”الخبر” تنفض الغبار عن المنزل الذي ولد فيه بن باديس بالسويقة: معالم الشيخ العلامة تبحث عن من ينقذها

بقلم: وردة نوري-

يعود يوم العلم مرة كل سنة، كاحتفال وطني للتذكير بيوم رحيل مجدد الحركة الإصلاحية في الجزائر ''عبد الحميد بن باديس''، بشعارات ألف الكل سماعها وباحتفالات رسمية يتكرر مشهدها، وحصره في عبارة ''رائد النهضة الإصلاحية''، دون الرجوع إلى واقع المعالم التي تركها العلامة للأجيال والشاهدة عن المحطات التاريخية التي عاشها في مواجهة رواد الطرقية من جهة والإدارة الفرنسية من جهة أخرى، والتي أهملت بعد وفاته ورحيل عمداء جمعية العلماء المسلمين، وهو ما وقفت عليه ''الخبر'' في زيارتها للكثير من المواقع التي تحمل بصمته.

حاولت ''الخبر'' أن تبحث عن مجموعة من الدارسين بمعهد عبد الحميد بن باديس، وعن أبناء وبنات أعضاء جمعية العلماء المسلمين من المقربين إلى الشيخ، من بينهم الأستاذ الباحث ''عبد الحميد ونيسي'' أحد المتخرجين من مدرسة التربية والتعليم ومعهد بن باديس، الذي اقتادنا إلى أول مكان رأى فيه الشيخ النور بمنزل العائلة بالسويقة، والذي عثرنا عليه، بنهج عبد الله باي في حالة قريبة من الانهيار، بدءا من الباب الخارجي للمنزل، حيث أوحى لنا المدخل المظلم بأن المنزل مهجور وبدون سكان، ليتبّين فيما بعد بأنه معمور ولا تزال تقطن به إحدى العائلات، بعد أن تركته عائلة بن باديس في وقت مضى، وإن لا تزال معالمه الداخلية واضحة على شكل ''ديار عرب'' ذات الطابع العثماني، إلا أن آثار تقدم السنين والشقوق أتت على الجدران والأسقف وأصبحت واضحة ومهددة أجزاء منه بالانهيار، حيث أخذنا الفضول إلى رؤية الغرفة التي رأى فيها عبد الحميد النور  أو ''المجلس''،  كما يسمى قديما في قسنطينة، والواقعة في الدور الثالث من البناية والتي استشعرنا فيها روح العلامة من أصالة وتقاليد، حيث لا تزال تحافظ على طبيعتها الأولى بما فيها البوابة، ثم اتجهنا إلى فناء المنزل أو ''وسط الدار'' حيث قيل لنا أن بن باديس كان يتوضأ فيه، فمكتب والده المقفل بالسلاسل والذي انتدب له  فيه والده محمد مصطفى ''حمدان لونيسي''، كمعلم ليلقنه قواعد النحو والصرف وأهّله للذهاب إلى الزيتونة التي أنهى دراسته فيها خلال سنتين فقط، بعد أن تعلم الأبجديات الأولى من القرآن الكريم وحفظه في زاوية ''سيدي علي النجار'' بالزلايقة القريبة من منزله، ولم يبلغ بعد سن 13 سنة من العمر على يد الشيخ ''محمد المداسي'' والتي أردنا معاينتها، إلا أننا وجدنا أبوابها موصدة وملطخة وأمامها عربات بيع اللحم.

مسجد بن باديس ''سيدي قموش'' تقع في وسط المدينة ويجهلها الكثيرون 

ثاني محطة كانت عند مسجد ''سيدي قموش''، التي تعود للعلامة عبد الحميد بن باديس، حيث أن الكثير ممن استوقفتهم ''الخبر'' لتحديد مكانه، أكدوا أنهم لا يعرفونه، رغم أنه كان بالقرب منهم، ولا تفصلهم عنه سوى سنتيمترات ويتموقع بوسط المدينة القديمة، فيما أن البعض أشار إلى أنه متعود على رؤيته لكن لا يعرف صاحبه، كما كشف المصلون أنها غير مقصودة ولا تستقبل أزيد من 12 فردا في الصلاة الواحدة. وكانت الإدارة الفرنسية ضد رغبة العلامة، الذي أراد التدريس في الجامع الكبير، واتهمته بالتحريض ضدها، فلجأ والده إلى شراء مسجد له ''سيدي قموش'' سنة 1925، المدفون فيه جده العالم ''بركات بن باديس''،  في وقت كانت تباع فيه المساجد لإشباع عشقه للتدريس والإصلاح، وظل يستغلها رفقة جامع سيدي لخضر وسيدي بومعزة لتقديم دروسه التوعوية والدينية.

