مذكرات مالك بن نبي: الشيخ الإبراهيمي الذي أراه للمرة الأولى
بقلم: مالك بن نبي-
قالت لي والدتي التي كانت متأملة سارحة الفكر وهي تنظر إلى النجوم:
- يا بني، عليك ربما أن تخرج. أما أنا فلم أصل العشاء بعد. كنت بالفعل أفكر في حضور درس يلقيه ذلك المساء الشيخ الإبراهيمي في ساحة الولي سيدي بن سعيد.
- ليلة سعيدة، أمي، هل أحمل عنك لطيفة؟
- لا، ليس هناك ضرورة سأضع رأسها على البلاط، فالجو حار.
ليلة سعيدة يا بني.
غادرت البيت بنوع من الغبطة في النفس، غبطة لم تكن إلا والدتي لتمنحها لي. وصلت زاوية الولي حيث كان الحضور كثيفا.
وبدا لي الشيخ الإبراهيمي الذي أراه للمرة الأولى أقل تشبها بالقدامى من (العلماء) الجزائريين. وقد اعجبتنى بلاغته. ولكنى لاحظت على الخصوص نباهة عقله التي كانت تمس مشكل اجتماعي لم يكن بمقدور أي (عالم) أن يجاريه كما أتصور. فقد تكلم عن التربية بكثير من اللباقة والدقة.
لقد عمق حديثه السلفية في روحي أكثر. وأبدى جميع الناس إعجابهم به.
فجأة دوى صوت رصاصة في أحد الشوارع المحاذية، فانقطع الإعجاب والسحر.
وأسر أحد الناس الذي وصل لتوه في أذن أحد الذين كانوا بجنبه أن الأمر يتعلق بعملية أخذ بالثأر، وتناهى اسم الضحية إلى مسامعنا وكان لرجل طيب. لم أعد استمع للخطيب بل أفكر في هذه المأساة التي انفجرت في مكان ليس بعيدا. ولخصت مأساة العالم الإسلامي فيها. يقتل إنسان طيب. إنها أخلاقنا، قلت في نفسي. يا لها من وحشية. رأيت في أمي بعض الحزن. ثم قالت لي عندما رأتني أعد حقائبي:
- أي بني، ها هو موعد عودتك قد اقترب. فهل ستلقاني السنة القادمة؟
لقد نطقت بهذه الكلمات وهي تبتسم. غير أن كلامها هذا أذهلني.
- بمثل هذا الكلام سأحمل معي أفكارا سوداء. أفضل أن أبقى هنا واستقدم خديجة.
من مذكرات مالك بن نبي (العفن).