دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين بين اليوم والأمس
بقلم: محمد بومشرة-
إنّ الدّارس لمسار جمعية العلماء المسلمين منذ تأسيسها يدرك أنّها ظهرت في وقتها المحدّد لها في علم الغيب. وكانت تسميتها بجمعية العلماء اسما على مسمّى فهي جمعت وتجمع علماء من طراز عالي ومن معدن غالي سمع بهم القاصي والدّاني.
درست الاستدمار دراسة علمية كما يدرس الكتاب وعملية في الميدان. الذي قام بأعمال التّتار وإجرام اليهود الحاقدين على الإسلام والمسلمين.
وبعد قرن من الزّمن أدرك أنّه بلغ ما جاء من أجله بل أكثر من ذلك، قضى على كلّ المقاومات الشّخصية الجزائرية. سلبوا وقتلوا وشرّدوا وفرّقوا، وظنّوا أنّ الشّعب الجزائري فقدَ أبطاله وزعماءه، وحاد عن أصله بل مات.
وفي الخامس جويلية 1930 ما كان على الإدارة الفرنسية إلاّ القيام بحفل عظيم بمناسبة الذّكرى المائوية لاحتلال الجزائر، دام حوالي أسبوع أُشعلت الأضواء وشُربت الخمور حتّى الثّمالى وغنّوا ورقصوا واختلط الحابل بالنّابل، وأُلقيت الخطب من قِبل الضّبّاط ورجال السّياسة والكنائس.
قال أحدهم: إنّنا اليوم نحتفل بمناسبة الذّكرى المائوية ليس لاحتلال الجزائر بل لوأد ودفن الإسلام في أرض الجزائر…
وقال الآخر: بعد مدّة لن تجدوا في الجزائر من يعبد إلاّ المسيح…
وفي الخامس ماي 1931 ظهرت جمعية العلماء للوجود علنا لتقول لفرنسا جيشا وحكومة وشعبا: “لا.”
من قال حاد عن أصله ** أو قال مات فقد كدب
أو رام إدماجا له ** رام المحال من الطّلب
وخطّطت جمعية العلماء بالنّهوض بهذا الشّعب الأبي إلى مواجهة الاحتلال بسلاحين اثنين أوّلهما سلاح العلم وثانيها سلاح الجهاد.
وإذا كان ظهور جمعية العلماء المسلمين ضروري في ذلك الوقت 1931-1962 لمحاربة الاستدمار من جهة ومحاربة البدع والخرافات والشّعوذة باسم الدّين من جهة أخرى، والقضاء على الجهل والأمّية التي تفشّت في المجتمع الجزائري بإنشاء مدارس حرّة للجمعية.
وقُدّر عدد المدارس الحرّة بعد الاستقلال بثلاثمائة وخمس وعشرين مدرسة خاصّة بجمعية العلماء، أسّستها بمساعدة الشّعب التّوّاق للعلم والاستقلال. يقول الشّيخ البشير الإبراهيمي: “لو تأخّر ظهور جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين بعشرين سنة، ما وجدنا من يفهمنا.”
وبعد الاستقلال حُلّت جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين بقرار رسمي (عُد إلى كتاب مذكّرات الشّيخ خير الدّين الجزء الأخير.) وحاولوا وضعها في متحف للتّبرّك بها، ولتقزيمها مستقبلا.
لكن الجمعية أُسّست على قواعد متينة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك، وبشعار الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا منذ إلتقى الرّجلان العظيمان الشّيخان عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي بالمدينة المنوّرة، لا يمكن لها أن تبقى مكتوفة الأيدي ومكمّمة الأفواه وصمّاء. فراح رجالاتها الباقية المتبقّية يعيدونها للوجود فألحّوا على لمّ الشّتات لأنّ المولود إذا مُزّقت شهادة ميلاده لا يعني أنّه ميّت، ولا يُعدّ من الموتى.
وقد يسأل السّائل ما دور جمعية العلماء اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين وقد طُرد الاستدمار وقُضي على البدع والخرافات والشّعوذة؟
إنّ الحِمل أثقل ممّا مضى فالعدوّ كان ظاهرا للعيان، فهي اليوم تحارب الغزو الثّقافي والفكري فقد أصبح من شبابنا من يفكّر إلاّ في “الحرڤة” وإذا سقطت الأمطار في أوربا أو أمريكا تُؤخذ المطريات هنا، ولا يفكّر إلاّ بما هو غير جزائري سياسيا وتعليميا ومأكلا وملبسا …
وتواجه الشّعوذة والبدع والخرافات من جديد في ثوب جديد باسم التّديّن الخاطئ، وتصحّح مفاهيم الإسلام على أنّه علم وعمل…وليس كمن قال فيهم الفاروق عمر بن الخطّاب: أفق لقد أمتّ ديننا أماتك الله.
كما أنّها تهتمّ بتعليم المرأة ليكون لها شأن ودور بنّاء في المجتمع ولا يكون لها فرق بين المرأة المسلمة وغيرها إلاّ في عقيدتها السّليمة، لأنّ المرأة عندنا التي تهزّ المهد بيمينها فهي تهزّ العالم بيسارها.
وجمعية العلماء لا تألو جهدا للقضاء على الآفات الاجتماعية كالتّدخين والخمر والمخدّرات ومكافحة السّيدا ليعيش الفرد في مجتمع صالح وبيئة سليمة…
وإن أنسى فلا أنسى إبداء مواقفها السّيّاسية فيما يحدث في العالم العربي والغربي، والتّهجّم السّافل على الإسلام ورموزه والمسلمين من قِبل المغضوب عليهم والضّالّين.
إذًا لا ينقص جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين اليوم من دورها بالأمس شيء.