البصائر الأولى 1935/1939م 1/2
بقلم: عبد الغني-
لقد كان الاضطهاد الذي تعرضت له صحافة جمعية العلماء المسلمين عامل مهم في ظهور البصائر، حيث تمثل هذا الاضطهاد في تعطيل كل مـن – السنة – الشريعـة- الصـراط- ، على التوالي ثم صـدور قـرار يمنـع الجمعية بإصدار أية صحيفـة أخرى ودام هذا التحجير مدة سنتين كاملتين..
غير أن المصلحين فيما يبدوا اغتنموا فرصة ،رحيل "جان ميرانت" المعروف بنزعته المعادية للإصلاح [1] عن الولاية العامة، فما كان منهم إلا إن اتصلوا بالمدير الجديد "ميو" وحسنوا علاقتهم به، وتظاهروا بنوع من الولاء لحكومتهم "الجبهة الشعبية" في فرنسا وعبروا عن مقصد جمعيتهم وهو العناية بتربية الشعب وتهذيبه، وتعليمه لغته ودينه وابتعادهم الابتعاد الكلي عن السياسة ودروبها، فرخص إصدار هذه الجريدة،فبرز العدد الأول منها سنة 1935/12/27 [2].
إضافة إلى هذه الظروف ظروف أخرى هي ظهور الصحافة الإصلاحية، وهي تلك الصحف التي تبنت مبدأ الإصلاح الديني والاجتماعي والثقافي داخل المجتمع الجزائري وبأقلام جزائرية ثائرة ومثقفة بثقافة إسلامية يدفعها، حب الدين الإسلامي والوطنية.
وقد قاد هذه الحركة رواد الإصلاح كبار، والذين تأثروا بروح الحركة الإصلاحية للجامعة الإسلامية في المشرق والتي تشبعوا منها عند هجرتهم نحو المشرق جراء السياسة الاستعمارية، وقانون التجنيد الإجباري فقضى هؤلاء كل فترة حرب بعيدين عن وطنهم،وبعد أن وضعت الحرب أوزارها رجع المهاجرين إلى وطنهم بنظريات معادية لفرنسا وشرعوا في وضع برنامج اجتماعي وثقافي يستهدف إلى توعية الأهالي وفضح السياسة الاستعمارية. فالكتاب الفرنسيون يكادون يتفقون على إرجاع أصل[3]
الفكرة الإصلاحية لدى العلماء إلى الحركة الوهابية والجامعة الإسلامية في الشرق الأدبي، والحق أن العلماء نفسهم لم ينكروا علاقتهم بهذه الحركات فالشيخ البشير الإبراهيمي الذي أصبح فيما بعد رئيس لجمعية العلماء،قد اعترف بأنه هناك تأثير لحركة الجامعة العربية الإسلامية على الحركة الإصلاحية الجزائرية.
وهذا ما دفعهم إلى التوجه الإصلاحي ونشر أفكارهم عن طريق الصحافة والمدارس والنوادي الثقافية, قصد تنوير العقول الفاسدة والعودة بدينهم الصحيح وتوجيه أمتهم حيث شهدت هذه الفترة نهضة إصلاحية جعلت من السلطات الاستعمارية تقف منها موقف متحيزا فأقدمت على مصادرة كل جريدة إصلاحية تندد بسيادتها.
وكانت هذه الصحف تمثل رمزا للمقاومة الوطنية، وهي التي ربطت بين الطبقة المثقفة والطبقة الشعبية وعملت على حث الشعب على التمسك بمقوماته الأساسية كما أنها تجاوبت مع العالم العربي في هموم الأمة وأماله، خلال تلك الفترة غير مبالين ببطش الاستعمار وفتكه الذي كان يرى في محتوياتها أفكار ثائرة يجب أن تكتب، وأن بين سطورها دعوات وطنية كانت سببا في إشعال نار الثورة التي احترقت فرنسا بعدها بلظاظ[4]
ويذكر أن هذه الحركة الإسلامية نشأت في ظروف تكاد تكون فيها الشخصية الجزائرية منهارة، ولإنقاذ المجتمع الجزائري من ذالك وضعت على عاتقها مهلة إحياء الثقافة العربية الإسلامية بقيادة رئيسها – ابن باديس- ولتحقيق نجاحها في الميدان كانت في أمس الحاجة إلى منبر لتعلن خلاله عن مبادئها للرأي العام الجزائري ،وتجعل منه لسان حال و همزة وصل بينهما وبين الشعب بجميع فئاته المناصرة والمعارضة لها، و من أجل ذالك شرعت جمعية العلماء في إعطاء الأهمية للصحافة جاعلة منها وسيلة من وسائل التعبير عن رأيها[5].
