب، وشرح محمد السنوسي على الحباك في الاسطرلاب، والقانون والطلاسم لابن سينا، ومقالات إقليدس، وشرح ابن رشد على منظومة ابن سينا وغيرهم، وكتب عن نفسه سنة 1145 هـ 1733 /م بأنه أصبح طبيبا وصيدليا وعشابا، وافتخر بأن الأعشاب التي قيدها في تآليفه كلها معروفة لديه، ولهذه الميول التي ميزته جعلت مؤلفاته يغلب عليها الطابع العلمي.
ونظرا للعدد الكبير من المؤلفات في الطب والمنطق والأدب والنحو والشعر، ولعدم ذكر عناوينها في العديد من المواضع، سنقتصر على ذكر المؤلفات المعروفة وفي مقدمتها "الرحلة" والتي نحن بصدد دراستها.
لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والحال (الرحلة)، تحتوي على موضوعات كثيرة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية غير المترابطة، وهذا ما يلاحظه القارئ وهو يتصفح عناوين الرحلة، كما تعد من المصادر الهامة لحياة المؤلف نفسه، وجزء من التراث العلمي والأدبي الجزائري للقرن الثاني عشر الهجري/القرن الثامن عشر الميلادي (6).
كشف الرموز في بيان الأعشاب، هو المؤلف الرئيسي لعبد الرزاق ابن حمادوش، وكان أول من اكتشفه الطبيب الفرنسي لوسيان لوكليرك الذي عَرفَه بواسطة أحد الجزائريين سنة 1861 م، وأن الكتاب كُتب بالجزائر بعنوان"كشف الرموز في شرح العقاقير والأعشاب"، وطبع أولا بباريس سنة 1874 م في 397 صفحة، ثم طبع بالمطبعة الثعالبية بالجزائر على القاعدة المغربية وعلى ذمة السيد رودوسي قدور بن مراد التركي ومعه فهرست ألفاظه، وبعدها ترجم إلى اللغة الفرنسية في الجزائر سنة 1321 هـ/1903 م، وطبعته مطبعة ديلورد برهيم ومرنيال باعتناء، المستشرق جبريت كولين سنة 1323 هـ/ 1905 م(7).
الجوهر المكنون من بحر القانون، وهو تأليف في الطب، وقد رتبه على أربعة كتب:
الكتاب الأول: في السموم وذوات السموم وعلاجاتها.
الكتاب الثاني: في الترقيات وما يجري مجراها إن وجد من الباذ زهرات وبعض المعاجين الذي يظهر إليه المرء.
الكتاب الثالث: في الأمراض، مرتبا ذلك على جدول حنين ابن إسحاق الطبيب والمؤرخ والمترجم البغدادي.
الكتاب الرابع: وهو كتاب في حل ألفاظ المفردات وتعريبها ما أمكن، قال عنه في رحلته؛ "فهذا جوهر مكنون من بحر القانون، يتوشح به الأصاغر، ولا تمجه الأكابر...وقد جعلته مرتبا على أربعة كتب...تأليف حسن في الطب"(8). يرجح أن هذا الجزء الرابع هو الكتاب المطبوع بعنوان "كشف الرموز"، وهو عبارة عن قاموس طبي شعبي، ضمنه أوصاف طبية، وأسماء لنباتات وعقاقير، ومعادن وحيوانات، سار فيه ابن حمادوش على طريقة المعاجم الأبجدية(9).
تعديل المزاج بسبب قوانين العلاج: هو في الحقيقة عبارة عن رسالة تناول فيها المزاج البشري وأحواله، وأسباب علاجه، ألفها ابن حمادوش وهو بمدينة الرشيد بمصر سنة 1161 هـ/ 1748 م، موضوعها الرئيسي هو وظائف الأعضاء التناسلية والاضطرابات التي تصيبها، وعلاجها وكيفية المحافظة عليها. وخلافا للمصادر الأخرى، فإن ابن حمادوش اعتمد فيه على الطب النبوي من الأحاديث النبوية.
بغية الأديب في علم التكعيب الذي أتمه سنة 1143 هـ/ 1731 م.
ولابن حمادوش تآليف أخرى في مواضيع مختلفة، فقد ألف في علم الفلك، وفي الاسطرلاب (الربع المقنطر)، وفي القوس لرصد حركة الشمس، وفي الروزنامة، وفي الرخامة الظلية بالحساب، وفي علم البلوطلا (معرفة الطرق البحرية)، وفي الطاركة لرسم اتجاهات رياح البحر، وألف في صورة الكرة الأرضية، وتعليق على ألفاظ الديباجة الواردة في منظومة ابن سينا وغيرها
من المؤلفات التي ذكرها في الجزء الثاني من رحلته، ولكنها غير معروفة وفي حكم المفقود.
التعريف بكتاب الرحلة ونسبته:
رغم ان ابن حمادوش لم يحدد الغرض من تأليفه ولا الدافع إليه وخطته، ولا سبب اختيار العنوان ونحو ذلك مما جرت عليه عادة المؤلفين، إلا أن الأكيد هو أن الكتاب حصيلة لعدة رحلات قام بها ابن حمادوش لعدة بلدان مشرقا ومغربا، حيث تنقل كثيرا منذ العشرينات من عمره، والتي ابتدأها بأداء فريضة الحج سنة 1125 هـ1713 /م، والثانية سنة 1130 هـ/ 1718 م، كما رحل إلى المغرب الأقصى في عدة مناسبات، منها رحلات سنة 1145 هـ/ 1732 م، وسنة 1156 هـ/ 1743 م، سجل ملاحظاته وإجازاته وأحكامه ومشاهداته في كتاب رحلة أسماه: "لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والحال"، والذي قال عنه أبن سودة انه يقع في مجلدين، أطال فيه في وصف المغرب، وبلغني أن منها نسخة بالخزانة الكتانية بفاس(10).
لم يختلف من نسب هذا الكتاب لعبد الرزاق ابن حمادوش، أو استشهد به في ذكره بهذا الاسم، واسم الكتاب ذائع ذكره عند أصحاب التراجم في إسنادهم إليه واستشهادهم به، ومشهور في نسبته إلى مؤلفه "ابن حمادوش" رغم أن العنوان "لسان المقال في النبأ عن الحسب والنسب والحال" لم يورد ذكره في الجزء الثاني من الرحلة التي نحن بصدد دراستها، والظاهر أنه منقول من الجزء الأول المفقود، ولذلك اتفقت المصادر التي تعرضت لذكره على تسميته تسمية واحدة، فأسموه" رحلة ابن حمادوش"، وهذه التسمية نفسها الثابتة على طرة نسخ المخطوطة.
ومما يؤكد صحة نسبة الكتاب لابن حمادوش نقل بعض المؤرخين عنه، كعبد الحي الكتاني الذي نقل ما احتوت عليه الرحلة على بعض الإجازات والأسانيد، كما يؤكد صحة نسبته إليه أيضا اهتمام محمد داود صاحب كتاب "تاريخ تطوان"، لان ابن حمادوش أورد أخبارا هامة عن تطوان في رحلته، بالإضافة إلى العديد من الإشارات التي وردت في متن الرحلة والتي تثبت نسبة كتاب "الرحلة" إلى مؤلفها ببعض التواريخ أو بذكر أحداث دالة على الرحلة نفسها، ومن ذلك مثلا تاريخ خروج ابن حمادوش من الجزائر، ودخوله مدينة تطوان بالمغرب الأقصى، وعن ذلك يقول: "وفي هذه الساعة كنا على ظهر البحر قريبا من غرناطة، وكان عاشر يوم خروجنا من الجزائر" وهو ما يوافق تاريخ 1156 هـ 1743 /م"(11). وإن كنت أشرت إلى هذه المسألة الزمنية التوقيتية لبداية رحلة ابن حمادوش إلى المغرب الأقصى، فذلك تكملة لما سبقني إليه كثيرا من المؤرخين والباحثين المهتمين بتراث ابن حمادوش، وقد أشرت سابقا إلى البعض منهم كعبد الحي الكتاني ومحمد داود ومحقق الرحلة أبو القاسم سعد الله.