بن باديس كان يصطحب زوجته إلى مدرسة التربية والتعليم 

قادتنا الجولة إلى الشارع الذي أطلق عليه ''مالك بن نبي'' اسم شارع العلماء، وهو ''الأربعين الشريف'' وفيه كانت أول مدرسة اشتراها الشيخ عبد الحميد بن باديس ''مدرسة التربية والتعليم''، الوحيدة التي لا تزال على حالها، حيث تمكن بن باديس من افتكاك عقدها الرسمي في مزاد علني  وبسعر 150 ألف فرنك فرنسي، باسم جمعية العلماء المسلمين في مارس ,1936 وقد قال عنها في جريدة البصائر ''إن الاكتتاب انطلق  بـ 70 ألف فرنك، ثم تحوّل سعرها إلى 150 ألف فرنك بفعل مرضى القلوب''، حيث بقي أحد المنتسبين للولاية والمناوئين للحركة الإصلاحية، يساوم ويزايد عليها إلى غاية الوصول إلى سعرها المرتفع وتركها للجمعية. وأطلق عليها العلامة في بادىء الأمر بجمعية التربية والتعليم الإسلامية، والتي تعد الأم لجميع المدارس قبل دار الحديث في تلمسان، التي  ترأسها البشير الإبراهيمي. تحصل من خلالها على رخصة التدريس وأصبحت مرقدا له، كانت البداية بفوج من الذكور وبتدريس مجاني للإناث على رأسهم بنات الجمعية، على غرار السعيد بن حافظ وبلكحل لعروسي، بن شيكو، سعد جنان، لونيسي. وانطلق عبد الحميد في التدريس مع تلاميذته الأوائل منذ 1916 ، وهم محمد الصالح رمضان، الشيخ العيلان، عبد الحفيظ الجنان، الغسيري وبلعابد، حيث تمكن بعدها من فتح 150 مدرسة تركها بعد وفاته، منها 4 مدارس أخرى شهيرة وهي مدرسة عقبة، طارق بن زياد، الشريفية والأمير عبد القادر، ضاعت كلها بعد قرار غلقها سنة 1956، كون أغلبية نساء جمعيات العلماء المسلمين التحقن بالثوار في الجبل. وذكر الأستاذ ونيسي عما روته ''عمته'' إحدى طالبات فوج الفتيات اللواتي درسن على يد العلامة، أن هذا الأخير كان يصطحب زوجته إلى قاعة التدريس ويجلسها بقربه أثناء تقديم التربية الخلقية، من أجل كسر باب الخجل أمام استفسارات وأسئلة النسوة المحرجة.

ضياع الجمعية الخيرية، المطبعة الإسلامية وجامع سيدي لخضر في الطريق

يضم شارع  ''الأربعين الشريف'' أيضا المطبعة الإسلامية، أين كان يطبع جرائده المختلفة، والتي وهبها له ''احمد بوشمال''، وفتحت أبوابها بتاريخ 16 أفريل 1923، حيث أصبحت شبيهة بمنازل الرعب المخيفة، رغم أنها لا تزال على حالتها الأولى دون تغييرات، موصدة بالسلاسل ودون استغلال أو حتى تحويلها إلى متحف. وذكر بعض أساتذة التاريخ من قبل، أن مقتنيات الشيخ قد سرقت منها، وهو نفس الأمر بالنسبة للجمعية الخيرية التي لا تبعد سوى 3 كيلومترات عنها، التي استغلها بن باديس لممارسة الأنشطة الاجتماعية والأعمال الخيرية، وأحيانا للتدريس كل يوم أحد رفقة الشيخ الورتيلاني والإعداد للمسابقات الرياضية. وجدد فيها تأسيس النادي الرياضي القسنطيني ''شباب قسنطينة حاليا'' من قبل العلامة، وتحولت هي الأخرى إلى ركام ولم يبق منها سوى الأساسات. أما مسجد سيدي لخضر، فيعد المعلم الأكثر مقصدا من قبل الشيخ، والشاهد على حادثة انتفاضة سكان قسنطينة ضد اليهود، وتدخّل بن باديس من أجل إخماد الصراع بعد مقتل 29 يهوديا. فهو يصارع للبقاء رغم الميزانيات المتتالية لترميمه. علما أنه مشيد من قبل أحمد باي ومدفون فيها أحد بايات قسنطينة.

 

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.