التعريف بجريدة البصائر:
تعد البصائر الصحيفة الرابعة التي أصدرتها جمعية العلماء المسلمين، وهي أهم صحف الجمعية ومن أكبر الصحف العربية الجزائرية شهرة وانتشارا وأعظمها، لما تركته من أثر عميق في مجرى الحياة الوطنية من جميع نواحيها[6]، يصفها الإبراهيمي « أنها أحد الألسنة الأربعة الصامتة لجمعية العلماء المسلمين» [7].
صدرت يوم الجمعة 27 ديسمبر 1935 وقد أفلتت من التوقيف حيث ظلت تصدر بانتظام إلى عام 1939، وسميت "البصائــر" بصائرا تناصا مع قوله تعالى « قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ » (سورة الأنعام، الآية رقم 104) حيث وشحت صدرها هذه الآية الكريمة، وكانت مكتوبة تحت العنوان وذالك في أعداد البصائر التي صدرت في عاصمة الجزائر من العدد 1 إلى 83. وقد تولى رئاسة تحريرها الشيخ "العقبي الطيب" وصاحب الامتياز الشيخ "محمـد خير الدين" ثم انتقلت إدارتها إلى الشيخ "الميلـي مبارك"[8] بقسنطينة[9] بعد أن أتهم العقبي بمقتل "محمود كحول"، وسجن واضطر إلى التقليل من نشاطه واتخذ الحذر فتخلى عن إدارة البصائر، أما صاحب الامتياز فبقي الشيخ "محمـد خير الدين" ويلاحظ أن العدد الأخير 83 الذي صدر بالعاصمة لا يوجد به اسم "الطيب العقبي"، وإنما جاء به اسم مدير الجريدة المسؤول وصاحب الامتياز الشيخ "محمـد خير الدين".
واستمرت البصائر في الصدرو بقسنطينة إلى تاريخ 25/08/1939 حيث توقفت بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.. وقد صدر منها 180 عددا في ظرف 4 سنوات. انتهت سنتها الأولى بعدد 50 بتاريخ 08/01/1937، وابتدأت سنتها الثانية بعدد 51 بتاريخ 15/11/1938، وانتهت السنة الثالثة بعدد 140، وابتدأت السنة 4 بعدد 141 بتاريخ 25/11/1938 وانتهت بعدد 180 بتاريخ 25/08/1939[10].
سجل جريدة البصائر حافل لا يمكن لأي كان أن يكتب عن الجزائر العربية المسلمة في العصر الحديث دون الرجوع إلى الشهاب والبصائر[11] ، كانت تطبع في العاصمة بالمطبعة التي كان يملكها الشيخ "أبو يقضـان" أحد أعضاء إدارة الجمعية في ذالك الحين[12] ، أما بقسنطينة فكانت إدارتها بشارع لامبير رقم 13 ..[13] وهي ذات حجم متوسط (28 X40) سـم تقع في 08 صفحات، مليئة كلها بالمواضيع المختلفة حافلة بألوان الفكر اجتماعيا، دينيا، سياسيا، وأدبيا[14].
بعد الحرب العالمية الثانية صدرت في سلسلتها الثانية بالعاصمة الجزائر وذالك من عام 1947 إلى 1956 المدير، تحت إشراف العلامة الشيخ "البشير الإبراهيمي" رئيس جمعية العلماء المسلمين علامة الجزائر في عصره إخلاصـا وعمـلا صاحب العلم الغزير والقلم السيال الراقي في الدفاع عن الوطن والعروبة الإسلامية، وقد طبعت في عدة مطابع وكانت تجعل في الحرية من عنوان الجريدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وحكم عربية بعنوان من آداب القرآن من آداب السنة النبوية من حكم العرب، وتارة لا تجعل ذالك بسبب الظروف والمقام[15] .