ولكن إذا كان كلا من عبد الحي الكتاني صاحب كتابه"دليل الحج والسياحة"، ومحمد داود صاحب كتاب"تاريخ تطوان" يؤكدان أن الرحلة هي بخط ابن حمادوش، وابن حمادوش نفسه يستعمل مصطلح رحلة عندما ينسبها إلى نفسه فيقول"رحلتي"، فإن أبو القاسم سعد الله يشكك في ذلك، ويذكر أن الجزء الخاص بالمغرب الأقصى هو الذي يجب أن يطلق عليه اسم الرحلة فقط من ص: 3 إلى ص 75، أما ما تبقى من ص 75 إلى ص 278 فهو عبارة عن يوميات ومذكرات المؤلف.
ومهما يكن فإن كتاب الرحلة"لسان المقال..." ينسب لابن حمادوش، والعبارات التالية التي يوردها تدل على ذلك، ومنها قوله:"وفي يوم الخميس ثالث وعشرين رمضان، موافق ثامن عشر أكتوبر، تممت الجزء الأول من هذا التأليف"، وقوله أيضا: "وكتبت هذا الخميس ثاني وثالث جمادى الأولى عام 1160 هـ موافق آخر أفريل وأول يوم من مايو عام 1747 م رزقنا الله الهدى فيما تبقى، وسامح وعفى فيما مضى. وتبدأ حوادث الرحلة بتاريخ محدد وهو 1156 هـ/ 1743 م"(12).
محتوى الكتاب وموضوعاته:
إن نظام فهرسة الكتب نظام قديم عند الكتاب العرب والمسلمين، والفهرسة هي عملية تسجيل وتصنيف مقتنيات مجموعة معينة، وهي أيضا مفتاح المكتبة والكتاب على حد سواء، ودليل يحدد أماكن المواد والعناوين للكتاب، بحيث يستطيع القارئ من خلالها إلقاء نظرة حول المواضيع التي يتناولها الكتاب، ولذلك استخدم ابن النديم لفظ فهرسة عندما أطلقه على كتابه"الفهرست"عام 377 هـ/ 987 م.
ومن هذا المنطلق، نقول أن الفهرسة تعد من صميم التنظيم الفني للكتب، والتي بدونها تعد المكتبات مجرد مخازن مليئة بالكنوز، ويكون الكتاب أيضا مجرد معلومات وأحداث خالية من البيانات التي تسهل للقارئ استخدامها على خير وجه. وإذا ما نظرنا إلى فهرسة كتاب ابن حمادوش"لسان المقال" لوجدناه مقسم إلى عناوين كثيرة حاول فيها ضبط الأحداث زمنيا، وهذا ما انعكس على المواضيع التي احتواها.
وقبل الخوض في فهرسة (مواضيع) الكتاب، أشير فقط إلى أن رحلة ابن حمادوش تعتبر مصدراً مميزا لاشتمالها على الإثارة المتأتية من طرافة الوصف تارة، والسرد تارة أخ رى للأحداث والوقائع، وحتى للعواطف المحركة للبشر والنابعة أصلا من الشخصيات التي تظهرها، بحيث تبدوا للقارئ متوافقة في كثير من نزعاتها ومختلفة في جوانب أخرى، ليحتفظ كل منها بميزاتها الفردية.
والطريف أن ابن حمادوش طاف في العديد من مدن وأمصار العالم العربي الإسلامي (المغرب الأقصى، مصر، الشام، تركيا...)، وهي على اتساعها فيها الكثير من المشترك بينها بحكم أنها تدين بالإسلام، ولذا فإن المشترك من القيم التي تجمع هذه الأقاليم بتقاريها أو تنائيها كبير، وأيضا فيها الكثير من العادات والتقاليد التي تعود في أصولها إلى الإسلام والعروبة (عادات العيد الأضحى بمدينتي فاس والجزائر العاصمة مثلا)، وهذا ما نرصده في كتاب ابن حمادوش "لسان المقال"، وقد فاضل ابن حمادوش الذي جاب أقطار الإسلام بين الذات الإسلامية القاطنة في البلدان المختلفة ووصفها من منطلق ثقافي مشترك، مثلما فاضل بين المدن داخل البلد الواحد ووصفها، أي انه وصف من الداخل، وهو في ذلك يسير على خطى العديد من الرحالة المغاربة والمشارقة على السواء كالمسعودي سابقا والعياشي لاحقا(13).
إن رحلة ابن حمادوش تعتبر أيضا من الرحلات المفيدة تاريخيا وأدبيا وعلميا، فقد تعرض للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الطبيعية كظاهرة كسوف القمر. يذكر أبو القاسم سعد الله محقق الرحلة فائدتها بقوله: "وإذا كان علماء المسلمين قد اهتموا برحلة ابن حمادوش لما فيها من أخبار سياسية أو دينية أو اجتماعية، فإن العلماء الأوربيين قد اهتموا بآثاره العلمية على الخصوص"(14)، ومما يزيد في فائدتها أن ابن حمادوش كان شاهدا على الأحداث بأم عينيه، وحسب فرانز روزنتال أن المؤرخ الذي يشاهد الحدث تكون رواياته أرجح من معاصره الذي ينقل الأخبار مشافهة عن طريق السماع، وأن أهمية أي تاريخ إسلامي كمصدر تاريخي يقررها قدمه وقربه من الحوادث التي يصفها، أو استخدامه لكتب مفقودة قديمة أو قريبة من المعاصرة(15).
لقد أخذ الجانب التاريخي قسما كبيرا من الرحلة، مثلما أخذ التجوال والترحال قسما من حياته، فركز على التاريخ المحلي المغاربي والجزائري خاصة خلال العهد العثماني، وهي الفترة التي عاصرها تقريبا، ذكر مراحل حكم الباشوات بالجزائر ترتيبا زمنيا حسب المدة التي قضاها كل باشا في الحكم ومن جاء بعده، دون تقديم أية معلومات أو استفسارات.للعلم انه يحصي فقط سبعين حاكما من فترة الباشوات الذين حكموا الجزائر بين سنوات 1064 هـ/ 1654 م، و 1145 هـ/1733 م، وهي الفترة التي تغطي أواخر عهد الباشوات، وفترة الأغوات، وجزء كبير من مرحلة الدايات، كما تعرض لحكام تونس والمغرب الأقصى، تخلل ذلك بعض الأحداث التي عايشها، ومنها على سبيل المثال: ثورة زواوة بالجزائر التي جرت في ربيع الأول من سنة 1158 هـ/ 1745 م على القايد محمد قائد سباو، والتي انتهت بالقضاء عليهم، وتشتيت شملهم بواسطة قوة الصبايحية ونحو مائتين من اليولداش، وثورة الباشا أحمد بن علي الريفي قايد تطوان على مولاي عبد الله في فاس المتوفي سنة 1156 هـ/ 1743 م، وقد شهد بنفسه هذه الثورة وكاد أن يذهب ضحية لها وهو بالمغرب الأقصى((16.
أما التاريخ الخارجي، فيتعرض فيه إلى جزء من تاريخ الدولتين الأموية والعباسية، ذاكرا بعضا من خلفاء بني العباس على طريقة التراجم، مبتدئا بأبي جعفر المنصور ومنتهيا بالراشد، ويبدو أن النسخة التي كانت بحوزته لابن الكردبوس مبتورة الآخر، وعليه لم يكمل باقي الخلفاء الذين وصل عددهم إلى تسعة وثلاثين خليفة، ويتعرض لسلاطين الدولة العثمانية من أولهم وهو "عثمان خان" الذي تولى الخلافة العثمانية عام 641 هـ/ 1244 م إلى الخامس والعشرين من ملوكهم وهو "محمود خان" الذي تولى الخلافة عام 1143 هـ/ 1730 م، وهي السنة التي انتهى فيها ابن حمادوش من كتابة ذلك، وعن ذلك يقول :"خامس وعشرين من ملوكهم السلطان محمود تولى عام 1143 هـ، وهو باق إلى الآن...فهذه ملوك بني عثمان، وليسوا هم من ذرية عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإنما هم من ذرية هذا التركي الذي توصل إلى الملك"(17).
