عبد الوهاب حمودة الرجل الرجل..
بقلم: التهامي مجوري-
إي والله سي عبد الوهاب حمودة هو الرجل الرجل، وليس ثلثه الرجل أو نصفه أو ربعه أو الرجل الذي يشبه الرجل، كما هو حال الكثير من نخبتنا المهزوزة؛ لأن من سمات الرجولة الجمع بين فضائل المجتمع المبثوثة في أعرافه وتقاليده، وخصال الإضافة والتجديد التي جادت بها الإنسانية على العالم، وكل ذلك من فضل الله كرمه على البشر.
فهو رمز للشهامة والصدق والإخلاص والتفاني في خدمة الناس والقيم، ورقم نادر في الإبتعاد عن الأضواء الكاشفة والمكشوفة والمفضوحة.
عبد الوهاب حمودة التقت فيه خصال، قلما تلتقي في شخص في هذه الأيام، فهو رجل الفكر الذي إذا ناقش أبدع، ورجل الإدارة وحسن التسيير وفق قيم الإنسان ومستلزمات المؤسسة، ورجل الزهد فيما أيد الناس ودهاليز المؤسسات، ورجل الزاوية القرآنية والحرص على التعليم القرآني، يؤمن بالله ورجل البذل والسخاء في سبيل ذلك، ورجل الشعور بما على البشر من واجبات تجاه بعضهم البعض، وتجاه أمتهم، ومصيرهم الأخروي.
فهو مهندس ملتقيات التعرف على الفكر الإسلامي، التي كانت تنظمها وزارة الشؤون الدينية، فكان الحريص كل الحرص على إنجاحها باعتبارها الجسر الفعال، فيما بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب، وما ينبغ أن تكون عليه من تفاعل، وقد كانت تلك الملتقيات بالفعل محطات حضارية فعلا في تعريف الغرب بالإسلام والتعرف على طروحاته وشبهاته. وقد قال لي الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي الرئيس السابق لرابطة العالم الإسلامي يوما، أنه كان عندما يعود إلى بلاده بعد مشاركته في ملتقى الجزائر، يقدم تقريره لمؤسسات بلاده، ويفخر بوجود مثل هذا المستوى في عرض الإسلام للعالم في الجزائر.
وهو أبن الاتجاه الحضاري الذي أسس له أستاذه مالك بن نبي، وواحد من زهاد العالم الذين لا يبغون الدنيا إلا بمقدار، ومن القليلين الذيم لفهم الاستغناء عن كل ما ليس له مبرر ضروري في هذه الحياة، فقد عاتبني مرة عندما ذكرت اسمه في مجلس بأنه هو الذي سدد فاتورة غداء مجموعة من الضيوف في إحدى المناسبات. وزرته مرة وحملت له معي كتابا كتب عن الحركة الإسلامية في الجزائر، وطلبت منه التعليق عليه، فقرأه ولم يعلق بشيء إلا بقوله “حبذا لو لم يذكر الأسماء”؛ لأن الرجل في ذينك الموقفين كان يرى أن من قدم شيئا في هذا المجال إكراما للضيوف أو قام بعمل أو أي شيء في الشأن العام لا ينبغي أن ينتظر شكرا من أحد، وإنما ينتظر الجزاء من الله.
الرجل نفسه مملوءة بالشعور بالواجب في الحياة، أكثر بكثير من شعوره بحاجة يريدها في الدنيا، ومشبع الشعور بالتقصير في الحياة الذي هو أساس تخلف الأمة ، ومن ثم كان الأستاذ عبد الوهاب رحمه الله ينظر إلى كم الجهود التي ينبغي أن تتوفر في واقع الأمة حتى تنهض، وحجم الجهود التي تنتظرنا حتى نلمس شيئا من الإضافة في حياتنا، إذ نقلت إليه يوما تذمري من أشخاص أرى في سلوكاتهم عرقلة للعمل الدعوي وتشويها للإسلام ورسالته، فقال لي عليك أن تقبل بهم كما هم؛ لأنهم في الغالب لا يتغيرون، ولكن اشغلوهم بما يحسنون؛ لأن ما يتحقق من فضائل بما يحسنون سيكون إضافة للأمة، أما سلوكاتهم فهي عليهم، ولا تؤثر بالضرورة على الإسلام ورسالته.
من شيم الوفاء للأستاذ رحمه الله انه بقي على صلة بأسرة مالك بن نبي رحمه الله، بحيث كان وفاؤه لها بمثابة وفاء الولد لوالده ووالدته، ولم ينقطع عن التواصل بهذه الأسرة إلى أن أقعده المرض؛ بل يكاد يكون هو القناة الوحيدة الصافية والنقية والخادمة لمالك بن نبي وأفكاره، الذي يقصده الناس فيما يريدون من عائلة مالك بن نبي، ولم يقتصر وفاؤه على أسرة بن نبي رحمه الله وإنما وتجاوزه إلى الوفاء لمن تتلمذوا على بن نبي رحمه الله. ففي سنة 1990، زارنا المفكر السوري الأستاذ جودت سعيد الذي يعد من تلامذة بن نبي المشهورين في العالم الإسلامي، وفي زيارته للجزائر لم تكن مرتبة ترتيبا مسبقا، ونزل بفندق في شارع عبان رمضان أظن اسمه “فندق دنيازاد” ولم يعرفه أحد، ولم يخبر أحد بأنه قادم..، فالتقيته قَدَرًا في مسجد بن باديس، وذهبت معه إلى الفندق، وأخبرت من كنت أعلم باهتمامه به، ولما علم الأستاذ عبد الوهاب بقدومه، نقله إلى بيت مالك بن نبي في شارع فرونكلين روزفيلت، وبرمج له ندوة في المركز الثقافي الإسلامي، وقد غص المركز بالحضور، رغم أن الوقت لم يكن مناسبا بسبب الاضطرابات السياسية يومها، كما برمج له حصة في التلفزيون، ولقيه الكثير من الناس الذين يعرفونه والذي لا يعرفونه.
رحم الله سي عبد الوهاب رحمة واسعة ووجازاه الله عن الأمة الإسلامية عامة وعن الجزائر خير الجزاء.