ومن كتاب البصائر الأولى « عبد الحميد بن باديس – بن الدراجي – أحمد بن الدياب – أبو يعلى الزواوي – حمزة بوكرشة، وعلى المرحوم [16] وأحمد بن دراجي – عبد الحفيظ الثعالبي – والمكي الشاذلي – وإسماعيل بن يعلى« .
وأما من الشعراء فنذكر » محمـد العيد الخليفة، أحمد سحنون، محمد الشيوكين، أحمد بن ذياب، محمد التبسي، العباس بن الحسين الذي نشر قصيدة حول فلسطين « ومن مقالات البصائر السياسية الإصلاحية «من عاصمة الزيتونة يذاع هذا الضلال «[17] «والتيجانية أحضان الراديو «[18]
لقد ساهمت هذه الجريدة بالتعريف بالقضايا الإصلاحية،فكانت معروفة في المشرق الإسلامي فكانت ذات صيت كبير وكان الكل يسعى لجمع أعدادها، وكانت تهتم بشؤون المسلمين وخاصة ما يجري بفلسطين وشبهته كما يجري في الحرمين كما قال "بن باديس" فدافعت عن الملك المغربي "محمد الخامس" ووقفت موقفا منصفا مع "باي تونس" فما من قضية إسلامية إلا ودافعت عنها بكل مالها من قوة وعزم وإرادة واعتبرتها قضية مصيرية ،[19] وقد تحدث الكثير من الباحثين عن البصائر الأول (1935-1939) وهذا لقيمتها الأدبية وآثارها الثقافية الغنية، والدور الذي لعبته في الميدان السياسي والفكري الكبير [20].
القائمون عليها :
ساهم في إعداد جريدة – البصائر – عدة شخصيات ذات وزن ثقافي، وفكري كبير نذكر أهمهم وأبرزهم:
* الشيخ العلامة ابن باديـس
* الشيخ الطيب العقبـي
* الشيخ المبارك الميلــي
* الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
* الشيخ العربــي التبســي
* الشيخ محمد خير الدين
الهوامش :
[1] عرفت جان ميراث – بموافقة المعادية للصحافة الإصلاحية الوطنية و موافقة مع أبي اليقظان معروفة ومشهورة و قد نشر مقالا عن الصحافة العربية في الجزائر يوضح فيه الموقف المعادي من العلماء يقول عنه الشيخ الطيب العقبي – رجل عرف بميوله الخاصة و توجهاته السامية إلى الفريق المعاكس لنا ... ولا يقبل من أحد منا أية كلمة حتى تبرئ ساحة هذه الجمعية... من البصائر ، العدد 1
[2] ناصر ، الصحف ...المرجع السابق، ص 212
[3] أبو اليقظان ،المرجع السابق، ص 121
[4] سعد الله، الحركة الوطنية، ج2، ص 384.
[5] خير الدين، المرجع السابق ، ص 296.
[6] ناصر، الصحف العربية، ص 212.
[7] البصائر، ع1, في 25-07-1947 ص1 ، عمود 3،للمزيد انظر الملحق رقم01.
[8] ناصـر، الصحف...، ص 235 .
[9] الصيد سليمان : نفخ في الأزهار كما في قسنطينة من أخبار ، مطبعة الجرائد للمجلات ،بوزريعة الجزائر ، ص165
[10] مريوش أحمد : الشيخ الطيب العقبي، المرجع السابق ص 356
[11] الصيد... المرجع السابق ص 166
[12] ناصر : المصحف العربية الجزائرية , المرجع السابق ، ص 213
[13] مرتاض عبد الله : أدب المقاومة الوطنية في الجزائر [ 1830-1962 ], سلسلة منشورات المركز الوطني للدراسات و البحث في الحركة الوطنية و ثورة أول نوفمبر 1954 ، ج2 , ص 235
[14] ناصـر، الصحف... ، ص 235
[15] الصيد،..المرجع السابق، ص 166.
[16] مرتاض ،اْدب المقاومة.... ، ص235.
[17] البصائر، العدد 153، في 18/02/،1939، ص 08.
[18] البصائر العدد 156, في 10/03/1939، ص01.
[19] محادثة شخصية مع شيخ عبد الرحمان شيبان (رئيس جمعية العلماء المسلمين الحالي واحد من أعمدة الإصلاح في الوقت الراهن) بتاريخ 28/02/2008 بنادي الترقي ساحة الشهداء الجزائر
[20] مرتاض، ادب المقاومة.....، ص235