أما الجانب الاقتصادي والاجتماعي فهو الآخر أخذ حيزا من الرحلة من خلال ذكره مثلا لحصاد الشعير، وعملية الانتقال على القوارب المصنوعة من حزم البردي، ونوع العملة المتداولة بتطوان في عهده وهي "الموزونة"، وضريبة المكس على السلع بميناء تطوان، كما يذكر بعض العادات والتقاليد الاجتماعية في الم واسم الدينية، ومنها عادة أهل الجزائر ليلة القدر، وقد حضر ذلك بمدينة الجزائر، وعن ذلك يقول: "وهذه عادة الجزائر دائما، فيذهب الناس إلى خارج باب الواد، الى قبر سيدي عبد الرحمن الثعالبي، نفعنا الله ببركاته، فيحضرون ختم البخاري أيضا على هذه الصفة، ويتهيأون إلى العيد. وأنا حضرت في الموضعين مع عامة المسلمين"(18).
منهج الكتابة عند ابن حمادوش وأبرز مميزاته:
إن أهم ما يميز هذه الرحلة عن الرحلات الجزائرية الأخرى هي كونها رحلة مغربية علمية وتجارية، وليست مشرقية حجازية، كرحلة حسين الورتيلاني المليئة بالقصص، أو كرحلة أحمد المقري ذات التفاصيل التاريخية الواسعة، أو حتى كرحلة أحمد بن عمار التي لجأ فيها إلى الصنعة الأدبية، فأسلوبه اللغوي سهل وبسيط جدا، وعباراته فصيحة، وكثيرا ما يسوق الجملة سوقا عاميا لا يخضع لقواعد الإعراب، كما أن طريقة عرض الحوادث كثيرا ما يتخللها الانتقال والاستطراد ثم العودة إلى الموضوع الرئيسي، ويظهر ذلك مثلا عندما يرد طريقة قراءة البخاري في الجزائر تحت عنوان "العودة إلى قراءة البخاري"؛ فيطرح بعض المعالم الزمانية والموضوعاتية بقوله: "وفي يوم السبت وقفنا على كتاب القدر...وفي يوم الأحد وقفنا على باب من أجرا أمر الأمصار على ما يتعارفون، وفي يوم الاثنين وقفنا على كتاب الاستقراض وأداء الديون"، يتخلل ذلك عنوانا لحكاية العنقاء مع سيدنا سليمان، وفي ذلك نتساءل عن سبب إدراج ابن حمادوش هذه القصة في هذا الموضع؟ من المعلوم أن القصة تلخص قاعدة وهي: "لا حيلة في دفع قضاء الله تعالى وقدره لا بفعل ولا بعلم، وعلمه السابق الكائن من خير وشر"، وبغض النظر من الواقع أم الخيال، فإن الأسطورة كما ذكرها المؤرخ هيرودوت كان لها صدى واسع في التراث الشعبي القديم لدى الكثير من الشعوب القديمة كالمصريين والإغريق والفرس والفينيقيين، وما زال لها تأثير في الأدب والثقافات والكتابات المعاصرة كرمز للتجدد(19).
ومن بين الميزات أيضا أن الرحلة تفتقر إلى وحدة الموضوع والترابط العضوي، فهي كشكول، فيه خليط من الحوادث والأفكار والنقول والمذكرات، مليئة بالاستطراد الثقيل، بمعلومات غير منسقة، ولا يجمعها إلى بعضها من حيث المنهج سوى الترتيب الزمني، ذلك أن المؤلف يسير على طريقة الحوليات أو السنوات التي يرتب من خلالها الأحداث المنتهية ليبدأ في ذكر أحداث سنة جديدة، باستعمال عنوان "دخول محرم" والعبارة التالية تبين ذلك قوله: "وفي يوم الجمعة سابع عشر أي الجمعة ختمت رسالة القشيري، وهذا آخر هذه السنة (محرم1159) لدخول محرم فاتح عام 1160 -ينير فاتح سنة 1747 مسيحية، كلاهما بالخميس، اتفقا مدخلا"(20).
يستعمل ابن حمادوش في رحلته التاريخ الإسلامي الهجري، وفي معظم الأحيان يذكر معه التاريخ الميلادي الشرقي أو الفلاحي، وأحيانا يذكر أيضا التاريخ الإسكندري، ويستعمل كلمة عجمي للتاريخ المسيحي، وعن استعمال هذه التواريخ يذكر التوضيح التالي: "وفي يوم الجمعة سادس وعشرين ذي القعدة ابتدأت تأليفا في علم الفلك، جمعت فيه غريب ما أتعلم. فمنها سبعة تواريخ فيه كلها تعلمتها: العربي والمسيحي والإسكندري، كنت تعلمتها قبله، (وهي التي يستعمله في كتابه الرحلة)، وزدت فيه الفارسي والملكي والقبطي والعبري"(21)، أما العبارة التالية فهي أصدق دليل على استعمال هذه التواريخ والتي يقول فيها:"الجزء الثاني من رحلته(لسان المقال في النبأ عن الحسب والنسب والحال) مبدؤه من أول ليلة الاثنين فاتح عام 1156 عربية الموافق رابع عشر فبراير ثاني شهور سنة 1743 مسيحية، وخامس شهور سنة 2054 أسكندرية"(22).
ولما كان الشعر العربي بمختلف عصوره يعتبر مصدرا قيّما من المصادر التي تكشف كثيرا من الجوانب التاريخية والاجتماعية وحتى الدينية، ولأنه السجل المحفوظ المتداول بين الناس، فإن ابن حمادوش قد اعتمد عليه كثيراً، واستخدمه بصفة عامة، وكان عنوانا رمى من خلاله إلى تحقيق عدة أهداف، أهمها:
-تدعيم مصادره، وتوضيح الحقائق التاريخية التي ذكرها بإدراج الشواهد من الشعر عليها، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويكفي أن نورد مثال أو مثالين للإيضاح، قال ابن حمادوش وهو يريد إثبات إجازة الشيخ الحسن بن مسعود اليوسي له: "قرأت عليه صحيح البخاري من أوله إلى آخره مرة، وحضرت مجلس درسه لحاشيته على المختصر المنطقي، وشرحه على قصيدته الدالية، ولقنني الذكر، وأضافني بالأسودين "التمر والماء" وكتاب الهيللة له وديوان شعره، وأجازني في جميع ذلك، وسمعته ينشد في مجلس درسه لصحيح البخاري(23):
ألا أيها النيام ويحكم هبوا * أسائلكم هل يقتل الرجل الحب
أما الحادثة التاريخية الثانية التي يجتمع فيها التاريخ بالشعر، فهو ما يرويه إبراهيم الموصلي عن قصة الجارية التي أراد جعفر البرمكي شراءها من مولاها، فإذا به أي مولاها يعتقها لوجه الله ويتزوجها بعد أن خطبها من جعفر البرمكي، فأنشدت شعرا واندفعت تغنيه في قصيدة مطلعها:
أن يمس حبلك بعد طول * وصاله خلقا ويصبح بيتكم مهجور
فلقد أراني، والحديد إذا بلى * دهر بوصلك راضيا مسرور
جذلا بمالي عندكم لأبتغي * بوصلك خلة خلنها وعشير
كنت المنا وأعز من وطيء الثرا * عندي وكنت بذاك عنه جدير(24)
-دعم وإثبات الآراء التي يميل إليها، أو أرائه الخاصة، أو أراء بعض العلماء الذين يوافقهم أو يعارضهم، مثل ما ذكره في مسألة حل اللغز الذي مطلعه" ألا أيها الغادي على ظهر أجود..." بعدما طرح أراء بعض العلماء ومنهم الشيخ محمد الشافعي التونسي الذي عارضه بقوله أنه بعيد عن الصواب، في حين يورد شعرا لسحنون الونشريسي في اللغز يؤيد به رأيه، قوله:
فلغزك هو الرأس من نسل * آدم حوى سبعة وسبعة بتفرد
هو الأب والسبع تفرد خلقها * هي العين فيها سبعة بتـ(عدد؟(25)
-إيضاح بعض المعتقدات والأساطير الخرافية، أو القصص والحكايات التاريخية أو تفنيدها، ومثال ذلك ما ذكره ابن حمادوش من بعض اللطائف لأخبار الموسيقى والمغنين، كون أن أول من اتخذ العود في الموسيقى هو لامك بن متوشلخ ابن خنوخ بن برد بن مهياييل حينما اتخذ من بعض أوصال طفله بعد موته أدوات وأوتار، ثم ضرب به وناح عليه فنطق العود مجاوبا له على شأنه، فقال الحميدي(26):
وناطق بلسان لا ضمير له * كأنه فخذ نطيت إلى قدم
يبدي ضمير سواه في الحديث * كما يبدي ضمير سواه الخط بالقلم
وإلى غير ذلك من الأهداف التي قصد بها ابن حمادوش التعبير عن قدراته الأدبية، والتحدث عن أخلاق الناس وعاداتهم وتقاليدهم وخرافاتهم، كما نلاحظ أن الشعر لا يكاد يختفي في أثناء عرضه المادة التاريخية خاصة في الأجزاء المتعلقة بطرح مقاماته وحديثه عن مشايخه، وفي هذه الأجزاء يبرز الطابع الأدبي لابن حمادوش بصورة واضحة.
