الإمام ابن باديس وحجاب المرأة !
بقلم: الشيخ عبد الرحمن شيبان-
أمامَ ما يجري – هذه الأيام – من قِيل وقَال حول حجاب المرأة وسفورها من أجل "بطاقات الهوية" بين فريق الـمُحافظين على الثوابت الوطنية من جهة وبين "العِلمانيين العصريين" من جهة أخرى، أرى من الـمُناسب والـمُفيد، أن أفتَح صَفحة من حياة إمَام النهضة الجَزائرية، الـمُصلح الرَائد الشيخ عبد الحميد بن باديس، عليه رحمة الله، وبعض آرائه الإصلاحية التَّقدُمية الصَالحة لكُل زَمان ومكَان..
فَأقول: في الثلاثينيات من القرن الماضي، أُتيح لي أن أزور عاصمة وادي الصومام بجاية الحمادية، فسَعدت - صحبَةَ أصهاري الكرام من قُدماء تلاميذ ابن باديس، الأساتذة الإخوة الأشقاء، الـمعلمين والمُسيرين لمدرسة الحياة ببجاية: محمد أمقران، ومحمد الطاهر، وعلي شنتير، عليهم جميعا رحمة الله،- بأداء صلاة المغرب مع إمام النهضة الجزائرية الـمرحوم الشيخ عبد الحميد بن باديس بجامع سيدي الصوفي بإماَمَة العلاَّمة الشاعر المرحوم الشيخ حسن بولحبال مُفتي بجاية.
اللغة حياة الأمة وروحها
وإثرَ الصلاة مباشرة تَجمهرَ المُصلُّون بالساحة المُحيطة بالـمسجد، فوقفَ الإمامُ ابنُ باديس يخطُبُ بِحماسٍ يُحرِّك الصُخور الجامدة، مُنددًا بالقرار الاستعماري الفرنسي المشهور بقرار (شوطان – chautemps) الصادر في 8 مارس 1938م، القاضي باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر، فمن يُعلّمهَا بغيرِ رُخصة يتَعرَّضُ للغَرامة والسِّجن ؛ فَمِمَّا جاء في الخِطاب الباديسي قولُه:" إنَّ في هذا القرار قتلاً لنا، لأنه يَمسُّ ديننا ولُغتنا، فعلى كل الجزائريين أن يحتجُّوا ضِدّهُ، فمن لَم يفعل فهو خائنٌ لدينه ووَطنه سواءٌ كان عالـمًا، أو متَعلِّمًا، أو إماما، أو مُفتيًا..." فانصرف الجُمهور متَجاوبين مع رُوح ابن باديس بقُلوبٍ مُكهربة، وألسنةٍ مُهلِّلة مُكبِّرة.
المجتمع كالطائر
وإثرَ صلاة العشاء، من اليوم نفسه، أُتيح لِي أيضا أن أستَمعَ – صُحبة الإخوة الأساتذة المذكورين آنفا – إلى الإمام ابن باديس – رحمه الله- يُخاطب جمهورا من البجائيين والبجائيات، في حفل مَدرسي أُقيمَ بمُناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف – على صاحبها أفضلُ الصلاة وأزكى التسليم – يقولُ:" إن الطائرَ لا يَطيرُ إلاَّ بجَانحين، فكَذالكم الـمُجتمع فإنهُ لا ينهَضَ إلا بالجنسينِ: الرجل والـمرأة."!
وذلك بتكوين البنين والبنات تكوينًا حسنا، مُتكاملاً، يجعل منهما مواطنين صالحين ومواطنات صالحات.
حجاب الجهل وحجاب الستر
وقد سجَّل، في مجَلته الشهاب – الصادرة في الجزء العَاشر الـمُجلَّد الخامس بتاريخ غُرَّة جمادى الثانية 1348هـ - نوفمبر 1929م – الصفات التي يجبُ أن يتحلَّى بها الرَجُل الـمُسلمُ الجزائري، والـمرأةُ المسلمةُ الجزائريةُ، مُركزًا اهتمامهُ على الجانب العلمي للمرأة فيقول:"....إذا أردتم إصلاحها الحقيقي فارفَعوا حجاب الجَهل عن عَقلها قبل أن ترفعوُا حجاب السِّترِ عن وَجهها، فإن حجاب الجهل هو الذي أخرَّها، وأمَّا حجابُ السِّتر فإنه ما ضرَّها في زمان تَقَدُّمها، فقد بلغت بنات بغداد، وبنات قرطبة، وبنات بجاية، مكانًا عليًّا في العلم وهُنَّ مُتَحجِّباتٌ ؛ فليت شِعري ما الذي يَدعوكُم اليوم إلى الكلام في كَشفِ الوُجوه قبلَ كلِّ شيء...؟!" .
ويُضيفُ قائلا:" فعلينَا أن نُعلِّمها كلَّ ما تحتاجُ إليه للقيام بوَظيفَتها، ونُربِّيها على الأخلاق النِّسوية التي تَكون بها الـمرأة امرأةً، لا نصفَ رجلٍ ونِصفَ امرأةٍ، فالتي تَلدُ لنا رجُلاً يطيرُ خيرٌ من التي تَطيرُ بنفسهَا".
بهذا المنهج الإسلامي الإصلاحي النهضوي القويم نُؤمنُ، وعليه – بحول الله – نَسيرُ، معتمدين في ذلك على الآية الثانية والثلاثين من سورة يونس:} فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ...{.
تاركين لأعداء الحجاب الحرية في إصدار ما شاءوا من الأحكام على ابن باديس وأبنائه وبناته من الغيورين على الثوابت الوطنية على دعوته إلى حجاب الستر المرفوعة منذ قرن تقريبا.
والله وليُّ التوفيق والتأييد.