من أعلام منطقة طولقة: الشيخ علي بن السعيد مواقي بناني (1898م- 1957م)
بقلم: مواقي عبد الحق -
تعد منطقة طولقة والزيبان ككل حلقة بارزة وقوية في تاريخ الجزائر، بحيث تعاقبت عليها العديد من الحضارات على امتداد تاريخها الموغل في القدم، ورافدا من أهم الروافد التي ساهمت بفاعلية في صناعة تاريخ الجزائر، ومجدها الحضاري عبر العصور، وقد أرسى دعائم هذا الامتداد العريق ثلة من رجالاتها، وعظمائها، ومثقفيها، الذين نبغوا فيها منهم من ذاع صيته في الجزائر، وثلة منهم أناروا بعطاءاتهم الإنسانية جمعاء.
ولعل ما يميز منطقة طولقة وفرة الأعلام البشرية النابهة فيها بالنظر إلى عراقة المنطقة وامتدادها في التاريخ منذ بداية الإنسان الأول على الأرض، واستمرار تلك الحضارات إلى اليوم إلا أن المنطقة لم تلق الاهتمام اللازم من لدن الباحثين والمؤرخين ولعل من بين الأعلام التي سطرت بفكرها وفقهها وعلمها تاريخ منطقة طولقة محمد الخضر بن حسين (1293هـ- 1378هـ/1873م-1958م) الذي تبوأ مقعد مشيخة الأزهر بكل جدارة واستحقاق والإمام العلامة المحقق الفهامة المقرئ الفلكي الفرضي الصوفي محمد المكي بن عزوز (1270هـ-1334هـ/ 1854م-1916م) ومن المعاصرين العالم والمصلح والمدرس الشيخ محمد خير الدين (1902م-1993م/ 1319هـ-1413هـ) والشاعر والمصلح الشيخ أحمد سحنون )1907- 2003م( دون أن ننسى الشيخ علي مغربي الفقيه المصلح، والعالم والإمام الخطيب ومن الأحياء الشيخ العلامة الفقيه، المربي، العالم، المفتي، المدرس، المؤلف، المفسر والمناضل شيخ زاوية سيدي على بن عمر العامرة، والقلعة العلمية الشامخة. كما أضاءت سماء المنطقة والعالم أسماء أخرى لم تزل مغمورة وقليل أولئك الذين تطرقوا لها منهم الشيخ علي بن السعيد بن يوسف بن إبراهيم مواقي بناني الطولقي الحسيني علامة محدث وفقيه من أسرة علمية عريقة في العلم والاستقامة، ولد بطولقة ونشأ فيها، ولما بلغ سن الرابعة من عمره أدخله أبوه الكتاب أين تلقى مبادئ تعليمه الأولى فحفظ القرآن الكريم واللغة العربية وفقه المذهب المالكي بزاوية الشيخ سيدي عبد الرحمن بن موسى ثم انتقل إلى الزاوية العثمانية بطولقة ولما تخرج منها تفرغ لتدريس القرآن الكريم والفقه واللغة العربية بزاوية الشيخ عبد الرحمن بن موسى بطولقة، كما أولى اهتماما كبيرا بمكتبة الزاوية التي كانت عامرة بأمهات الكتب والمخطوطات وأعطاها جل وقته من تنظيم وفهرسة، بل كان يكتب يوميات المنطقة وأحداثها في مخطوط يسجل كل مجريات الأحداث، وكذا دروسه اليومية لتلامذته غير أن الاستعمار الفرنسي لم يتركه، فتعرض إلى المضايقات والملاحقة كما تعرضت المكتبة التي كان يقوم على شؤونها إلى الحرق؛ لم يكن آنذاك أمام الشيخ بدا من الهجرة فكانت الشام قبلته ووصل دمشق سنة 1928م.
ولما استقر به المقام في دمشق تعرف على الشيخ محمد كفتارو، وتتلمذ على يديه وأخذ عنه الكثير من العلوم والفقه والدين وأجازه انتقل بعد ذلك إلى بيروت بلبنان وبطلب من الشيخ محمد العربي العزوزي أمين دار الإفتاء في لبنان التحق الشيخ علي بن السعيد بمسجد البسطة، ثم مسجد الجرش في بيروت أين كان يلقي دروسه ومواعظه الدينية.
ففي بيروت تعرف على الحاج إبراهيم الصالح الموظف في إدارة الجمارك في مرفأ بيروت وقدمه إلى الشيخ محمد المجذوب وهو في ذات الوقت والد زوجة الحاج إبراهيم الصالح، وطلب ابنته مريم وتزوجها عام 1930م، ورزق منها بخمسة أبناء محمد وأحمد وفاطمة والحسن والحسين.
بعد جلاء القوات الفرنسية عام 1947م عن سوريا ولبنان انتقل إلى مدينة طرابلس والتحق بمسجد الغازي في سوق الميناء القديم القريب من متجره الذي كان يقدم فيه الدروس والفتاوى ويؤم المصلين دروسا. ويذكر أن الشيخ محمد كفتارو كان وهو في أيامه الأخيرة قد طلب لقاء الشيخ علي إلا أن الشيخ تعذر عليه الانتقال إلى دمشق نظرا لظروف زوجته الصحية التي كانت على وشك ولادة ابنته فاطمة وتوفي الشيخ محمد كفتارو أياما فقط بعد ذلك. توفي علي بن السعيد مواقي بناني ودفن بطرابلس، وقد ترك مكتبة عامرة من دروس ومخطوطات لم تزل العائلة تحتفظ بها.