كما يلاحظ انه يميل في استشهادا ته إلى قصائد الورع والزهديات، وإلى أغراض معينة من الشعر خاصة الرثاء، فقد رثى شيخه أحمد ابن المبارك بقصيدة قال فيها:
أيا شيخنا شيخ الجماعة أحمد * أنجل مبارك وصلت ذو الرحم
بذلت علوما كنت فيها مبرزا * فلست بمناع العفات من الفهم
إذا أنت عبرت المسائل نالها * غبي، وان صورت أدركها الأمي(27)
مصادره:
تنوعت مصادره بتنوع معارفه، فقد درس للرياضيين والفلكيين والأطباء كابن سينا وإقليدس والقلصادي، كما نقل عن الأدباء كأبي إسحاق التونسي، وعن المؤرخين مثل عبد الرحمن الحنبلي المقدسيُ، وقرأ لعلماء وصلحاء الجزائر كأحمد ساسي البوني، ونقل من كتب التفاسير كالكشاف والوسيط، ومن كتب الحديث كالموطأ ومسند أبي حنيفة، وصحيح البخاري، والسنن كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وكتب أخرى في التصوف والسيرة وبعض المعاجم، ونظرا للقائمة الطويلة، اخترت نماذج منها، خاصة المصادر التي ركز عليها ابن حمادوش كثيرا في مؤلفه، ومنها:
الاكتفاء في أخبار الخلفاء: لأبي مروان عبد المالك بن أبي القاسم التوزري التونسي المعروف بـ"ابن الكردبوس" (تـ 610 هـ 1214 /م)، احتوى هذا الكتاب على موضوعات كثيرة ومتنوعة ولكنها غير مترابطة، وهي وسط بين الإيجاز والإطناب، بحيث عالج التأريخ الإسلامي منذ فجر الرسالة المحمدية وحتى قبيل وفاته في العقد الأول من القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، وقد رتب مادة كتابه في المقدمة على مراحل، وهي: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام الخلفاء الأربعة الأعلام، ثم ذكر من وُلي أمر الأمة الإسلامية من الخلفاء الأمويين والعباسيين جيل بعد جيل، وقرنا بعد قرن. وأما ما كتبه عن تاريخ الأندلس، فقد تميز بخصوبة مادته، وقيمتها العلمية ودقتها، وعمق نظرتها، بل إنه في كثير من الأحيان ما يأتي بمعلومات جديدة قد لا نجدها في المصادر التاريخية الأخرى( 28 )، قرأه ابن حمادوش مع شيخه محمد بن ميمون في داره، وعن ذلك يقول: "وفي يوم الأحد آخر هذا الشهر، بعث لي شيخنا ابن ميمون خادمه، فأخذني إلى داره كعادته قبل...فابتدأت سرد الكردبوس، تاريخ في خلافة العبابسة، فبقي الخادم يأخذني كل عشية إلى يوم، أي يوم الثلاثاء سادس عشر جمادى الأولى ق رأنا ولاية جعفر المقتدر بالله ابن المعتضد بالله، وهو الثامن عشر من ملوك بني العباس، فساق فيه ما أجرى الله من عادته ما أجرى"(29).
تاريخ أنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: لعبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي الحنبلي المقدسي، أبو اليمن مجير الدين العّمري (تـ 928 هـ/ 1521 م)، يعد هذا الكتاب من أوسع المصنفات التي تناولت تاريخ بيت المقدس منذ فجر الخليقة وحتى سنة 910 هـ/ 1494 م، كما يعد من أوفر المصادر التي تناولت التاريخ المحلي لمدينتي القدس والخليل، وإبراز المكانة الروحية لكلا المدينتين، وارتباطهما بالأنبياء خاصة الذين لهم علاقة بالأرض المقدسة كداود وسليمان ويونس عليهم الصلاة والسلام. الكتاب يتناول أيضا الحياة الدينية والعلمية في بيت المقدس، ويصف مدارسها ومساجدها وزواياها، وذكر تراجم لعدد كبير من علمائها وفقهائها، والعلماء الوافدين إليها الذين شاركوا في الحركة الثقافية في فلسطين في العهدين الأيوبي والمملوكي(30). ينقل عنه صفحات نقلا حرفيا قوله:" ثم بدا لي أن أضم إليه ما كنت أختصر عام سبع وأربعين ( 1147 هـ) من أنس الجليل تاريخ القدس والخليل، ذكر الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وهي ابتداء التاريخ الإسلامي"(31).
كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ: لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله
اللواتي الطرابلسي المشهور بابن الأجدابي ( 470 هـ/ 1078 م)، كان موسوعي المعرفة، قال عنه التجاني "كان أبو إسحاق هذا من أعلم أهل زمانه بجميع العلوم، كلاما، وفقها، ونحوا، ولغة، وعروضا، وله تآليف جليلة، وأسئلة مفيدة في الفقه وغيره، وقد روي انه سئل: من أين لك هذا العلم ولم تفارق طرابلس؟ فقال: أخذته من بابي هوارة وزناتة، وهو يشير إلى لقاءه بالعلماء الذين يمرون بهذه المدينة". وإجابته وإن كانت بنوع من الحدة، فإن فيها نوع من التهكم
بالسائل الذي يعتبر أن العلم لا يمكن تحصيله إلا بالرحلة وطول السفر(32). يذكر ابن حمادوش
أنه أتمه يوم الثلاثاء محرم عام 1159 هـ/ 1746 م دون معرفة مؤلفه.
النجاة في المنطق والإلهيات، لأبي علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا (تـ 427 هـ/ 1027 م)، هو العالم الفيلسوف والطبيب الشاعر، عُرف باسم الشيخ الرئيس، وبأرسطو الإسلام، والمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي، وسماه الغربيون بأمير الأطباء.
يعتبر كتابه هذا من أمهات الكتب في علم المنطق والإلهيات، وهو ترجمة صادقة لخلاصة الفلسفة اليونانية، ويحتوي على الكثير من خلاصة الحكمة، ومن تطاحن العقول، ومجادلة العلماء للوصول إلى الرأي الأمثل في علمي المنطق والحكمة الإلهية، وهو لم يكتبه للعامة ولكنه كتبه إلى خاصة الخاصة الذين يتميزون بعقل المعي والحكمة الباهرة، وبهذه الصورة، يعتبر الكتاب موسوعة علمية كبيرة، حوت أمهات العلوم التي أنتجها العقل البشري في تاريخه(33).
وهو من النسخ التي اعتمدها ابن حمادوش في الدراسة والمطالعة، وعن ذلك يشير بقوله: "وفي سادس عشرة موافق أول يوم فصل الصيف، ابتدأت نسخ كتاب الجدل، وفي عشرين منه تممت شرح الجدل، وفي حادي وعشرين منه ابتدأت كتاب النج اح لابن سينا في المنطق... (34).
المجسطي، لأبي الوفاء محمد بن محمد بن يحي بن اسماعيل بن العباس البوزجاني (تـ 388 هـ/ 998 م)، عالم رياضيات وفلك، له فضل كبير في تقدم العلوم الرياضية، ومن أشهر رياضيي المسلمين، صاحب كتاب "اسطي" الذي يتضمن ثلاث مجالات رئيسية: مجال الرياضيات، وهو الأهم لما جاء فيه من إسهامات في علمي المثلثات المسطحة والكروية، وأن كثيرا من القوانين الحديثة في حساب المثلثات ترجع لأبي الوفاء. ففي مجسطيته أخذت الدالات المثلثية شكلا جديدا، وبوضعه للشكل الظلي الكروي وتطبيقاته له في الفلك جعل أبو الوفاء الظل وتمامه مثل الجيب وتمامه والقاطع وتمامه(35)، يقدم نبذة عن حياته، ويُذكِر بكتابه
"المجسطي" وبتفسيره لكتاب ديوفنطوس في الجبر والمقابلة.
تاريخ مختصر الدول، لغريغوريوس ابن أهرون بن توما الملطي أبو الفرج، المعروف بابن العبري (تـ 685 هـ/ 1286 م)، مؤرخ واسع الاطلاع، متقنا لكثير من العلوم واللغات، معروفا
بالبحث عن الأخبار، فروى كل ما روى عن خبرة، فكأنه أخذ صور الوقائع والسير والتراجم على ضياء الشمس. من أشهر كتبه "تاريخ مختصر الدول" طبع لأول مرة سنة 1663 م في أكسفورد بالعربية واللاتينية بمراجعة العلامة بوكول، ثم ترجمه بور إلى الألمانية سنة 1783 م، وفي الطبعة الثالثة زُود الكتاب بفهرس مرتب على حروف المعجم يشمل كل أسماء الأعلام والأمكنة
التي ورد ذكرها في الكتاب(36). ينقل من الكتاب بطبعته الأولى، وعامل الزمن يوضح ذلك، وعن ذلك يقول:"وفي هذه الأيام رأيت واطلعت على كتاب الملطي في تاريخ الدول، وهو نطراني، ولم أرى مثله في التراكيب العربية وأساليبها فيما عرف من كتب النصارى. ذكر فيه تواريخ العلماء والأطباء، فمما نقلت منه تاريخ سابور بن سهل صاحب بيمارستان جنديسابور"، ويضيف تعليقا فيه تحذير من الكتاب قائلا" هو كتاب عجيب التأليف، حسن الصنيع، لولا أنه محشو كفرا تزل فيه الأقدام، فيجب التحذير منه"(37)
المناظر في مجموع الرسائل، لنصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (تـ 672 هـ/ 1274 م)، الكتاب لإقليدس السكندري، مؤسس علم الحساب الهندسي وأبو الهندسة، حرّره الطوسي وهو عبارة عن 64 شكلا، يذكر في بعض أشكاله" العين يحدث باستحداث من
الأجرام المنيرة في الجسم الشفاف المتوسط بينهما، وبين المبصرات كالهواء وما شاكله شعاعا لما تحدثه الأجرام النيرة"(38)، يبدوا أن ابن حمادوش تفرغ كثيرا لهذا المخطوط مطالعة ودراسة كاملة، يظهر ذلك من خلال المدة الزمنية التي خصصها له، وعن ذلك يقول ابن حمادوش:"ابتدأت في أواخر شوال من عام 1156 هـ/ 1743 م، ختمة في النهار في منظومة ابن سينا بشروحها لابن رشد... وفي الليل إقليدس، أحقق مسائله ولا أتجاوز فيه. ففي ليلة السبت ثاني وعشرين ذي القعدة ختمت المقالة الأولى منه ونظمت عدد مقالاته وعدد أشكاله...وفي يوم السبت من الشهر المذكور تممت المقالة الثانية...وفي ليلة الثلاثاء ثامن ينير ختمت المقالة الثالثة...وفي ليلة السبت ختمت المقالة الرابعة...وفي ليلة الخميس ختمت المقالة الخامسة...والى يوم الخميس آخر ربيع الأول عام 1159 هـ/ 1146 م تممت المقالة السادسة...والى يوم الاثنين رابع ربيع الثاني الموافق رابع عشر ابريل تممت المقامة السابعة وعدد صفحاتها 185 ...إلى تاسعه تممت المقالة الثامنة...إلى يوم الأحد سابع عشر ختمت المقالة التاسعة...وفي سادس عشر من جمادى الأولى خامس وعشرين ماية تممت العاشرة من أقليدس، وبتمامها تم من صفحاته 324 ، وجملة صفحات الكتاب 453 ، مؤلفه وهو الطوسي الذي جمع مقالات إقليدس"(39).
مقامات الحريري، لأبي محمد بن القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري الحرامي البصري (تـ 516 هـ/ 1112 م)، وهي من أشهر المقامات التي تنتمي إلى فن من فنون الكتابة العربية، الذي ابتكره بديع الزمان الهمذاني، وهو نوع من القصص القصيرة، تحفل بالحركة التمثيلية. كتاب المقامات الحريرية ثاني كتب المقامات شهرة وأجلها أثرا، لم يلقى واحد منها ما لقيه من عناية العلماء به، وتنافس الأمراء باقتناء نسخه، يضم خمسين مقامة، قال عنه الزمخشري في مدحه، وهو من معاصري الحريري "أقْسمُ بالله وآياته مُشعِر الحج وميقاته، أن الحريري حري بأن تُكتب بالتبر مقاماته، وهو الكتاب الرابع من كتب المقامات حسب التسلسل التاريخي". أما عن تاريخ دخول مقامات الحريري إلى المغرب والأندلس، فقد ذكر القاضي عياض في كتابه "التعريف بالقاضي عياض"، قوله: فقد أدخلها من أخذها مباشرة من الحريري، حيث أقبل من الأندلس فريق من علمائها لقراءة المقامات عليه، ثم عادوا إلى بلادهم حيث تلقوها عنهم العلماء والأدباء، وتناولوها رواية وحفظا ومدارسة وشرحا.(40)، يذكر ابن حمادوش أنه قرأها قراءة كاملة، وعن ذلك يقول: "وفي يوم الاثنين قدم الباشا حميد الذي ولاه عبد الله مكناس، وهيأت البلاد والناس، وفي يوم الثلاثاء ختمت المقامات الحريرية التي كنت ابتدأتها في تطاون في بيتي"، ولعله سار على نهجه الحريري في تنظيم مقاماته، ومنها المقامة التي ألفها يوم الخميس السادس والعشرين ربيع الثاني 1158 ه التي رمز بها إلى زوجته الثانية أم أولاده، وهي من أجود المقامات التي ألفها ابن حمادوش(41).
العقائد السنوسية: لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي (تـ 895 هـ1490 م)، تعتبر عقائد أهل السنة التي صنفها الإمام السنوسي من أحب الكتب العقدية إلى العلماء، لدقتها وجودتها وحسن نية صاحبها، وقد كان للعلماء عناية كبيرة بكتب السنوسي التي صنفها إلى:
عقيدة كبرى: وهي عقيدة أهل التوحيد والتسديد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع عنيد، والمشهورة بكبرى السنوسي وشرحها وسمّاها "عمدة أهل التوفيق والتسديد في عقيدة أهل التوحيد.
أم البراهين: وهي العقيدة الصغرى، والمشهورة بالسنوسية الصغرى، وهي مختصر مفيد وفيها جميع عقائد التوحيد.
المقدمات في التوحيد: وهي مقدمات على العقيدة الصغرى، وهي ثماني مقدمات في أصول الفقه والدين.
مقدمة صغرى الصغرى: وهي اختصار للعقيدة الصغرى، ثم شرحه عليها، ونظرا لجودتها ودقتها على غيرها في دراسة علم أصول الدين، كتب العلماء عليها شروحات وتعليقات، واستخرجوا منها ما يتعلق بمنطوقها ومفهومها(42). أخذ منها ابن حمادوش كلها وهو بجامع الأزهر بالقاهرة عام 1123 هـ/ 1711م، وعن ذلك يقول:"وكذا أخذت العقيدة المعروفة بالسنوسية، وأم البراهين، والمقدمة المعروفة بالمقدمات، والمقدمة المعروفة بصغرى الصغرى ثلاثتهم للإمام أبي عبد الله محمد السنوسي، وشروحهم على خلق كثير...وأخذت الكبرى له وشرحها له، والمختصر المنطقي وشرحه للمؤلف المذكور...(43)
الجامع الحسن الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، الشهير بصحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن اسماعيل بن المغيرة الجعفي البخاري ( 256 هـ/ 870 م) رتب البخاري كتابه ترتيبا يندرج تحته أبواب، وتحت كل باب عدد من النصوص يقل أو يكثر حسبما يتفنن المؤلف في إيراده، وتناول سائر أحكام الشرع العلمية والاعتقادية، كما جاءت مادة الكتاب مقسمة على 97 كتابا بدأها بكتاب بدأ الوحي وختمه بكتاب التوحيد. بلغت أحاديث البخاري بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات 7593 حديثا، ولأهمية الكتاب عند المسلمين اعتنى العلماء بشرحه، فكثرت الكتب المتعلقة به مثل الشروح والحواشي وشرح الغريب...(44). ركز ابن حمادوش كثيرا على هذا الكتاب، فقرأه، ودرّسه، وختمه، وقدم تفاصيل عن عدد الأحاديث، وأخبار عن رواة كتاب صحيح البخاري، وأبواب الكتاب، وطريقة سرد البخاري في الجزائر، وعن نفسه يقول: "وفي يوم الأحد حادي عشر رجب الموافق ثامن وعشرين يوليه ابتدأنا سرد صحيح البخاري في الجامع الكبير، وقفنا على كتاب الوضوء...وفي يوم الاثنين وقفنا على باب الصلاة...وفي يوم السبت وقفنا على باب صيام يوم وإفطار يوم... إلى أن يقول "وفي يوم السبت ثامن وعشرين رمضان وقفنا على باب ونضع الموازين القسط، وهو ختمنا البخاري"(45).
أهمية الكتاب وقيمته:
قد لا يكفي المؤرخ والباحث أن يكون معاصرا للحدث لتكسب رواياته قيمة، ولتعتمد كتاباته بوصفها مصدرا أوليا، مالم تتمتع بالثقة والمصداقية، واعتماده على مشاهدة الأحداث عيانا أو سماع، أخبارها عن أناس اشتركوا فيها أو شاهدوها. إن قيمة الكتابات التي يدونها المؤرخ مشاهدة تكمن في أنه سينفرد بذكرها على الأغلب، ولذلك قال المسعودي في وصفه لكتاب "الأوراق في أخبار الخلفاء" للصولي: "أنه ذكر فيه غرائب لم تقع لغيره، وأشياء تفرد بها لأنه شاهدها بنفسه"(46).
لقد شكلت الرحلة رافدا مهما من روافد ابن حمادوش، وأضفت على كتابته وأحكامه أصالة وحيوية، واستفاد منها في منهجه التاريخي، حيث اكتسب دقة الملاحظة، لأنه انطلق في كثير من أحكامه وملاحظاته من مبدأ المشاهدة والمعاينة المباشرة، ومن لقاءاته بالعلماء الذين قابلهم في أثناء رحلاته وتنقلاته بين المدن والبلدان المتعددة، ومن الكتب المختلفة التي عاد إليها.
كما كانت الرحلة الميدان التجريبي الطبيعي الذي استمده من رحلاته وأسفاره وما وقع له فيها، وما تحصل له من تجارب وملاحظات، لان العصر الذي عاش فيه ابن حمادوش كانت فيه الرحلة لطلب العلم من المكونات الحقيقة لطالب العلم، إذ لا يستطيع أن يلم بمختلف الفنون والثقافات وهو ثاوِ في قطر من الأقطار، فلا بد له أن يشد الرحال ليتصل بالعلماء كي يستفيد من عِلمهم، ويَدرس على أيديهم، ويَسمع منهم، وصدق ابن خلدون وهو يقول: والإنسان الذي يتشوف بفطرته إلى العلم لا بد له من الرحلة في طلبه(47).
إن أسلوب الثقافة الذي درج عليه علماء الجزائر في العصر الحديث في زمان ابن حمادوش والورتيلاني وابن عمار وغيرهم، هو نفس أسلوب الرحالة العرب والمسلمين الذين درجوا عليه منذ نهاية القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، والمتمثل في الحاجة إلى معرفة المسالك والخطط لإثراء المعرفة الوصفية الجغرافية، وطلب العلم لإيصال المعارف لتحقيق الاحتكاك الحضاري بين الأمم، والدوافع الدينية لأداء الفرائض كالحج، فضلا عن الدوافع التجارية والاستكشافية، أو تلك الرحلات الرسمية التي يكلف أصحابها من قبل الخلافة(48).
فرحلة ابن حمادوش لم تخلو موضوعاتها من طرائق وصفها للأحداث بشكل أو بآخر، أو في تفسير للسلوكيات التي رآها أو سمعها من أناس مر ببلادهم، أو في مبادلاته التجارية التي كان يقوم بها، وهكذا نجده الرحالة الحاج، والرحالة العالم، والرحالة التاجر، وإذا كان مثلا الرحالة التاجر أحيانا يختلف في درجة قبوله لتفسير الظواهر من رفضها عن الرحالة العالم، والحال هنا مثلا ينطبق على المقدسي (تـ 380 هـ/ 990م) الذي خرج تاجراً، وردت الإشارة عنه في مقدمة كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" أنه لا يُعلِق أو يُشكِك في بعض الروايات، رغم أنها لا تتفق في العديد من مفاصلها مع الثوابت التاريخية والعقلية، فإن ابن حمادوش جمع تلك الوظائف كلها تقريبا، لتبقى مسألة التباين المعرفي لدى الرحالة أساسا في كثير من الأحيان في تحديد طبيعة قبوله وتحليله لكل ما يشاهد أو ما ينقل(49).
ولكن، من شدة نهمه للعلم وحبه للعلماء، مع ما كان يعتمل في نفسه من حب للوقوف على الحقائق بنفسه، لم يكتف بالاطلاع الواسع على ما كتب وألف، ولكنه أراد أن يقرن ذلك بالمعاينة المباشرة والمشاهدة الحية، فساق قدمه في كل أفق، فلم يكن مثلا كالجاحظ الذي لم يسلك البحار ولا أكثر الأسفار، واقتصر على كتب الوراق، ولا كالطبري الذي رحل إلى مصر وعاش فيها مدة من الزمن، وخالط علماءها، وكتب عن تاريخها ولكن كما ورد عن أهل الأخبار لا كما رأى وسمع، لذا فإنه دخل مصر وخرج منها وكأنه لم يذهب إليها، وإنما كان كالمسعودي الذي جاب الأقطار وضرب في الآفاق، واستخرج كل دقيق من معدنه، وأثار كل نفيس من مكمنه، تارة على متن البحر، وتارة على ظهر البر، مستعملين بدائع الأمم بالمشاهدة، عارفين خواص الأقاليم بالمعاينة"(50).
ومن هنا فإنه باستطاعتنا القول، أن ابن حمادوش كان من الرحالة الجزائريين الرواد في هذا المجال، حيث أن مؤلفه التاريخي "الرحلة" قد اصطبغ بصبغة المؤرخ المتحرك الحي الذي يرى الأشياء الجامدة المهملة التي لا يؤبه بها، فيكتب عنها، ليبعث فيها الحياة والحركة ويجليها للعيان، ومما هيأ له ذلك، الاستعداد النفسي والعقلي، ونفس لا تمل المطالعة والتسجيل، وعين فاحصة دقيقة النظر، ولسان لا يني عن السؤال والجدل، ورِجْلا تحمله إلى حيث شاء من ذوي الصلة المباشرة بما يريد أن يعرف، ولعل العبارة المختصرة التي جمعتها من فقرات المؤلف خير دليل على ذلك، قوله: "وصبيحة السبت بعد شروق الشمس، خرجنا من جبل طارق، ألقينا مراسينا...وكانت عادة قبيحة بتطاون ابتدعوها، أنهم يأخذون كلما معك...وفي يوم الخميس الموالي له، ذهبت لزيارة سيدي علي الريف راجلا، فقطعت واد الكيتان إلى أنصاف فخذي...وفي يوم السبت حضرت دروس الشيخ البناني من كتاب الدعوات، فسألته عن الكيفية، فأراني أحد الأوجه الذي كان يرينا الشيخ زيتونة...وفي يوم الأربعاء أذن لي الشيخان البناني والورززي أن أدرس المقنع، فابتدأت ختمة للطلبة(51).
أما المورد الثاني من موارد ابن حمادوش والذي كان من أقوى الاهتمامات التي استحوذت على فكره، هو لقاءه العلماء، والتحادث معهم، ومناقشتهم فيما يريد أن يتوصل إليه من معلومات، ولهذا نراه بمجرد أن وطئت قدماه أرض تطوان بالمغرب الأقصى كان حريصا على الوصول إلى أماكن العبادة فيها، لأنها غالبا ما تكون ملتقى للعلماء، وعن ذلك يقول: "فدخلت تطاون في أول الساعة السابعة وصليت الظهر بها جماعة، فلقيت من علمائها الشيخ أحمد الورززي، فسلمت عليه"(52).
ومن خصائص ومميزات ابن حمادوش أنه تطرق في مؤلفه إلى ذكر معظم أسماء العلماء إن لم أقل كلهم، الذين التقى بهم، أو حضر دروسهم، أو نقل عنهم، وبيّن رأيه فيهم، ومدى ثقته بهم، وإعجابه بالبعض، وانصرافه عن البعض الآخر، ونظرا للعدد الكبير من العلماء الذين التقاهم، لا يمكننا أن نذكر إلا نموذجين ممن أشار إليهم.
من أبرز العلماء المغاربة الذين قابلهم ابن حمادوش وحضر دروسهم الشيخ محمد البناني، وهو رجل تقي ذو ميل واهتمام بجميع العلوم الفقهية والأدبية، وكان لقاؤه به في مدينة تطوان سنة 1156 هـ / 1743 م، ذكره ابن حمادوش كثيرا في مؤلفه، وفارقه وهو راض عنه، خصه بقصيدة مدحه فيها، يقول في بعض أبياتها:
سموت فلم يكن بقربك نازل *فكنت في أوج العز تمطر بالسؤل
فأنت هو الشمس المنيرة في الورى * لكهفك قد تأوي الركائب للظل
أيا شيخنا البناني الاسم محمد * فقد شهدت لك الأكابر بالفضل
كأنك لقمان في علمك والهدى * أو أنك حسان إذا فهت بالقول(53)
أما من العلماء الذين حضر دروسهم وناقشهم وتبادل الآراء معهم، الشيخ أحمد الورززي، والذي ناقشه في مسألة "أفضلية الملائكة والرسل" ولكنه لم يقتنع بإجابته، فانصرف عنه ولم يعد إلى مجلسه أصلا، سائلا له الهداية إلى الحق، وظنه به انه يميل إلى مذهب الجرابة.
أما المورد الثالث الذي استفاد منه ابن حمادوش فهو الكتب، وقد تحدثت بالتفصيل عن بعض المصادر التي رجع إليها أعلاه، وهو الذي صرح برجوعه إليها في ثنايا مؤلفه، فهي مؤلفات متنوعة مختلفة، بعضها في التاريخ، وبعضها في علوم الرياضيات والفلك والطب، وبعضها في التصوف وفي الفلسفة وغير ذلك من الفنون.
لم يكتف ابن حمادوش بسرد مصادره التي اعتمد عليها، وإنما جاوز ذلك إلى الحكم على بعضها ونقدها نقدا علميا صحيحا، والأمثلة من ذلك كثيرة منها: تعليقه على رأي الشافعي التونسي حول مسألة "السبعة الذين خُلقوا معا"، فأظهر خطأه، وصوبه بقوله "فأنت ترى كيف أن الشافعي التونسي اضطرب في المعنى...وأقرب للصواب ما قلت، والله أعلم"(54).
وأحيانا أخرى يعلق على المؤلف ويبين طريقته في التأليف، ومزايا مصنفاته، وتأثيره على المؤلفين الآخرين الذين جاؤوا بعده، وهو الحال بثاليس الملطي الذي يقول عنه: "وفي هذا الزمان اشتهر في الفلسفة ثاليس الملطي، وقيل هو أول من قال بألاطوماطون...وبعده اشتهر في العلوم الرياضية أبولونيوس النجار، وله كتاب المخروطات المؤلف في علم أحوال المخروط...أخرج منه إلى العربية في زمان المأمون سبع مقالات...وهذا الكتاب، مع كتاب آخر من تصنيف أبولونيوس، كان السبب في تصنيف أقليدس كتابه بعد زمان طويل"(55).
وأحيانا ثالثة يبين لماذا وصلت بعض المؤلفات إلى مرتبة عالية، ودرجة رفيعة من الكمال، مثل المصنفات الجليلة للبيروني، والتي قال في حقها: "وبالجملة لم يكن في نظرائه في زمانه وبعده إلى هذه الغاية أحذق منه بعلم الفلك، ولا أعرف بدقيقه وجليله" وقوله عن مصنفات الفارابي: "فجاءت كتبه المنطقية والطبيعية والإلهية والسياسية الغاية الكافية"(56).
ومن هنا نرى كيف أن ابن حمادوش كان حريصا على عرض مصادره وتحليلها وبيان قيمتها الموضوعية، والدلالة على فضل أصحابها وبيان منزلتهم من العلم.
فقط أريد أن أنبه في هذه المناسبة إلى أن ابن حمادوش في مؤلفه قد ذكر عددا كبيرا جدا من المؤلفات والكتب، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة رجوعه إليها كلها بنفس الدرجة والاهتمام، فقد يذكر بعض المؤلفات عدة مرات للدلالة على أهميتها، بينما يذكر البعض الآخر ذكرا خفيفا يكون قد سمع به أو قرأ عليه شيئا، ولهذا فليس كل ما ذكر من هذا القبيل يعتبر مصدراً من مصادر ابن حمادوش.
وأختم بما قاله أطفيش في شأن كتاب "السير" لأحمد الشماخي: "يظن الذين لاحظ لهم من التاريخ أنه كتاب غير مفيد، ولكنهم لا يعلمون أنه ثروة ومادة أخذت من كل ناحية بسبب"(57)، لأقول نفس الكلام في شأن كتاب "الرحلة" لابن حمادوش.
خاتمة:
من خلال ما سبق ذكره تتبين لنا أهمية كتاب رحلة ابن حمادوش نظرا لقيمة المعلومات التي تضمنها، والتي اعتمد فيها على عدد كبير من المصادر المكتوبة، إضافة إلى مشاهداته الخاصة، فهو بذلك قد قدم لنا صورة واضحة عن الأوضاع العامة التي ميزت عصره، فضلا عن معلومات تاريخية متعلقة بتاريخ العالم الإسلامي والعربي وخاصة المناطق التي زارها والتي مكنتنا كباحثين من الإلمام بكثير من جوانبها أولا، واستخلاص بعض النتائج ثانية، ومنها:
- السعي إلى التعريف بأحد كبار علماء الجزائر، والكشف عن سيرته، وبيان فضله ومناقبه، واستقراء إنتاجه الفكري، وإبراز منهجه في الكتابة التاريخية من خلال رحلته "لسان المقال".
- إحياء لبعض ذخائر هذا النوع من الكتابة التاريخية الذي يؤرخ للحركة العلمية والأدبية التي شهدتها الجزائر في تلك الفترة العصيبة والتي كثيرا ما نعتت بالجمود الفكري والتأخر الحضاري.
-أن كتاب الرحلة، كتاب مميز في المنهج والتحليل والمعالجة بحيث جمع بين التاريخ والأدب من جهة، وبين النواحي الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى، والجمع بين هذه النواحي نادر في العديد من الكتب التي اهتمت بهذا الفن.
-كتاب يعتمد على مصادر أصيلة ومتنوعة بحسب فنونها، وبعضها مفقود أو نادرة ككتاب تاريخ مختصر الدول لغريغوريوس.
- وأخيرا إن عبد الرزاق بن حمادوش من الرحالة الجزائريين الذين خدموا التأريخ المحلي من خلال عدة جوانب وهي:
-المادة العلمية التي استقاها من هذه المصادر والمتمثلة في الأحداث التاريخية والأوصاف الجغرافية والمعالم الأثرية للبلاد التي زارها.
-إضافاته العلمية التي قدمها، فلم يكتفي بالنقل من المصادر العامة التي اعتمد عليها، بل أورد جملة من المعلومات والأخبار المتعلقة بتاريخ المغرب العربي عامة ومنها مثلا أخبار عن مدينتي تطوان ومكناس بالمغرب الأقصى وبتاريخ الجزائر خاصة .
-أمانته في النقل من المصادر بكل عناية ودقة باستعماله لكلمات: قال، ذكر، روى لي، أخبرني... وحتى وان تصرف بعض الشيء فيما يقتبسه من الكتب تقديما أو تأخيرا، فإنه لا يخل بالمعنى ولا بالمبنى.
الهوامش:
1- عبد الرزاق ابن حمادوش، لسان المقال في النّبأ عن النّسب والحَسب والحال، تقديم وتحقيق وتعليق: أبو القاسم سعد الله، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1983 ، ص: 29 ، وكارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية: يعقوب بكر ورمضان عبد التواب، دار المعارف، مصر، 1975 ، ص:ومحمد داود، تاريخ تطوان، مراجعة: حسناء محمد دا ود، ط 1، جمعية تطوان أسمير ومطبعة الخليج العربي، تطوان، المغرب، 1431 هـ/ 2010 م، ص: 37 ، وعبد السلام ابن سودة، دليل مؤرخ المغرب الأقصى، ط 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، بنان، 1418 هـ/ 1997 م، ص: 248 ، وخالد البلوي، تاج المفرق تحلية علماء المشرق، نشر وتحقيق: الحسن السائح، مطبعة محمد الخامس الثقافية والجامعية، فاس، المغرب الأقصى، 1964 ، ص: 49 ، ابن الكردبوس، الاكتفاء في أخبار الخلفاء، تحقيق: صالح الغامدي، ط 1، منشورات الجامعة الإسلامية، المملكة السعودية، 1429 هـ/ 2008 ،ج 1 ص: 69 ، وعادل نويهض، معجم أعلام الجزائر،ط 1، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1975 ،ص: 365 ، وخير الدين الزركلي، الأعلام، ط 3، دار العلم للملايين، لبنان،1389 هـ/ 1969 م،ج 3،ص: 352 ، أبو القاسم الحفناوي، تعريف الخلف برجال السلف، تقديم: محمد رؤوف القاسمي الحسني، موفم للنشر، الج زائر، 1991 ،ج 1،ص: 471 ، وبشير ضيف، فهرسة معلمة التراث الجزائري بين القديم والحديث، مراجعة:عثمان بدري، ط 2، منشورات1830 ، مقاربة اجتماعية، - تالة، الجزائر، 2007 ، ص: 322 ، عثمان بوحجرة، الطب واتمع في الجزائر خلال العهد العثماني 1519.( 2015 ، ص: 28 - مذكرة ماجستير، جامعة وهران، 2014
Mostefa, khiati, histoire de la médecine en Algérie-de l’antiquité à nos jours-la médecine dans l’Algérie ottomane du xv au début du xix siècle, dar Houma, anep, 2012, Algérie, pp: 101-177.
2- ابن حمادوش، لسان المقال...المصدر السابق،ص: 112
3- نفسه ، ص: 226
Gabriel,Colin, A bderrezaq El-jezairi, un médecin arabe du xii siècle de l’Algérie, Imprimerie Delord.(-Boehm et martial éditeurs du Montpellier médical, Montpellier, 1905,p :37)
4- نفسه،ص 253
5- أبو القاسم سعد الله، الطبيب الرحالة"ابن حمادوش الجزائري"، ديوان المطبوعات الجزائرية، الجزائر، 1982 ،ص13.
6- ينظر: عمر بن قينة، اتجاهات الرحالة الجزائريين في الرحلة العربية الحديثة، ديوان المطبوعات الجامعية . الجزائر، 1416 ه/ 1996 م، ص 59
7 - Abderrezak, El-jezairi,op-cit,p :34-37.
. -8 ابن حمادوش، الرحلة...المصدر السابق:ص 161
9- Gabriel, Colin,op-cit,p :37.
-10عبد السلام ابن سودة، دليل مؤرخ المغرب الأقصى، ط 1 ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1418 هـ/ 1997 م،
11- ابن حمادوش، المصدر السابق،ص: 30 ص 248
12- نفسه، 124وعليه فإن الرحلة تكون قد غطت سنوات 1156-1161 هـ 1743-1748 م
13- حسين محمد فهيم، أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1989 ، ص196-197
14- ابن حمادوش، المصدر السابق، ص11
15- فرانز روزنتال، مفهوم التاريخ عند المسلمين، ترجمة: صالح أحمد العلي،ط 2 ،مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1983 ، ص57
16- ابن حمادوش، الرحلة، المصدر السابق، ص97
17- نفسه، 235
18- نفسه، ص126
19- شهاب الدين النويري، نهاية الإرب في فنون الأدب، ط 1، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، مصر، 1423 هـ/ 2002 م، ج 14 ص92
20- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 264
21- نفسه، ص 264
22- نفسه، ص29
23- حواشي السنوسي على شرح كبرى السنوسي، تقديم وتحقيق وفهرسة: حميد حماني اليوسي، ط 1مطبعة دار الفرقان للنشر الحديث، الدار البيضاء، المغرب الأقصى، 2008، ص 16
24- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 172
25- سحنون الونشريسي، تحرير المقال في الحمد لله والصلاة والسلام عل سيد الإرسال، تقديم وتعليق: بشير ضيف، ط 1دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2009، ص37.
26- يذكر ابن حمادوش ان البيتين للحميدي، ولكن البيتين ذكرهما محمد بن حمدون في التذكرة الحمدونية، دار صادر، ط1، بيروت، لبنان، 1417 ه/ 1996 م، كما ذكرهم سعيد بن حميد وهو يصف العود، نقلا من: ابن قتيبة الدينوري، عيون الأخبار، دار الكتب المصرية، ج 1، القاهرة، 1996 ،ص 110
27- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 87
28- ابن الكردبوس التوزري، الاكتفاء في أخبار الخلفاء، تحقيق: صالح بن عبد الله الغامدي، ط 1منشورات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة السعودية، 1429هـ/ 2008 م، ج 1ص:من المقدمة
29- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 166
30- مجير الدين العليمي، كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، إعداد وتقديم:عدنان يونس، إشراف: محمود علي عطا الله، ط 1مكتبة دنديس، الأردن، 1420 هـ-1999 م، ص32.
31- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 202
32- أبو إسحاق الطرابلسي، كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ، تحقيق: السائح علي حسين، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ليبيا، (د ت)، ص8
33- ابن سينا، النجاة في المنطق والطبيعيات والإلهيات، تحقيق: محمد عثمان، مكتبة الثقافة الدينية، 2013 ، ص 39 ، وعبد الرحمن عميرة، النجاة في المنطق والطبيعيات والإلهيات، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، 1992
34- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 120
35- للمزيد من المعلومات ينظر:علي موسى، مجسطي أبي الوفاء البوزجاني، ط 1مركز دراسات الوحدة العربية، مصر، ص: من المقدمة.
36- ابن العبري، تاريخ مختصر الدول، تحقيق: انطون صالحاني اليسوعي، ط 3دار الشرق، بيروت، لبنان، 1992 ، ص57
37- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 138-139
38- كتاب المناظر في مجموع الرسائل لإقليدس، حرّره:محمد الطوسي، مكتبة احمد الثالث، استانبول، تركيا، ص: 55 وما بعدها
39- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 160-161
40- إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي-عصر الطوائف والمرابطين،ط 1 دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 2008 ، ص303، وياقوت الحموي، معجم الأدباء، تحقيق:إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 ، ص 121
41- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 80-164
42- ابن القاضي المكناسي، درّة الحجّال في أسماء الرجال، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث القاهرة، المكتبة العتيقة، تونس، ج 2ص142
43- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 273-274
44- محمد أبو زهو، الحديث والمحدثون، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1378 هـ/ 1959 م،ج 1 ص378.
45- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 216-217-235
46- سليمان المديد السويكت، منهج المسعودي في كتابة التاريخ، ط 1 منشورات كلية العلوم الاجتماعية بجامعة محمد بن سعود الإسلامية، المملكة السعودية، 1407 هـ/ 1986 م، ص56
47- ابن خلدون، المقدمة، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، مصر (د ت)، ص 434
48- نقولا زيادة، الجغرافيون والرحلات عند العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، 1962 ، ص 43
49- محمد نوري، الروايات التاريخية في كتابات الرحالة المسلمين في العصر العباسي بين الأسطورة والحقيقة، مجلة أبحاث، مج 11 ، ع 1، منشورات كلية التربية الأساسية، جامعة الموصل، العراق، 2011 ، ص 251
50- المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: محمد محي الدين عبد المجيد، المكتبة العصرية، القاهرة، مصر، 1988 ، ج 1، ص12
51- ابن حمادوش،الرحلة، المصدر السابق، ص 34-35
52- نفسه، ص31
53- نفسه، ص136
54- نفسه، ص142
55- نفسه، ص140
56- أحمد الشماخي، كتاب السير، دراسة وتحقيق: محمد حسن، دار المدار الإسلامي، ليبيا، 2009، ج 1 ص15.
* أستاذ محاضر ب في التاريخ الحديث والمعاصر- شعبة التاريخ- قسم العلوم الإنسانية- جامعة ابن خلدون- تيارت